المقاومة الفلسطينية تكسب معركة الجامعات في العالم

بقلم مرتضى العبيدي

الحركة الطلابية في العالم تنتصر لفلسطين

تشهد الجامعات في عدة دول من العالم هبة طلابية عارمة، لنصرة القضية الفلسطينية في وجه العدوان الصهيوني المتواصل منذ ثمانية أشهر والمنصبّ على قطاع غزة بالخصوص دون أن يسلم منه باقي الفلسطينيين حيثما كانوا.
وكانت هذه الهبّة انطلقت من جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك الأميركية، وسرعان ما انتقل لهيبها إلى مئات الجامعات في مختلف أنحاء العالم، فوصلت الى معظم الدول الغربية المساهمة في هذا العدوان بهذا الشكل أو ذاك. فاجتاحت بلدان مثل كندا، وبريطانيا واستراليا ونيوزلندا والهند واليابان وكوريا الجنوبية والنرويج وفرنسا وألمانيا اللتين برع حكامهما في قمع هذه التحركات وتجريمها. فشكلت بذلك موجة من التضامن الطلابي غير المسبوقة، لم نشهد لها مثيلا منذ العدوان الأميركي على فيتنام في ستينات وسبعينات القرن الماضي.
فنظّم الطلاب في مختلف الجامعات فعاليات ومظاهرات حاشدة للتعبير عن رفضهم الاحتلال الإسرائيلي وسياساته الوحشية ورفعوا الأعلام الفلسطينية ولافتات منددة بالعدوان على غزة، مرددين شعارات تدعو إلى الحرية والعدالة للشعب الفلسطيني.
ولاقت هذه الحركة الطلابية تفاعلًا واسعًا من قبل مختلف فئات المجتمع في العالم إذ شارك فيها العديد من الشخصيات السياسية والمثقفين والنقابيين والفنانين إن بصفة مباشرة أو عبر منصات التواصل الاجتماعي بموقف مساندة لحراك الطلاب الداعم للقضية الفلسطينية، وعبّروا عن تضامنهم مع نضال الشعب الفلسطيني.
وواجهت هذه الحملة الطلابية في بعض الدول، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية، حملات قمع من قبل سلطات الجامعات والأجهزة القمعية. حيث تم اعتقال مئات الطلاب المشاركين في الاحتجاجات، كما واجه بعضهم تهديدات بالفصل من الجامعة. ورافقتها حملات تشويه من وسائل الإعلام الصهيونية التي اتهمتها بمعاداة السامية وبالاعتداء على اليهود وبمساندة “الإرهاب” ممثلا في فصائل المقاومة الفلسطينية. كما أن الكونغرس الأمريكي مرّر ما يسمى بقانون “خطاب الكراهية” الذي يعتبر اي نقد لإسرائيل بمثابة معادة للسامية، فهو يجرّم مثلا تشبيه ما تقوم به اسرائيل في غزة بالهولوكوست او وصف ما يحدث في غزة بالإبادة الجماعية ويقيد بشكل سافر حرية التعبير.
وعلى الرغم من التضييق والملاحقة، إلا إن الهبّة الطلابية في جامعات مختلفة حول العالم نجحت في إيصال رسالة قوية للعالم مفادها أن القضية الفلسطينية ما تزال حية في قلوب الشباب، وأنهم لن يترددوا في التضامن مع الشعب الفلسطيني حتى نيل حقوقه كاملة، في فلسطين من النهر الى البحر.
زيادة على ذلك، فإن الحراك المذكور قد هزم خاصة آلة الدعاية الصهيونية. فلم تعد شعارات مثل “حق إسرائيل في الوجود” و”ضرب الإرهابيين” و”معاداة السامية” تسيطر على المشهد الإعلامي في جامعات كبريات البلدان الامبريالية، بل باتت تزاحمها الآن شعارات مثل “الأبارتايد” و”الإبادة الجماعية” و”التطهير العِرقي”، خاصة بين أوساط الشباب وفي صلب المجتمعات الغربية.

هل واكب الحراك الطلابي في البلدان العربية حراك جامعات العالم؟

وفي البلدان العربية، وإن عبّر الطلاب عن رفضهم القاطع لسياسات التطبيع مع إسرائيل التي تمارسها بعض هذه الدول، ونددوا بزيارات المسؤولين العرب لإسرائيل، وطالبوا بقطع العلاقات معها ومقاطعة بضائعها، إلا أن المواكب لما حدث ويحدث في جل بلدان العالم يلاحظ بمرارة هزال مشاركة الطلاب العرب في هذا الحراك العالمي، وإن تفاوت الأمر من بلد الى آخر. فلم نشهد مثيل ذلك الحراك داخل المركّبات الجامعية العربية، وإن حصل، فهو لا يعدو أن يكون تظاهرات وفعاليات عادية لا ترتقي إلى حجم الحدث.
ومما لا شك فيه أن بعض الشباب الطلابي في بلداننا العربية ساهم ويساهم في ما يجري في الشوارع من أعمال احتجاجية ضد العدوان ونصرة للقضية الأم، لكن الحركة الطلابية لم تبرز كحركة منظمة وكرافد من روافد الحركة الشعبية المناهضة للامبريالية والصهيونية والرجعية، مثلما كانت دوما خاصة وأن لديها من التقاليد ما يؤهلها بأن تلعب دورا مميّزا في مثل هذه المناسبات. وهي التي كانت في تونس مثلا في طليعة المساندة لحركات التحرر الوطني، لا في البلدان العربية فحسب بل وكذلك في بلدان إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

