بقلم إيناس ميعادي
إن الحديث عن الشباب باعتباره عنصرا من عناصر القوة الاجتماعية والاقتصادية يتطلب ضرورة الرجوع إلى شبكة من المفاهيم والتعاريف والدراسات العلمية والسوسيولوجية، وبالعودة الى المجتمع التونسي، فإن فئة الشباب تمثل ربع التونسيين، الأمر الذي جعل ويجعل من الشباب التونسي موضوع نقاش حقيقي خاصة في ظل التوظيف السياسي الرسمي وفشل جل السياسات الشبابية التي تستهدفه والعمل على الإبتعاد عن التقييم بشكل موضوعي والوقوف على مدى مساهمة الدولة وعلى أهم خياراتها وخاصة تجارب وزارة الشباب والرياضة سواء قبل الثورة أو بعدها…
أعلن بن علي عن خدعته السياسية وزيفها معلنا سنة 2010 “السنة الدولية للشباب” لمزيد تثبيت حزبه وبسط سيطرته على هذه الفئة لتدجينها وتمثيلها بشكل صوري عبر حزب الدولة ودولة الحزب لمزيد السيطرة عليه، لتأتي الثورة 17 ديسمبر 2010_14 جانفي 2011 وتطيح بالنظام وتعصف به، بفضل انتفاضة العاطلين عن العمل بالحوض المنجومي ومراكمة الأحزاب الديمقراطية والتقدمية المحظورة ومساهمة الفصيل الطلابي بالجامعة التونسية ومراكمة المجتمع المدني، ولم يتغير واقع الشباب في ظل حكومات ما بعد الثورة رغم تضاعف عدد الجمعيات بل زاد انتشار مظاهر عنيفة للتدين خاصة مع سيطرة الإسلاميين على الحكم دون أن ننسى أحداث الرش بسليانة ومزيد تفاقم التباين بين الريف والمدينة والتفاوت الاجتماعي بين الشباب، صاحبتها تدخلات وعمليات بيضاء غير منهجية وضاربة في الارتجال قامت بها وزارة الشباب والرياضة فقد خاضت تجربتين يتيمتين بداية سنة 2015 تمثلت أساسا في احداث بطاقة شاب وإنشاء مركز النداء برادس، انتهت التجربة الأولى وتاهت في الوثائق وضعف التنسيق بين الوزارات المعنية وتأخر التشريعات، ولم تعرف البطاقة النور في صفوف الشباب ولم ينتفع بها شباب المؤسسات الشبابية في مجال الخدمات وتم ضرب الثقة تدريجيا بينه وبين المؤسسات وخاصة العاملين بها من الاطارات التربوية التي سوقت وهم ووهن هذه البطاقة وحسن منافعها لكنها انتهت في خضم بداياتها، أما التجربة الثانية فهي احداث مركز النداء برادس الذي كان الهدف منه هو تقريب الخدمات الشبابية وتغطية الأنشطة عبر الهاتف لكن سرعان ما أغلق مركز النداء برادس بعد مضي ثلاث سنوات وتمت نقلة جميع الاطارات التربوية التي التحقت به لكن سرعان ما انتهت التجربة وأغلق هذا المركز وباشرت الإطارات العمل إما بدور الشباب بولاية بن عروس أو غيرها من الجهات دون الوقوف أو الحديث تلميحا أو تصريحا عن التجربتين أو تقييمهما بشكل ناجع وموضوعي.
ولأن الشعبوية تعبيرة سياسية طبقية لا تطرح مطلقا معركة تجويد المضامين لم تفاجئنا رئاسة الحكومة بقصر الحكومة بالقصبة يوم الثلاثاء 11 جوان 2024 بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب في أفق سنة 2035.
ملاحظات أولية تهم الاستراتيجية في انتظار تفصيلها في نصوص متتالية لنقف على الأسباب والنتائج والنقد والانتقاد
أفاد رئيس الحكومة ومصالح الاعلام والإتصال بالقصبة أن الاستراتيجية الوطنية للشباب هي ثمرة مقاربة تشاركية شملت كل الأطراف المعنية منذ سنة ونصف فيما أكد وزير الشباب والرياضة أن هذه الأخيرة هي نقلة نوعية وكمية في السياسات والخطط والبرامج الموجهة للشباب بالشراكة مع مختلف الفاعلين، ولعل أهم الفاعلين والأطراف المعنية هم الاتحاد العام التونسي للشغل بهيكله المهني والقطاعي المُغيب الأبرز خاصة في ظل غلق باب الحوار الاجتماعي من قبل السلطة التنفيذية.
