الرئيسية / صوت العالم / إدغار موران: “لدي تعاطف نقدي مع الجبهة الشعبية الجديدة”
إدغار موران: “لدي تعاطف نقدي مع الجبهة الشعبية الجديدة”

إدغار موران: “لدي تعاطف نقدي مع الجبهة الشعبية الجديدة”

إدغار موران* في لقاء صحفي مع جريدة La Tribune Dimanche

La Tribune Dimanche : لقد قضيت حياتك في التفكير في الطريقة، لكن الطريقة، كما يشير أصل الكلمة (في اليونانية، odos ” طريق” وmeta، “نحو”) ، تعني “الطريق الصحيح”. فما هو الطريق الصحيح لفرنسا اليوم؟
إدغار موران: شرحت هذا المسار في كتابي “الطريق”. يتعلق الأمر أولا وقبل كل شيء، بإعادة تأسيس سياسي كبير انطلاقا من نظرة للعالم وللإنسان والتاريخ، مثلما كانت نظرة ماركس والتي ينبغي تجديدها. وينبغي أن يؤدي هذه النظرة إلى إصلاح اقتصادي يحد من القدرة المطلقة للربح، وإلى إصلاح اجتماعي يقلل من أوجه عدم المساواة، وإصلاح بيئي يقلل من التدهور والتلوث الحضري والريفي، ويهم جميع القطاعات: التعليم والصحة والغذاء والظروف المعيشية والتهيئة العمرانية. أجد بعض عناصر الإصلاح في برنامج الجبهة الشعبية الجديدة، لكنه يفتقر إلى فكر كبير يقوده.

La Tribune Dimanche : ماذا يعني هذا؟
إدغار موران: بما أن الجبهة الشعبية الجديدة تشكلت انطلاقا من تشرذم اليسار، فإنها تخضع لصراعات الافراد والأفكار. هناك جوانب إيجابية في برنامجها، مثل مكافحة عدم المساواة وهيمنة الربح، ناهيك عن رؤيتها البيئية الواضحة. ولكنه يفتقر إلى الفكر التأسيسي والصياغة الواضحة والمتماسكة لمسار جديد. ومع ذلك، فإنه يحمل في داخله الحد الأدنى من الإصلاح ويجب أن يظل معقلا للقيم النابعة من القرن التاسع عشر من الفوضوية (حرية الأفراد) والشيوعية (الأخوة) والاشتراكية (مجتمع أفضل).

La Tribune Dimanche : نشعر بتعاطفكم مع هذه الجبهة الشعبية الجديدة …
إدغار موران: صحيح أن لدي تعاطف نقدي معها وهو ما يحفزني على دعمها في الوضع الحالي.

La Tribune Dimanche : الوضع الوطني أم الدولي؟
إدغار موران: من الضروري وضع الأزمة الفرنسية في سياقها والتي، على الرغم من مميزاتها الخاصة، تندرج ضمن أزمة الديمقراطية العالمية. وقد مست هذه الأزمة بطرق مختلفة جميع القارات، بما في ذلك الولايات المتحدة، فهي أوروبية مع ديكتاتورية “بوتين”، واستبداد ديني مع “أردوغان”، ونظام الاستبداد الجديد في المجر مع “أوربان”، وإعادة تأهيل الفاشية مع جورجيا ميلوني في إيطاليا، والتهديد المباشر بانتصار التجمع الوطني RN في فرنسا، فضلا عما يسمى بالحركات الشعبوية والاستبدادية الجديدة المختلفة في العديد من البلدان الأوروبية. تعود هذه الأزمة العالمية إلى هيمنة الربح على العالم قاطبة التي أدت إلى تفاقم عدم المساواة، وفي نفس الوقت وإلى تدهور الأحزاب التي أصبحت فارغة من الفكر بشكل متزايد: يجب أن تستند كل السياسة إلى مفهوم للعالم، وللحياة، وللإنسان، وللتاريخ، كما كانت الماركسية، التي في جزء هام منها قد عفا عليها الزمن تماما كما كان الامر لفكر توكفيل بالنسبة إلى أحزاب الوسط واليمين.
والأزمة العالمية هي أيضا أزمة إيكولوجية خطيرة جدا، لا تدمر فقط جزء من المحيط الحيوي، بل تؤثر على الحضارات والمجتمعات وتلوثها. وهي العولمة هي التي بدلا من أن تعطي لجميع الأمم الوعي بالمصير المشترك، لم تنتج تضامنا بل انقسامات وصراعات. إنها أزمة حالة السلام النسبي التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، مع استمرار تصاعد الحرب في أوكرانيا واحتمال توسعها، وحرب إسرائيل ضد حماس واحتلال الضفة الغربية، واستفزازات كوريا الشمالية تجاه كوريا الجنوبية، ورغبة الصين في السيطرة على تايوان، والحروب الأفريقية، وفي كل هذه الصراعات، التدخل النشيط للقوى العظمى الإمبريالية روسيا والولايات المتحدة. هل يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يقتصر على تزويد أوكرانيا، وإن بشكل متواضع، بالأسلحة والقروض؟ ألا يتعين عليه أن يحاول دفع المفاوضات التي من شأنها احترام استقلال أوكرانيا وسيادتها مع احترام الطابع الروسي للمقاطعات الانفصالية وشبه جزيرة القرم؟ وإذا نظرنا إلى مستقبل العالم، فإنه يسير من الارجح نحو كوارث وحروب اقتصادية وبيئية. وفرنسا الآن في قلب الإعصار العالمي.