الحركة الطلابية في تونس ومناصرة قضايا التحرر الوطني

ففي سنة 1961، والجامعة التونسية لم تتشكل بعد، إذ كانت تقتصر على معهد يتيم “معهد الدراسات العليا” الذي كان يعدّ الطلبة للالتحاق بالجامعات الفرنسية، نظّم طلبة هذا المعهد مدعومين بأعداد من الشباب التلمذي مظاهرة احتجاجا على اغتيال الزعيم الوطني الافريقي باتريس لوممبا الذي انتخبه شعبه لقيادة الكونغو في مرحلة ما بعد الاستعمار، لكن المستعمر البلجيكي أقاله من منصبه، قبل ان يدبّر عملية اغتياله مع ثلة من رفاقه يوم 17 جانفي من تلك السنة. وكانت تلك الحركة، على رمزيتها، إيذانا بتأصيل الحركة الطلابية التونسية في خيارها الوطني المعادي للامبريالية والذي سيشكل أحد أهمّ عناوينها النضالية في لاحق السنين.
ولعل مظاهرة 5 جوان/حزيران 1967 التي نظمها طلبة الجامعات في تونس إثر العدوان الصهيوني على مصر والأردن وسوريا تبقى من العلامات البارزة، إذ أنها أجبرت النظام القائم على كشف وجهه الحقيقي بما أتاه من قمع في مواجهتها واعتدائه العنيف على المشاركين فيها، واعتقال قادتها وإحالتهم على المحاكم التي سلطت عليهم أحكاما قاسية للغاية، من ذلك الحكم على المناضل محمد بن جنات الطالب بكلية الشريعة وأصول الدين بعشرين سنة سجنا مع الأشغال الشاقة. وقد كانت هذه المظاهرة إشارة انطلاق لمظاهرات شعبية عارمة في العاصمة تونس وفي عديد المدن الداخلية للتنديد بالعدوان الصهيوني على البلدان العربية.
كما أن زيارات رموز الدول الامبريالية الى بلادنا كانت مناسبات للاحتجاج وللتعبير عن رفض الهيمنة. من ذلك المظاهرة التي رافقت زيارة “روبيرت ماكنمارا” المدير العام للبنك العالمي سنة 1969، الخطة التي شغلها مباشرة بعد مغادرته وزارة الدفاع الأمريكية التي مكث فيها ثماني سنوات (1981 ـ 1968) وهي أعتى سنوات الحرب الأمريكية على الفيتنام. فخرج الطلاب في تونس لتذكيره بأنه غير مرحب به في بلادن وبأنه مجرم حرب مازالت يداه تقطر بدماء الشعب الفيتنامي.
ولم تمرّ سنة على زيارة ماكنمارا حتى جاء وزير الخارجية الأمريكي ويليام روجرز في 9 فيفري 1970 للتسويق لمبادرته المعروفة باسم “مشروع روجرز” وهو عبارة عن مشروع للاستسلام يحاول فرضه على الأنظمة العربية، تحت غطاء وقف دائم لإطلاق النار بينها وبين الكيان الصهيوني والشروع فورا في مباحثات للسلام من أجل تطبيق القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن. فاستقبله الطلاب التونسيون بمظاهرات عارمة شارك فيها ما يزيد عن خمسة آلاف طالب. وقد تم على إثرها اعتقال عدد كبير من الطلبة أرسل العديد منهم إلى التجنيد القسري، وهي ممارسة ستتواصل على مرّ السنين.
كما أن مختلف الأجزاء الجامعية كانت تشهد على مرّ السنين فعاليات تضامنية وثقافية للتعريف بحركات التحرّر الوطني في العالم ومساندتها، من خلال حلقات النقاش، والمعلقات الحائطية وغيرها ممّا كان متاحا في ذلك الوقت. وهكذا كان الطلبة في تونس يتابعون ما يجري لا فقط في الثورة الفلسطينية، بل وكذلك في ثورة ظفار، وفي إرتريا، وفي جمهورية اليمن الديمقراطية، وفي آخر المستعمرات في إفريقيا (أنغولا، الموزمبيق، الرأس الأخضر…)، وبالطبع في فيتنام حتى 30 أفريل 1975، يوم سقوط سايغون بين أيدي ثوار الفيتكونغ الذين مرّغوا أنف أمريكا في الوحل وأطردوا جيوشها شر طردة. وقد انتظمت يومها عديد التظاهرات في مختلف الأجزاء الجامعية قبل أن يلتقي الجميع في شوارع العاصمة احتفاء بالحدث.
تلك بعض المحطات من التاريخ المجيد للحركة الطلابية في تونس التي نعتقد أنها لن ترضى طويلا بحالة الوهن التي هي عليه اليوم حتى أننا لا نكاد نسمع صوت الجامعة في غمار هذه الأحداث التي نعيشها اليوم والتي كانت سباقة في نصرتها بل إنها شكلت فيها لسنوات عديدة قاطرة تجرّ وراءها قطاعات أخرى من الفعاليات الشعبية.