بقلم حبيب الزموري
توجّه حزب العمال بتاريخ 24 ماي 2024 بنداء إلى الشعب التونسي لاستنفار قواه التقدمية والديموقراطية لرفع راية المقاومة والنضال ضد الانقلابات المتتالية التي تقترفها منظومة الحكم الشعبوية بقيادة قيس سعيد على الحريات العامة والفردية في البلاد بالتزامن مع مواصلة تطبيقها لنفس السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت سببا في تفقير الشعب التونسي وتدمير ظروف عيشه وإغراق البلاد في المديونية ورهنها للمؤسسات المالية العالمية، إذ وصلت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية إلى مستويات غير مسبوقة أدت إلى عجز منظومة الحكم حتى عن ضمان التزويد المنتظم بالمواد الغذائية والخدمات الأساسية بما يستجيب إلى الحاجيات اليومية الضرورية لعموم التونسيات والتونسيين.
1. الدفاع عن الحريات دفاع عن إمكانيات النضال على بقية الواجهات
رغم الطابع الشامل لهذه الأزمة التي تعيشها بلادنا منذ سنوات اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وقيميا فقد اعتبر حزب العمال في ندائه إلى عامة الشعب والقوى السياسية والمدنية والنقابية الديموقراطية أنّ النضال دفاعا عن الحريات العامة والفردية والتصدي للاعتداءات المتكررة لسلطة الانقلاب على هذا المكسب عبر تفكيك المنظومة القانونية الحامية للحرية التي أفرزتها ثورة 2010 – 2011 – رغم نقائصها – وتعويضها بمراسيم وقوانين فاشستية في مقدمتها المرسوم 54 سيئ الذكر، وعبر تسخير الأجهزة القمعية والدعائية للدولة لضرب مساحات الحرية واحتلالها وتحويلها إلى منصات دعائية للمشروع الشعبوي، هو اليوم، أي النضال، أولوية قصوى لا تقبل التأجيل. فهذا العدوان على الحرية يتم تحت قصف خطابي ممنهج من “الزعيم الروحي والفعلي للمشروع” قائم على التلاعب بالشعارات والألفاظ مؤسسا معجما سياسيا خاصا به أصاب عددا من الفاعلين السياسيين والمدنيين بالدوار وأغراهم بالانسياق وراءه دون الانتباه إلى البون الشاسع بين محتوى هذا الخطاب والممارسة على أرض الواقع الذي يصل في أغلب الأحيان إلى حد التناقض الصارخ.
أكد حزب العمال في ندائه أنّ النضال في سبيل الدفاع عن مكسب الحرية لا يلغي واجهات النضال الأخرى ولكنه اعتبر أنّ هذا النضال يكتسب أولويته اليوم بوصفه بوابة كافة النضالات الأخرى. فمثلما فسحت الحرية بعد الثورة المجال للقوى الثورية والتقدمية والديموقراطية للنضال ضد المشاريع الرجعية التي كادت أن تجهض المسار الثوري في مهده، فإنّ الدفاع عن الحرية اليوم هو أولا وقبل كل شيء دفاع عن هذا المجال، حق النضال السياسي والمدني والنقابي السلمي والجماهيري، هذا المجال الذي ما فتئ يتآكل تحت ضربات الشعبوية التي جلبت معها شبح الاستبداد والديكتاتورية للزحف على البلاد.
فإذا كان قيس سعيد ومشروعه الشعبوي يستند إلى أجهزة الدولة ويستقوي على الشعب بإمكانياتها المادية والبشرية والقانونية والسياسية فإنّ السلاح الوحيد المتاح للشعب التونسي وقواه الديموقراطية للتصدي لهذا المشروع هو الحرية: حرية التعبير والتنظم والتظاهر والنشر… إنّ نجاح الشعبوية في تجريدنا من سلاح الحريات العامة والفردية يعني بكل بساطة أن يكون الشعب أعزلا في مواجهة منظومة حكم من أقسى المنظومات التي مرت على بلادنا وليس من المبالغة في شيء القول إنها أشرس من المنظومتين البورقيبية والنوفمبرية. فالتحالف الطبقي الذي يشكل القاعدة الاجتماعية لمنظومة الحكم منذ منتصف القرن العشرين إلى يوم الناس هذا متعطش للعودة بقوة وللانتقام من فاصل الثورة التي أنجزها الشعب التونسي والتي وللأسف لم تكن على درجة من التجذر والعمق كي تجهز عليه بالكامل وتقيم النظام الوطني الديموقراطي الشعبي البديل.
إنّ هذا التحالف الطبقي متعطش لغلق قوس الثورة نهائيا واستئناف نشاطه الكومبرادوري ووضع حد للتنازلات التكتيكية التي كان مرغما على تقديمها طيلة العشريتين السابقتين. فطوال هذه المدة لم يجد في مختلف التعبيرات السياسية (النهضة/الترويكا، النهضة/النداء…) القوة القادرة على حسم الصراع لصالحه وذلك بسبب مناخ الحرية الذي كان سائدا والذي مكن الشعب التونسي من إبقاء قوس الثورة مفتوحا إلى حد الآن. ولكن يبدو أنّ هذا التحالف الطبقي المسيطر على أجهزة الدولة العميقة منذ قرابة السبعة عقود أو على الأقل جناح من أجنحته قد وجد “عصفوره النادر” الذي سيعيد الأمور إلى نصابها إلى ما قبل 2011. فعلى خلاف البورجوازيات الأوروبية التي استطاعت حماية مصالحها من خلال نظام سياسي “ديموقراطي” محصن بمنظومات قانونية وتشريعية مرنة تعتبر عصارة تجربة تاريخية امتدت على مئات السنين فإن البورجوازيات التابعة والعميلة عاجزة عن البقاء في ظل الديموقراطية ولا قدرة لها على مواجهة الهبات والانتفاضات الشعبية الدورية ولا استعداد لديها لتقديم تنازلات تمس مصالحها ومواقعها الهشة أصلا، من هنا ينبثق حرصها على غلق قوس الثورة وتسييج مساحات الحرية لتحصين مواقعها ومصالحها عبر نظام حكم استبدادي مطلق.
