بقلم فرات السلامي
انعقد المؤتمر الوطني للاتحاد العام لطلبة تونس أيام 25 و26 ماي 2024 في سياق سياسي محلي يتّسم بتصاعد وتيرة القمع والتضييق على الحقوق والحريات، حيث طالت عصا القمع كل من المنظمات والصحفيين والإعلاميين، حتى أصبح توجيه التهم الكيدية أداة تكميم أفواه المعارضين لنظام قيس سعيد.
يعود التعجيل في عقد هذا المؤتمر إلى رفع جاهزية المنظمة الطلابية، بما هي تعبيرة تنظيمية وسياسية عن الحركة الطلابية، للتصدي لمآرب الشعبوية. إذ تسعى هذه الأخيرة إلى تفتيت كل الأجسام الوسيطة من نقابات ومنظمات وجمعيات وأحزاب وتهديمها، وذلك باختراقها في مرحلة أولى، ثم جعلها ذراعا لها، في مرحلة لاحقة. إضافة إلى ذلك فإنه من المرجْح أن يتضاعف تشديد الخناق على المنظمات بُعيْد الإنتخابات الرئاسية المقبلة.
في هذا الإطار نكتب جملة من الملاحظات التقييميّة السريعة حول المؤتمر الوطني للإتحاد العام لطلبة تونس، لنثمّن المكاسب التي تحققت وللوقوف عند بعض النقائص.
مكاسب ذات بال
على عكس المؤتمر الوطني الذي انعقد سنة 2022، نجحت الورشة السياسية هذه المرْة في فتح نقاش جدي وتسييره حول الأوضاع السياسية، مما ساهم في تعميق النقاش وتحقيق نقلة نوعيْة لموقف الإتحاد العام لطلبة تونس من السلطة السياسية. لقد اعتبرت اللائحة السياسية التي تمّ التصويت لصالحها بأغلبية المؤتمرين أن النظام القائم هو نظام إستبدادي يسعى إلى التضييق على الحقوق والحريات كما ذكرنا أعلى هذا. ذلك أن المرسوم 54 قد سلّط سيفا على رقاب كل معارضي قيس سعيد. بالإضافة إلى ذلك اهتمّت الوثيقة بالأزمة الإقتصادية التي تعيشها البلاد والتي نتبينها من مجموعة من المؤشرات الإقتصادية، مثل ارتفاع حجم المديونية ونسبتها مقارنة بالناتج المحلي الخام، ارتفاع عجز الميزان التجاري، إرتفاع نسبة التضخم، تراجع حجم المبادلات التجارية…
الأكيد أن كل ذلك قد أدّى إلى تدهور الأوضاع الإجتماعية فارتفعت نسب الفقر والبطالة وغلاء الأسعار وانقطاع بعض المواد الأساسية عن السوق الداخلية.
في هذا السياق طالبت اللائحة بإلغاء المرسوم 54 ومراجعة المنوال الاقتصادي وحلحلة الأوضاع الاجتماعية.
كما تضمّنت لائحة الحقوق والحريات نقاطا تعكس وعيا بالخطر المحدق على الحقوق والحريات العامة والفردية، وتناول النقاش أيضا المواقف العنصرية التي عبّر عنها رأس السلطة السياسية.
أما لائحة القضية الفلسطينية فقد أكدت على انتصار الإتحاد العام لطلبة تونس للقضية الفلسطينية باعتباره موقفا مبدئيا لا تراجع عليه. لم يقف النقاش على توصيف حرب الإبادة التي يتعرّض لها شعبنا الفلسطيني من الكيان الصهيوني الغاصب وإنما توجّه نحو إيجاد سبل مساندة عملية مثل الانخراط في حملات المقاطعة للمنتوجات المطبّعة وتنظيم الوقفات الإحتجاجية أمام السفارات تنديدا بالتطبيع مع الكيان الصهيوني.
إنجاز لا يخلو من نقائص
لئن حقّق المؤتمر جملة من المكاسب خصوصا على مستوى تصويب الموقف السياسي، إلا أن مؤتمر 2024 مثّل تواصلا لبعض الظواهر الغير صحّية التي رافقت تجربة الإتحاد العام لطلبة تونس.