La Tribune Dimanche : لم تذكر التجمع الوطني بعد…
إدغار موران: إن القوة الدافعة لها هي الوهم بأن الهوية الفرنسية تستند إلى سلالة محددة تميز الفرنسيين الحقيقيين عن المتجنسين والمهاجرين. غير أن فرنسا كانت قد تشكلت على مر القرون ف خضم ومن خلال دمج المجموعات العرقية الأجنبية في بعضها البعض: البريطانيون les Bretons، الفلمنكيون les Flamands، الألزاسيون les Alsaciens، البروفنسال les Provençaux، إلخ… لقد أعلنت وحدتها من خلال التجمع الكبير للمقاطعات في 14 يوليو 1790. وواصلت هجرات الايطاليين والاسبان التي بدأت في نهاية القرن التاسع عشر في الواقع عملية التكامل التي خلقت فرنسا. لا شك أن كان هناك رفض كما حصل في مرسيليا حيث تم وصم الإيطاليين، ونعتهم بـ”معكرونة قذرة”. لكن الاندماج يتم في الجيل الثاني وفي الزيجات المختلطة. واستمرت الهجرة مع اليهود الروس والبولنديين الفارين من معاداة السامية، ومع الروس البيض والعمال البولنديين في مناجم الشمال، وعمال منطقة “القبائل”. ولم تعد الهجرة أوروبية فحسب مثل البرتغاليين إلا بعد الحرب العالمية الثانية ولكن أيضا من شمال افريقيا وجنوب الصحراء وآسيوية … ومع ذلك، وعلى الرغم من الفشل في دمج جزء صغير من السكان من أصل مهاجر، وخاصة في صفوف الشباب، فإن الاندماج يستمر قدر الإمكان. العديد من الأطفال من أصل مهاجر هم اليوم أبناء الجمهورية. وقد نجح العديد منهم في إندماجهم. ارتقى البعض إلى قمة الدولة، والبعض الآخر يدير شركات كبيرة أو هم أطباء أو علماء ذوي شهرة عالمية أو محامون أو أساتذة مدارس وجامعات أو حتى أبطال رياضيون كبار.
فجوهر فرنسا هو إذن الاندماج وليس الجذور. وخطأ التجمع الوطني RN هو أنطولوجي.

La Tribune Dimanche : هل تعتقد أن تطور RN مزيف؟
إدغار موران: تطورت لغة RN بشكل كبير منذ الجبهة الوطنية. مع الاحتفاظ بأسسها المناهضة للهجرة والنزعة القومية، أصبحت هذه اللغة جمهورية وعلمانية وديمقراطية وفلسفية يهودية. ويرافق هذا الانقلاب المذهل إدانة لمعاداة السامية المزعومة لـ”فرنسا الابية” la France Insoumise وحتى الجبهة الشعبية الجديدة. ويخشى أن تكون أسوأ الأوهام هي أدوات إرساء الاستبداد الجديد في فرنسا، الذي يهدد بالتفاقم إلى الشمولية الجديدة، على غرار الصين، حيث تسمح الإلكترونيات بالسيطرة على الأفراد عبر الهواتف ورسائل البريد الإلكتروني والتعرف عبر قسمات. يمكن أن تكون الجبهة الشعبية الجديدة أداة الحرية في مقاومة شرسة للاستبداد الجديد إذا استولى على السلطة.

La Tribune Dimanche : لقد كنت مقاوما عظيما، فماذا تعني اليوم المقاومة؟
إدغار موران: أول أمس كانت المقاومة ضد عدو احتل أرضنا، وبالأمس كانت ضد اقتران همجيتين، واحدة آتية من العصور الغابرة والثانية همجية الربح منفلت العقال وهمجية الحسابات المجمدة للتفكير. اليوم، يجب على المقاومة أن تؤكد نفسها ضد الاستبداد الجديد والشمولية الجديدة. المقاومة هي أولا وقبل كل شيء مقاومة العقل: الوضوح اليقظ، ورفض الأوهام والهستيريا الجماعية، والكراهية ضد الكراهية والازدراء ضد الاحتقار. إنها التأكيد رغم كل الصعاب على قيم الجمهورية والقيمة العليا: الحرية.

أجرت المقابلة آنا كابانا
ترجمة جيلاني الهمامي

هوامش

(*) من هو إدغار موران؟

ولد إدغار ناحوم المعروف بـ”إدغار موران” يوم 8 جويلية 1921. يوم الاثنين القادم 8 جويلية 2024 يوما بعد الدور الثاني من الانتخابات التشريعية في فرنسا يبلغ إدغار موران من العمر 103 سنوات.
هو فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي مرموق.
معروف عنه نشاطه الاممي إلى جانب الجمهوريين أثناء الحرب الاهلية في اسبانيا (1936 – 1939) ثم نشاطه كمقاوم للفاشية في فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية والغزو الهتلري لفرنسا.
كان منذ صغر سنه مناضلا نشيطا في الحزب الشيوعي الفرنسي الذي غادره سنة 1951.
رغم أنه عصامي التكوين فهو يحمل شهائد جامعية في التاريخ والجغرافيا والحقوق. درس الفلسفة والاقتصاد. عمل في الجامعات الفرنسية وفي أشهر مراكز البحث الفرنسية.
يحتل مكانة بارزة في علم الاجتماع وعلم الاجتماع الفرنسي وهو صاحب نظرية التفكير المعقد la pensee complexe.
له كتابات كثيرة وما زال رغم تقدمه في السن لا يكف عن الإنتاج وعن التدخل في الحياة الفكرية والسياسية في فرنسا.

إلى الأعلى
×