إن الحوار الاجتماعي كضمانة للتنمية الشاملة وضربه هو تبخيس ممنهج للحوار والتشاركية التي لا تمس الزيادة في الأجور بل تمتد إلى ظروف العمل اللائقة ومناقشة السياسات العمومية وخيارات الدولة وهو ما يتعارض مع الهدف الثالث للاستراتيجية.
نقف بداية على المنطلقات المرجعية للاستراتيجية حيث تضمنت إحدى عشر نقطة، تصدر دستور الجمهورية التونسية الحد (الأرجح هو دستور 2022) أما النقطة الثانية فهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي لا يعد مجردا بل هو مفهوم كوني غير منفصل عن التداول على الحكم ومبدأ الفصل بين السلطات الثلاث وتكريس مبدأ المواطنة وضمان الحريات وهو ما لا تؤمن به الشعبوية وما لا يعيشه شبابنا،
تضمنت النقطة الثالثة الاستشارة الوطنية الالكترونية لسنة 2022 والتي شارك فيها نصف مليون تونسي وهو مؤشر ضعيف مقارنة بحوالي 12 مليون تونسي واعتبر أحد أهم الفاعلين في المنظمات الوطنية، ألا وهو الاتحاد العام التونسي للشغل، “أن الاستشارة الالكترونية لا يمكن أن تحل محل الحوار الحقيقي لكونها لا تمثل أوسع شرائح المجتمع وقواه الوطنية فضلا عن غموض آلياتها وغياب سبل رقابتها ومخاطر التدخل في مسارها والتأثير في نتائجها” هذا وقد غاب عن المنطلقات المرجعية المنتدى الوطني الدراسي حول “السياسات العمومية للشباب في تونس من 18 إلى 20 ماي 2016” كما تم حجب الرؤية القطاعية للشباب 2018 – 2020، وعدم ذكر الدراسات المنجزة وتواريخها، وعدم تسمية المؤسسات وتجاهل مراكز البحوث وهو ما غيب في المنطلقات المرجعية التي افتقدت أية إشارة للتجارب المقارنة للسياسات الشبابية الناجحة فضلا عن عدم الاستئناس بمساهمات الباحثين في المسألة الشبابية سواء من المختصيين أو الأكادميين.
غاب عن نقاط المنطلقات المرجعية أيضا التواريخ وتم اعتماد الترتيب التفاضلي السياسي والاحتفاء به وتوظيفه مع اهمال التموضع الزمني مما يجعلها بدورها خاضعة للتقييم ومثيرة للأسئلة.
تضمنت الاستراتيجية التشخيص باعتماد التحليل الرباعي (SWOT) وهو تحليل يتضمن نقاط القوة ونقاط الضعف والفرص المتاحة والتحديات المحتملة لمعرفة الوضع الحالي، فيما استثنت الوثيقة تحليل (PESTELE) لمعرفة تأثير جميع العوامل الداخلية والخارجية.
تحليل (PESTELE) هو أداة عمل استراتيجية تسمح بفهم كيف يمكن لعناصر مختلفة أن تؤثر في أعمالها بالعودة إلى العوامل الرئيسية الست التي يمكن أن تؤثر في العمل وهي : العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والبيئية…
تضمنت أهداف الاستراتيجية ست نقاط وإن تفرعت فجاءت لتؤكد على مشاركة الشباب في الشأن العام دون الاعتراف بالتباين بين فئات الشباب بين الريف والمدينة وبين الديني والمدني وبين الاجتماعي والتشريعي وبين المحلي والعالمي وبين التفاوت بين القطاعين العمومي والخاص في بلادنا.
