يتواصل منذ أكثر من شهرين ونصف غلق معبر راس جدير الحدودي بين ليبيا وتونس والذي يبعد حوالي 30 كلم عن وسط مدينة بن قردان ويعتبر هذا المعبر منذ عقود بمثابة شريان الحياة الرئيسي لمدينة بن قردان وما جاورها في ظل غياب أي مشروع تنموي قادر على إدماج هذه المنطقة في الاقتصاد والمجال التونسي. بل إن المعبر يعتبر المحرك الأساسي للحياة الاقتصادية والاجتماعية لعشرات الآلاف من السكان في أكثر من 70 مدينة في الغرب الليبي والجنوب التونسي.
وقد جاء غلق معبر راس جدير في شهر مارس الماضي “لأسباب أمنية” حسب السلطات التونسية في حين قررت السلطات الليبية في طرابلس غلق المعبر بعد تجدد الاشتباكات المسلحة التي شهدتها المنطقة الحدودية بين الميليشيات المتناحرة في ليبيا والتي شكل معبر راس جدير محورا رئيسيا من محاور الصراع بينها نظرا لأهميته الأمنية والاقتصادية.
ورغم تتالي اللقاءات بين مسؤولي الحكومتين الليبية والتونسية فإنها فشلت في وضع حد لأزمة المعبر لتتفاقم أزمة التجار والعاملين على “الخط” الحدودي وكان آخرها اللقاء بين وزيري داخلية الحكومتين يوم الأربعاء 12 جوان 2024 الذي تمخض عن الاتفاق بفتح جزئي للمعبر للحالات الاستعجالية على أن يتم فتحه بشكل كامل بداية من 20 جوان 2024 و لكن المعبر بقي على وضعيته منذ الغلق و لم يغير الاتفاق شيئا على أرض الواقع، وواصلت السلطات الليبية البحث عن التعلات و التبريرات لمواصلة غلق المعبر في ظل غياب أي موقف من السلطات التونسية رغم تفاقم أزمة متساكني المنطقة الحدودية الذين يعتمدون بصفة شبه كلية على التجارة الحدودية في حياتهم اليومية.
وقد أثار طول مدة الغلق وتواصل التبريرات هذه المرة عدة تساؤلات لدى المتابعين للأوضاع الداخلية في ليبيا وتونس تمحورت أساسا حول الأسباب الحقيقية لهذا الغلق ومدى ارتباطه بعدّة قوى خارجية متدخلة في ليبيا وتونس وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا وتركيا وعلاقته بقضية المهاجرين غير النظاميين الفارين من ويلات الحروب والمجاعات في السودان وبلدان الساحل الإفريقي عبر الحدود الليبية – التونسية.
مهما يكن من أمر فإن سكان بن قردان وسكان كامل المنطقة الحدودية في البلدين يجدون أنفسهم مرة أحرى في دوامة التجاذبات الأمنية والسياسية التي تتلاعب بمورد رزقهم الوحيد في ظل عجز حكوماتهم عن إدماج هذه المناطق في نسيج اقتصادي يوفر لهم العيش الكريم و الآمن.