بقلم عمار عمروسية
لم يفوّت الكيان الصهيوني انشغال الإعلام والرأي العام العربي والدولي بحرب الإبادة الجماعية المرتكبة في “غزّة” لتكثيف إيقاع عدوانه الإجرامي البشع في الضّفة الغربية بهدف مزيد قضم الأراضي وتهجير أصحابها وتركيعهم لإرادة الإحتلال الإستيطاني العنصري.
فالضفة بعد عملية طوفان الأقصى البطولية وفق مراقبين دوليين تحوّلت إلى سجن كبير تحكمه جحافل الجيش الصهيوني وعصابات المستوطنين، بفعل الحواجز الأمنية التّي تجاوز عددها 700وحجم المراقبة البوليسية بواسطة الكاميرات المثبتة في كلّ الاماكن والساحات العامّة، زيادة عن الطائرات المسيّرة الاستطلاعية المدعومة بعمل استخباراتي ميداني.
فالكيان الفاشستي كثّف من اجتياحاته الهمجية إلى جميع المدن والقرى الفلسطينية شعاره تدمير البنى التحتية وتجريف الأراضي وهدم المنازل والإمعان في التّنكيل بالفلسطينيّين إمّا بالتّقتيل العشوائي وممارسة الإعدامات في وضح النهار وأمام الكاميرات أو بالإيقافات العشوائية التّي لا تستثني النسوة العجائز والأطفال والأسرى المحرّرين.
فسجون الاحتلال ومعتقلاته تلتهم أعمار وافديها كلّ يوم وليلة حتْى أن أعدادهم شارفت على 10 آلاف، وهو رقم غير مسبوق بالمرّة.
وسط انشغالات الرأي العامّ العالمي بفظاعات “غزّة” تُمعِن حكومة اليمين المتطرّف وتسابق الوقت لتصفية الحساب مع فلسطينيّي الضفة الغربية بما يضمن القضاء على هويّتها الوطنية وتحقيق “التهويد” المتساوق مع مطامع الكيان الصهيوني وغُلاة القائمين على صيانة وتطوير مشاريع الضّمّ والإلحاق للأراضي الفلسطينية بما يقطع نهائيا مع خرافة حلّ الدولتين ويغلق نهائيا أوهام الحلّ السلمي وإمكانات التعايش وغيرهما من سرديات اتفاقيات “أوسلو” التّي بدّدتها وقائع الصّراع الفلسطيني/الصهيوني وكشفت أمرها على نطاق واسع وأبقتها مجرّد ألاعيب تكتيكية خادعة بيد الدول الامبريالية والنظام الرسمي العربي بما فيه سلطة “محمود عباس” التي تحوّلت بفعل بناء المستوطنات المتزايد والقرارات الجائزة لحكومة “نتانياهو” ووزير أمنه “سموتريتش” إلى جهاز بيروقراطي ثقيل على الشعب الفلسطيني ومقاومته خصوصا بالضفة.
فسلطة “عباس” فقدت تدريجيّا مسوّغات وجودها ولم يبق لها سوى بقعة صغيرة في “رام الله” تدير من خلالها التّنسيق الأمني مع سلطة الاحتلال الذي يبسط نفوذه على أكثر من 80 % من أراضي جوهرة فلسطين بالنّظر لمساحتها الشاسعة قياسا بغزّة وثرواتها الطبيعية زيادة عن موقعها الجغرافي المميّز.
مثلما أسلف، تُوغل حكومة اليمين النّازي المتطرف في تنفيذ جرائمها بالضفّة وتوسّع مدايات جرائمها على الأرض والبشر والذاكرة والتاريخ.
فالإعلام الصهيوني وساسته حذفا نهائيّا عبارة الضفّة واستبدلها بـ”يهودا وسمراء” تماشيا مع الأساطير الدينية وانسجاما مع القناعة الصهيونية القائمة على شطب الهوّية الفلسطينية وغلق الطريق نهائيا أمام ما يسمّى “الشرعية الدولية” وقراراتها القائمة على التّقسيم الجائر والحلول الانهزامية الواردة بالمبادرة العربية.
فـ”يهودا وسمرّاء”، وفق العقيدة العقيدة الدينية وسياسات اليمين الدّيني المتصهين، هي قلب الكيان النابض ورئته الحيوية للحياة والبقاء الذي يبيح استخدام كلّ الوسائل، بما فيها الأكثر وحشيّة، لفرض إمّا صمت القبور على أهالي الضّفة أو دفعهم نحو التّهجير وإخلاء المكان.
فالضفة الغربية، نتيجة السياسات الصهيونية، تعيش أسوأ أيْامها. وليس مستبعدا أن تُصبح ساحة المعركة الأساسيّة بعد أن تضع حرب “غزّة” أوزارها، فكلّ المؤشّرات تدفع بأنّ ساعة الانفجار الكبير بهذه المنطقة تقترب تحت حجم الأزمة الاجتماعية المتفاقمة، من جهةٍ جرّاء منع مئات الآف العمال الفلسطينيين من مزاولة أشغالهم داخل الكيان، ومن جهة أخرى نتيجة تلاعب حكومة “نتانياهو” بحصّة أموال الفلسطينيّين المتأتّية من الضرائب والأداءات.
ينهار الاقتصاد بالضفة ويتهاوى كما لم يحدث نتيجة سياسات الخنق والتّدمير الممنهج، وتتوسّع آفة البطالة وجميع مظاهر الفقر والعوز ويتعاظم الغليان داخل جموع الأهالي وخصوصا فئاته الشبابية التّي أضحت شرائح واسعة منها خزّانا متجدّدا لمختلف كتائب المقاومة المسلّحة التّي رفّعت من نسق أعمالها الفدائية البطولية وتمكّنت من تجاوز كلّ العراقيل والعقبات من تطوير وسائلها القتالية وتوسيع جغرافيا فعلها المقاوم.
فكلّ محافظة لها كتائبها المقاوِمة، وكلّ قرية تقريبا لها فدائيّيها وسلاحها، الأمر الذي جعل قادة الكيان الصهيوني يجاهرون بدخول جبهة صراع جديدة تنضاف إلى السّاحات المعروفة منذ 7 أكتوبر.
ضفة الانتفاضات الشعبية العارمة تُعِدّ نفسها لانفجار كبير لن يطول انتظاره كثيرا. وفوق ذلك أصبحت حاضنة مقاومة مسلّحة تشقّ طريقها بثباتٍ كبير يُنذر بأنّ الضفة تسارع الخطى إلى استنساخ نموذج “غزّة” البطولي.