بقلم علي البعزاوي
عنصران أساسيان لعبا دورا حاسما في وضع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة على سكة النصر القريب: أولا وحدة قوى المقاومة رغم اختلاف مرجعياتها الأيديولوجية والفكرية باستثناء من راهنوا على “الحل الأمريكي”، وثانيا صمود الحاضنة الشعبية في غزة والضفة والتفافها حول المقاومة.
كل الفصائل تقريبا باستثناء معسكر أوسلو المهزوم آمنت بأنّ النضال بكل الأشكال بما في ذلك النضال المسلح هو الطريق إلى تحرير فلسطين. لذا شكلت غرفة عمليات مشتركة وتقاسمت الأدوار والمهمات في الميدان فكان الأداء على الأرض جيدا والنتائج مذهلة ومربكة في نفس الوقت لمعسكر تصفية القضية الفلسطينية وفي مقدمته الامبريالية الأمريكية وربيبتها الصهيونية دون أن ننسى الرجعية العربية المتآمرة على القضية الفلسطينية.
هذه العقيدة النضالية الراقية هي التي دفعت شعوب العالم إلى مساندة الفلسطينيين قضية وشعبا وإلى التنديد بالمجازر التي يرتكبها الجيش الصهيوني المدعوم من الامبريالية الأمريكية عدوة الشعوب وإلى ممارسة الضغط في الشوارع وساحات الجامعات وأمام المؤسسات الرسمية للأنظمة الحاكمة من أجل وقف إرسال الأسلحة إلى إسرائيل ووقف التعاون معها ووضع نهاية لحرب الإبادة. كما دفعت أنظمة حكم أوروبية إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة. وهو ما زاد في إرباك الكيان الصهيوني ودفع قادته إلى التنديد بهذا الموقف الذي ستكون له تداعيات على مستقبل الكيان الصهيوني.
الشعب الفلسطيني من جهته احتضن مقاومته واقتنع قناعة راسخة بأنّ عدوه الرئيسي ليس هذا الفصيل المقاوم أو ذاك. بل الكيان الصهيوني بجيشه المجرم ومستوطنيه الفاشيين وقيادته السياسية العنصرية والنازية وداعميه من القوى الامبريالية.
الشّعوب تستخلص الدّرس
إنّ هذا السلوك هو الدرس الذي ينبغي استخلاصه والأكيد أنّ شعوب العالم وفي مقدمتها الشعوب العربية ستعتمده في تعاطيها مع أنظمة العمالة والتطبيع والاستغلال. إنّ الانتصار على هذه الأنظمة باعتبارها العقبة الرئيسية أمام تقدم الشعوب وتحررها وازدهارها ورقيها غير ممكن دون وحدة القوى الثورية والتقدمية والديمقراطية ودون حاضنة شعبية داعمة ومنخرطة في النضال اليومي للمراكمة على طريق تحقيق الأهداف الاستراتيجية.
إنّ وحدة القوى التي نتحدث عنها لا تشمل القوى الرجعية على اختلاف مشاربها مهما كان موقعها وموقفها من الحكم القائم ولا المجموعات الانتهازية التي تناور وتتخذ مواقف تكتيكية من شأنها فتح الطريق أمام الظفر بمواقع وامتيازات مهما ادّعت التقدمية وتجلببت بجلباب الثورة وأهدافها. إنّ الممارسة الميدانية وحقيقة المواقف المتخذة هي المحك للحكم لصالح هذه المجموعات أو عليها وتحديد الموقف منها وفضحها سياسيا وضرب تأثيرها في الأوساط الشعبية.
إنّ النضال ضد الانتهازية لا يقل أهمية عن النضال ضد الرجعية.
التكتيكات الثورية والبنّاءة هي الحل
إنّ القوى الثورية والتقدمية والديمقراطية في تونس وحتى تكون صادقة تجاه الشعب وأقوالها منسجمة مع أفعالها، مطالبة باتخاذ مواقف واضحة وجادة إزاء نظام الحكم القائم باعتباره نظاما مسخرا لخدمة مصالح الأقلية البورجوازية على حساب الأغلبية الشعبية، لا يختلف مع منظومات الحكم السابقة. ويتوخى خيارات وسياسات تخدم هذا التوجه وأشكال حكم لا ديمقراطية من شأنها سد الباب أمام أي تمثيل حقيقي للشعب في مؤسسات ديمقراطية وممثلة تتمتع بصلاحيات نافذة. وأمام أيّ إمكانية لتحقيق شعار “السلطة للشعب” باعتباره الشكل الأمثل لتمكين الشعب من تقرير مصيره بنفسة وتحقيق الأهداف التي انخرط من أجلها في المسار الثوري. وهو شعار يرفع في كل التظاهرات الشعبية منذ 2011 إلى اليوم. كما أنّ هذه القوى مطالبة حتى تكون منسجمة مع الخيارات والمواقف التي تعلنها باتخاذ تكتيكات من شأنها أن تكرس في النهاية هذه الخيارات والمواقف وتساعد على المراكمة والتقدم نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية.
إنّ التكتيكات تتأثر لا محالة بحالة موازين القوى لكنها ترتبط بالأهداف المراد تحقيقها ويجب أن تكون خادمة لها حتى لا تكون تكتيكات إصلاحية/انتهازية.
وفي هذا السياق يتحدد الموقف من شكل التعامل مع نظام الحكم سواء بالتنسيق والتعاون معه مع إمكانية نقده والتباين معه أحيانا بالنسبة إلى معسكر الانتهازيين/الطامعين/الباحثين عن صيد ثمين أو بالقطيعة معه بالنسبة إلى القوى الثورية والتقدمية والديمقراطية التي لا تحمل أوهاما حوله والتي حسمت موقفها بشأنه. كما يتحدد الموقف من انتخاباته مشاركة أو مقاطعة باعتبارها انتخابات شكلية لا تتوفر فيها رهانات جدية للمنافسة وتجري في مناخ عام يغلب عليه العزوف عن الشأن العام وهيمنة الصوت الواحد والرأي الواحد واستهداف المخالفين في الرأي والنشطاء من كل حدب وصوب بما يجعل من كل مشاركة مهما كان مستواها وشكلها تشريعا للانقلاب وللاستبداد العائد.
هذا هو الدرس الفلسطيني الذي يحدّد بمعنى ما السلوك الواجب اتباعه تجاه نظام الحكم حتى لا تذهب تضحيات الشعب التونسي هدرا وحتى لا نجد أنفسنا مرة أخرى على هامش الأحداث غير قادرين على تحقيق أهداف الثورة أو حتى الحفاظ على المكاسب المحققة التي ضحّى من أجلها الآلاف من بنات وأبناء شعبنا.