في ما تصدرت نقاط القوة الإستراتيجية وزعمت وجود إرادة سياسية لتفعيل مشاركة الشباب في صناعة القرار وفي الشأن العام وتوفير الإطار المؤسساتي الكفيل بذلك، تعددت النسب واختلفت وتباينت بين استخدام الأنترنات وتفضيل الشباب للتعليم العمومي وغابت نسب ارتياد الشباب لدور الشباب (في حدود 495 مؤسسة سنة 2023) الحاضنة الأولى له والمحرك الأساسي للأدوار التربوية التي يؤمنها في حدود 1800 إطار تربوي.
نقاط الضعف تضمنت نسب متدنية خاصة فيما يخص البطالة كما وردت وهي 16.40 وهو ما يفيد تنامي عدد المعطلين عن العمل كذلك نود أن نشير إلى أنه في سنة 2023 بلغ عدد المهاجرين سواء عبر الهجرة النظامية وغير النظامية في حدود 76 ألف مهاجر نتيجة للأوضاع الإجتماعية وتردي المناخ السياسي حيث أوردت الإستراتيجية أن 47 % غير مهتم بالحياة السياسية ولا يمكن في هذا السياق التغافل عن المرسوم 54 الذي يستهدف خاصة حرية التعبير وإبداء الرأي من ذلك الشابين رشاد طمبورة – وليد الزايدي وغيرهما إضافة إلى التردي القيمي والثقة المفقودة في مؤسسات الدولة خاصة منها النسب الضعيفة لمشاركة الشباب في الشأن العام وخاصة في المحطات الانتخابية التي عرفتها البلاد منذ انقلاب 25 جويلية 2021 حيث أوردت الإستراتيجية أن نسبة 6.40 عزوف الشباب عن المشاركة في المحطات الانتخابية ترشحا وانتخابا، وهو ما نعتبره أمرا خطيرا، وبالعودة إلى الأسباب والمسببات التي عصفت بالبلاد والعوامل المغذية لذلك كما من المهم أن نشير إلى أنه من نقاط الضعف عدم وجود قانون توجيهي يحدد التوجهات العامة والسياسات الكبرى لقطاع الشباب وهو ما سينعكس على أهداف المؤسسة الشبابية التي يعززها الإطار البيداغوجي المباشر للشباب في مؤسساتنا الشبابية في ظل الصعوبات المالية والقانونية إضافة إلى غلق بعض الوحدات المتنقلة أو المتحركة نتيجة لنقص في الإطار العمالي (أعمال التنظيف، أعمال الحراسة وأعمال الصيانة…).
وخاصة المختصين منهم في إطار غلق باب الإنتداب في الوظيفة العمومية وهو ما لا يضمن حسن تقديم الأنشطة المقدمة من مؤسساتنا الشبابية خاصة في ظل بنية مهترئة وفي حاجة ماسة للمتابعة فضلا عن رصد اعتمادات ضعيفة للصيانة علما وأن 95% من ميزانية الوزارة موجهة لكتلة الأجور.
إن قراءة أولى لهذه الإستراتيجية تجعلنا نؤكد أن السياسات القديمة والمستجدة للشباب متشابهة من حيث الطرح والتوظيف مع اختلاف في الشكل، فالشباب فئة واسعة وغير متجانسة وتشتمل على مجموعات نوعية تستحق في حد ذاتها سياسات عمومية شبابية شرط أن تكون القراءة السياسية وفية للواقع المادي الملموس وهو ما يعجز عنه الطرح الشعبوي ويؤكد قصوره، هذا ونؤكد أن مرحلة الشباب مرحلة انتقالية ديناميكية تحدث فيها تغيرات كمية ونوعية في ملامح الشخصية وتختلط فيها الرغبة في اثبات الذات مع البحث عن دور اجتماعي، ولا يمكن لمؤسسات الدولة أن تظفر بالنجاح في ظل منحى ومحاولات استنساخ المبادرات الخاوية في التوظيف الرخيص للشباب من قبل الأنظمة السياسية وخاصة لعلاقات التسلط وهو مايتطلب تبني مقاربة علمية وسوسيولوجية مع مراجعة للإعتمادات المخصصة للشباب والمضاعفة في ميزانية دور الشباب في أفق سنة 2035 فضلا عن إيجاد صيغ بديلة للصرف المالي عن ماهو معمول به حاليا.
فلا يمكن أن يؤدي اعتماد نفس الأسباب إلى تغيير جذري في النتائج والتي تعمل جاهدة للامتثال لنظام السلطة القائم الآن وهنا.