2. الدفاع عن الحريات استحقاق نضالي مشترك
لم يكن هذا النداء الذي أطلقه حزب العمال يوم 28 ماي 2024 معزولا عن خطه السياسي العام أو عن موقفه من منظومة الحكم التي انتصبت بتونس منذ 2019 والانقلاب الذي شهدته في 25 جويلية 2021 حيث سبق له أن حذّر من الطابع الشعبوي لمشروع قيس سعيد قبل حتى أن يخوض غمار الدور الثاني للانتخابات الرئاسية وعيا منه بما يحمله من مخاطر على المسار الثوري وعلى مصير البلاد بأسره. في المقابل من ذلك انخرطت بعض القوى السياسية في حملته الانتخابية وشاركته الحكم بعد 2019 رغم النوايا الخطيرة التي عّبر عنها في مختلف تصريحاته وحواراته. ورغم أنّ بعضها قد لحقها القمع الشعبوي وصارت ضحية من ضحاياه فإنّ البعض الآخر ما يزال يواصل “تخميرته” على وقع الشقشقات الخطابية والشعارات الرنانة “للزعيم الملهم”.
ومرة أخرى وبمناسبة انقلاب 25 جويلية جدّد حزب العمال قراءته للواقع السياسي في البلاد ومآلاته الخطيرة واعتبر أنّ قيس سعيد يحمل مشروعا استبداديا فاشيا معاديا لأبسط مقومات الحياة السياسية الديموقراطية وما انفك يعمل من أجل توحيد القوى الديمقراطية على قاعدة أرضية نضال مشترك للوقوف في وجه هذه الفاشية الزاحفة وهي ماضية في وضع أسس نظامها لبنة وراء الأخرى. وقد توّصل إلى إيجادها مع مجموعة من الأحزاب الديموقراطية ويسعى اليوم إلى توسيعها لتشمل كل المعنيين بالدفاع عن الحرية والديموقراطية من غير المتورطين في الاعتداء على الحريات والديموقراطية سابقا عندما كانوا في الحكم سواء قبل 2019 أو قبل 2011 ويطرح برنامج الحد الأدنى من الحريات الذي يمكن أن تلتقي على أرضيته هذه القوى ويتمثل في:
- إلغاء حالة الطّوارئ.
- إلغاء حالة الاستثناء وكل ما نجم عنها من أحكام استبدادية.
- إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين.
- إلغاء المرسوم 54 وإطلاق سراح كافة ضحاياه من إعلاميين وسياسيين ومدوّنين ومواطنين/مواطنات.
- رفع اليد عن القضاء واحترام استقلاليته وإلغاء المرسوم 35.
- رفع اليد عن المحامين واحترام دورهم.
- احترام حرية العمل النقابي في كافة القطاعات كاحترام استقلالية المنظمات النقابية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل.
- رفع اليد عن الإعلام العمومي ووقف الضغط على وسائل الإعلام الخاصة.
- وضع حد للحملات العنصرية التي تستهدف الجنوب صحراويين ومحاسبة كل المورّطين في هذه الحملات ومهما كان موقعهم وإيجاد الحل الإنساني لهؤلاء المهاجرين غير النظاميين ورفض تحويل بلادنا إلى حرس حدود البلدان الأوروبية وإلغاء كل الاتفاقيات غير المتكافئة المبرمة في هذا الصدد مع إيطاليا والاتحاد الأوروبي.
- تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني الآن وهنا نصرة للشعب الفلسطيني ومقاومته.
3. كي لا يلدغ الشعب التونسي من جحر الدكتاتورية مرة أخرى
وقد اعتبر حزب العمال في ندائه أنّ الموقف من الانتخابات الرئاسية القادمة هو أول اختبار حقيقي في معركة التصدي لهذه الديكتاتورية الزاحفة على بلادنا من زاوية استخلاص الدروس من الانتخابات التي نظمتها الديكتاتوريات السابقة لتوفير الديكور الانتخابي الديموقراطي لاستمراريتها ومن التجربة النضالية للشعب التونسي وقواه الثورية والتقدمية تلك التجربة التي أثبتت أنّ الاستبداد لا يسقط إلاّ بالمواجهة والنضال وأنّ المهادنة وتقديم التنازلات تغري الاستبداد بالإمعان في غرس أنيابه في لحمنا وتجعل معركة التحرر منه أكثر صعوبة وقسوة وتستوجب مزيدا من التضحيات ومن الوقت الذي نستنزفه من التاريخ ومن مسار التحرر وبناء نظام وطني، ديموقراطي وشعبي يحقق على أرض الواقع المطالب التاريخية التي رفعها الشعب التونسي في انتفاضاته وثورته وكثفها كأبلغ ما يكون في ثورة 2010–2011.