يفترض أن يتمّ تشكيل المكاتب القاعدية والوسطى والعليا على قاعدة انتخابية يتمّ فيها تشريك أكثر عدد ممكن من الطلبة من خلال تمكينهم وإقناعهم بالانخراط في الإتحاد العام لطلبة تونس، وهي خطوة نعتبرها مهمْة في مأسسة الإتحاد العام لطلبة تونس، لكن الواقع كان بعيدا على هذه الطموحات، إذ لم تتمكْن الأجزاء التي تسلّمت الإنخراطات من توزيع أكثر من مئات الانخراطات على الطلبة.
و هذا ما فرض تشكيل هذه المكاتب على أرضية التوافق بين الأطراف الشبابية والمستقلين. ولئن مثلت هذه الآلية ظاهرة غير سليمة رافقت تجربة الإتحاد العام لطلبة تونس، إلا أنها كانت في هذه الظروف، بالنّظر خصوصا لضعف عدد المنخرطين، ضرورة لتثبيت الحد الأدنى من الهياكل ولفتح المجال أمام عدد هام من الطلبة للمشاركة في صياغية توجهات المنظمة كمؤتمرين. ورغم تثبيت 107 مكتب فيدرالي إلا أن عدد المؤتمرين لم يتجاوز مئات المؤتمرين. وهذا ما يطرح ضرورة العمل على مضاعفة العدد في المؤتمرات المقبلة وإعادة المنظمة لتكون وجهة وإطارا لعموم الطلبة.
جدل حول تركيبة المكتب التنفيذي الجديد
أثارت مخرجات المؤتمر، وتحديدا تركيبة المكتب التنفيذي، وابلا من التعليقات والمنشورات تراوحت بين التثمين والانتقاد، بل وحتى الاستغراب. ويهمنا في هذا الإطار توضيح بعض النقاط.
رفض اتحاد الشباب الشيوعي التونسي التمثل في المكتب التنفيذي السابق نظرا لانحراف المنظمة عن خطها السياسي ومهادنة المكونات السياسية للسلطة السياسية وخاصة فشل الورشة السياسية في إفراز اللائحة الكاشفة لطبيعة النظام القائم. لذلك اختار اتحاد الشباب الشيوعي موقف المعارضة النقابية من خارج المكتب التنفيذي كآلية تمكّننا من الصراع من أجل تحقيق الأهداف المذكورة سلفا علاوة على العمل على إمتداد المنظمة وانتشارها في صفوف الطلبة. حقّق هذا الخيار بعض النجاحات أبرزها تحرك قطاع الحقوق الذي قاده مناضلونا ومناضلاتنا وفرض كأمر واقع على قيادة المنظمة، إلا أنه لم يحقق الأهداف المرجوّة منه وهو ما دفعنا إلى تقييمه جماعيا ومراجعته.
رغم عدم تمثله في المكتب التنفيذي ظلّ اتحاد الشباب الشيوعي التونسي قوّة سياسية متميزة في الجامعة التونسية مما سمح بعودته لنقاشات مؤتمر 2024 من موقعه الطبيعي كقوة ريادية لا يمكن تجاوزها. حقّق رهاناته التي رسمها قبل انطلاق أشغال المؤتمر من ذلك المساهمة في صياغة اللائحة السياسية التي تعبر عن هوية الإتحاد العام لطلبة تونس وخطه السياسي الذي ثبتته حركة 5 فيفري المجيدة سنة 1972، كما أكدت اللائحة على الإستقلال السياسي والتنظيمي عن السلطة.
لم تنجح المفاوضات في إيجاد صيغ تمثل كل الأطراف، ذلك أن البعض منهم لم يتمكّن من التمثل في المكتب التنفيذي، وتبريرا لذلك أطلق هؤلاء حملة فايسبوكية مرفقة ببيانات تهدف إلى مغالطة الرأي العام الطلابي. حتى أصبح أولئك المدافعون عن 25 جويلية وأصحاب البيانات المهادنة للسلطة يتشدّقون بالقطيعة السياسية والتنظيمية مع السلطة. رغم أن هذه الأطراف قد اعتبرت سابقا إجراءات 25 جويلية “إستجابة لمطالب شعبية” و”قد تكون تصحيحا لمسار الثورة”، وقد أخذ الحماس البعض منهم إلى إعتبار هذه الإجراءات في خطاب لهم في ساحة حقوق الإنسان بسوسة بتاريخ 26 جويلية 2021، “انقلابا ثوريا”!، يعترضون على اعتبار 17 ديسمبر ثورة وفي المقابل يعتبرون انقلاب قيس سعيد على المسار الثوري والمكاسب التي حققتها ثورة 17 ديسمبر إنقلابا ثوريا! علما وأن عبارة الثورة والإنقلاب الثوري تفيد في المعجم الماركسي نفس المعنى تقريبا.
