الرئيسية / الافتتاحية / شروط “قانونية” في خدمة المهزلة الانتخابية
شروط “قانونية” في خدمة المهزلة الانتخابية

شروط “قانونية” في خدمة المهزلة الانتخابية

وأخيرا أعلنت هيئة بوعسكر بشكل رسمي شروط الترشّح للمهزلة الانتخابية الرئاسية التي ستجري يوم 6 أكتوبر القادم. وكما كان منتظرا، فإنّ هذه الشروط صِيغت بالصورة التي تضرب حرّية الترشّح وتفتح الباب، في مناخ سياسي سِمته القمع والاستبداد والخوف، لإحراز قيس سعيد “فوزا ساحقا” يمكّنه من استكمال آخر حلقات المسار الانقلابي الذي انطلق يوم 25 جويلية 2021. ويمكن القول إنّ الطابع الإقصائي لبعض الشروط واضح لا لبس فيه، أمّا البعض الآخر فهو “مخفيٌّ” وراء سلسلة من التعقيدات التعجيزيّة التي تتيح عمليّا لسلطة القرار، أي هيئة بوعسكر، التحكّم في الترشحات وفقا لرغبات “الحاكم بأمره”.
إنّ شرط السنّ، وهو 40 سنة بعد أن كان 35 سنة في دستور 2014، يُقصي رأسا فئة عمريّة معيّنة، ما بين 35 و40 سنة. كما أنّ اشتراط أن يكون المترشّح تونسيّا أو تونسيّة غير حامل لجنسية أخرى ومولودا لأب وأمّ وجدٌّ لأبٍ وجدّ لأمٍّ تونسيّين ويكون كلّهم تونسيين دون انقطاع، من شأنه أن يحرم عددا هائلا من جاليتنا بالهجرة ممّن يحملون جنسية مزدوجة من حق الترشح. كما يحرم من كان أحد والديه من جنسية أخرى عربية (ليبيّة، جزائريّة، مغربية، سورية) أو فرنسية أو إيطالية أو روسية أو إيفوارية أو غيرها من نفس الحق وهو أمر غير مقبول ووضع مثله مثل شرط السن لإقصاء أشخاص معنيين يُتوقع ترشّحهم.
أمّا بقيّة الشروط فإن ما فيها من تعقيدات وصعوبات يمثّل عقبة حقيقيّة أمام الترشّح. إن اشتراط احتواء ملفّ الترشّح على بطاقة السّوابق يسمح للإدارة، صاحبة السلطة المطلقة في تسليمها، بالتّلاعب حتى مرور موعد تقديم الترشحات، ناهيك أن أحد المترشّحين أعلن أنه قدّم مطلبا منذ ما يزيد عن النصف شهر دون الحصول على ردٍّ. وفي نفس الوقت فإنه لا أحد يعلم كيف سيحصل المترشّحون القابعون في السّجن على البطاقة. وفوق ذلك كلّه لا أحد يعلم كيف سيقع التعامل بشكلٍ ملموسٍ مع وضعيّة المُلاحقين قضائيا ولم يحاكموا بعد أو أولئك الصّادرة في شأنهم أحكام غير نهائية.
أمّا التزكيات فلا أحد من خارج دائرة السلطة يمكنه أن يحلم بالحصول على تزكية 10 نواب بالبرلمان أو بمجلس الأقاليم والجهات أو على تزكية 40 من رؤساء “الجهات المحلية المنتخبة” بما أن جميعهم من الموالين. يبقى حلّ واحد وهو الحصول على تزكية 10 آلاف ناخب مرسّمٍ موزّعين على 10 دوائر انتخابية تشريعيّة على الأقلّ، ولا يقلّ عددهم عن 500 ناخبٍ لكل دائرة منها، على أن تكون كلّ تزكية على مطبوعة مستقلّة تحمل صورة المترشح الخ… وهذا الحلّ، بشهادة أهل الاختصاص، صعب المنال في فترة وجيزةٍ، أضفْ إلى ذلك عامل الخوف في مناخ القمع الحالي.
كلّ هذه الشروط الإقصائيّة في بعض الحالات والتعجيزيّة في حالات أخرى تُضاف بالطبع إلى المناخ السياسي القمعي الاستبدادي الذي تجري فيه الانتخابات. فوسائل الإعلام، عموميّة وخاصة، مُدجّنة وحرية التعبير واقعة تحت سيف المرسوم 54 الفاشي وهيئة الانتخابات مُعيّنة والقضاء مفكّك وطيِّعٌ والإدارة تابعة والسجون تعجّ بالمعارضين، سياسيّين وإعلاميين ونقابيّين ومحامين وقضاة ومواطنين عاديّين، دون ذكر الملاحقين قضائيا وهم في حالة سراح أو في المنفى. وينبغي أن يكون المرء واهما حتى يعتقد أن انتخابات حرّة ونزيهة يمكن أن تجري بمثل هذه الشروط وفي مثل هذه الظروف.
إنّ مهزلة 6 أكتوبر القادم لن تكون غير الحلقة الأخيرة من المسار الانقلابي الذي انطلق يوم 25 جويلية 2021. وتهدف هذه الحلقة إلى استكمال أُسس الحكم الفردي المطلق وِفقا لدستور الاستبداد لسنة 2022. إن قيس سعيّد المدعوم من بيروقراطية الدولة والكمبرادور وأولياء نِعمتهم في الخارج ومن بعض الفئات الاجتماعية التي طحنتها الأزمة، لن يُسلّم السلطة، التي افتكّها بالقوة، للشعب ولخصومه بالطرق الديمقراطية. إن الطريق الوحيد للتّغيير هو طريق النضال والعمل الدّؤوب في صفوف الشعب للارتقاء بوعيه وتنظيمه ليكون قادرا مُجدّدا على إسقاط مضطهديه ومستغلّيه وبناء النظام الوطني، الديمقراطي، الشعبي الذي يحقّق في ظلّه طموحاته وأهدافه.
إن المقاطعة النّشيطة لهذه المهزلة الجديدة تمثّل خطوة ضمن هذه الدّيناميكية النّضالية التي يُطرح على القوى الثورية والديمقراطية التقدميّة تطويرها.

إلى الأعلى
×