من يتشدقون اليوم بالقطيعة السياسية والتنظيمية امتنعوا عن نشر بيانات تحمل مواقف واضحة وجريئة من السلطة السياسية، وحتى البيانات التي نشرت تحت ضغط الانتقادات وتصاعد وتيرة القمع ظلّت محتشمة وخجولة. من ذا الذي يدّعي الدفاع على مبدأ القطيعة السياسية والتنظيمية ولكنه يسعى بكل الطّرق لعزل الطّرف الأبرز الذي كان ولازال وسيبقى موقفه من نظام قيس سعيد وانقلاب 25 جويلية واضح وعلى طرف نقيض من السلطة؟
لنا أن نذكر أيضا بانخراط البعض منهم، صحبة النقابات الأمنية! في المسيرات المساندة لقيس سعيد في تونس العاصمة، أمام المسرح البلدي تحديدا. لن يمحي التاريخ حتى مشاركتهم في انتخابات مجلس نواب قيس سعيد 2022/2023 كمترشحين وكمنتخبين وفي استفتاء 2022 الذي قاطعته الفئات الواسعة من الشعب التونسي بالرغم من أن نسبة المشاركة لم تتجاوز 11 %. لنا أن نتساءل هنا: أي مطالب شعبية تبرّر لحزب لا يدّعي الثورية المشاركة في إستفتاء وانتخابات فاشلة (من إعداد نظام فاشستي) قد قاطعها الشعب التونسي؟
أطلق المهادنون صيحات فزع: “لقد أصبحت المنظمة بيد السلطة!” “كيف لإتحاد الشباب الشيوعي التونسي أن يسلّم بذلك” وغيرها من الصيحات الدرامية. لنا أن نسألهم هنا: هل كانت المنظمة بيد سوفيات من السوفياتات؟ أو لعلها كانت تحت قيادة ثوريين؟ أيّ مواقف اتخذتها القيادة المتخلية حتّى تدّعي مكوناتها (الآن من خارج المكتب التنفيذي) مناهضتها للسّلطة وأنها” على يسارها”؟
الحقيقة أن الصراع قد أصبح أكثر وضوحا اليوم؛ فإما أن تعود المنظمة إلى هويتها الأصلية، وإما أن تبسط السلطة سيطرتها عليها. وبناء على ذالك سنقيم سلوك الجميع.
لا يمكن لفاقد الشي أن يفرط فيه ولم تكن الأمانة العامة أصلا من نصيب اتحاد الشباب الشيوعي التونسي حتى يفرّط فيها، فالأمين العام السابق الذي سيسلّم مهامه للأمين العام الحالي ينتمي إلى تنظيم آخر، كما أن المفاوضات لم تمكّن إتحاد الشباب الشيوعي التونسي من تسلم الأمانة العامة رغم تمسكه بذلك إلى آخر لحظة، فقد حكمت فيه ميزان القوى وسلوك هذه الأطراف ذاتها خلال المفاوضات، ولم يكن للتصويت أن يفرز ذلك أيضا. فهل المسؤولية مسؤولية إتحاد الشباب الشيوعي التونسي؟ قطعا لا .
ختاما
يراهن اتحاد الشباب الشيوعي التونسي على خوض الصراع من أجل المنظمة وخطّها وهويتها ودفعه إلى أقصاه، على قاعدة النضال الفكري والميداني معا، وهو ليس بغريب عنه لطالما مثل صمام أمان للمنظمة. الصراع بيّنٌ وأطراف الصّراع بيّنة أيضا، وأعداء المنظمة وخصومها واضحون أيضا. فلترصّ القوى التي تدّعي تمسّكها بمبادئ المنظمة الصفوف ولتسقط كل “الحسابات الضيقة” فعلا وبالملموس، وليتنحّى جانبا كل من يريد إخفاء إنتهازيته وضعفه وعدم استعداده لتحمل مسؤوليته السياسية والأخلاقية تجاه المنظمة وتجاه الشباب الطلاّبي وراء ثوب الطهورية والجمل الثورجية الرنّانة والمزايدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.