الرئيسية / صوت العالم / هل تشكل الانقلابات العسكرية في إفريقيا أداة لتحرّر شعوبها؟ (الجزء الأوّل)
هل تشكل الانقلابات العسكرية في إفريقيا أداة لتحرّر شعوبها؟  (الجزء الأوّل)

هل تشكل الانقلابات العسكرية في إفريقيا أداة لتحرّر شعوبها؟ (الجزء الأوّل)

بقلم مرتضى العبيدي

في السنوات الأخيرة، وفي سياق أزمة النظام الاستعماري الجديد في إفريقيا، شهدنا عودة الانقلابات العسكرية التي سمحت للجناح العسكري لفصائل البرجوازية الرجعية بالاستيلاء على السلطة السياسية. فمنذ عام 2012، وقع 14 انقلابا في القارة الإفريقية، منها 4 في غرب إفريقيا: مالي (2012، 2020 و2021)؛ مصر (2013)؛ جمهورية إفريقيا الوسطى (2013)؛ بوركينا فاسو (2015، جانفي 2022، سبتمبر 2022)؛ تشاد (2021)؛ غينيا بيساو (2012)؛ السودان (2019، 2021)؛ زيمبابوي (2017)؛ غينيا كوناكري (2021).
وقد شدّت الانقلابات الأخيرة منها الواقعة في كل من مالي (2021) وبوركينا فاسو (2022) والنيجر (2023) انتباه الرأي العام الإفريقي والدولي لما صاحبها من إجراءات مطالبة برحيل القوات الفرنسية ـ دون غيرها ـ من على أراضيها وتفكيك القواعد العسكرية المقامة فوقها منذ عقود، مع ما رافق تلك الإجراءات من خطاب “ثوري”/ثورجي يشي بطبيعة معادية للإمبريالية لهذه الانقلابات ولمنفذيها، خاصة وأنها جاءت في سياقات تنامي السخط الشعبي على التواجد العسكري الفرنسي في هذه البلدان وفشل هذه القوات في التصدي للجماعات الإرهابية التي استوطنت مناطق الساحل والصحراء وجعلت منها قاعدة لانطلاق هجماتها على عديد البلدان الإفريقية. وهو المبرّر الذي سوّغت به فرنسا وحلفائها من الامبرياليين لشرعنة وجودها العسكري في هذه البلدان.

السياقات التي حصلت فيها الانقلابات

فقبيل الانقلابات المذكورة، نمت حركات نضالية بشكل كبير على الرغم من سياق الأزمة الصحية لـكوفيد 19 التي استغلتها القوى الاستعمارية الجديدة لخنق النضالات الشعبية. إذ شهدت مختلف البلدان مظاهرات في الشارع للتنديد بالتدخل العسكري للقوى الإمبريالية تحت غطاء محاربة الهجمات الإرهابية للجماعات الجهادية. فالشعوب في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، بناءً على تجاربهم، يعيشون بمرارة عودة الهجمات وعواقبها المأساوية على السكان الذين أجبروا على مغادرة قراهم إلى مخيمات اللاجئين حيث يواجهون المجاعة والمشاكل الصحية وانعدام الأمن.
والناس يدركون جيدًا أنه رغم وجود هذه القوات الأجنبية، المقدّرة آنذاك بنحو 5100 جندي وعلى الرغم من ترسانتها العسكرية، منذ عمليات سرفال (Serval) وبرخان (Barkhane) وتأسيس مجموعة الدول الخمس (G5) تحت إمرة الإمبريالية الفرنسية، تستمر الهجمات الإرهابية بما فيها من عمليات القتل الوحشية ضد السكان المدنيين، والقوات المرسلة كوقود للمدافع في حين يبقى كبار ضباط “قوات الدفاع والأمن” مختبئين في العواصم حيث يمارسون الأعمال التجارية من خلال جميع أنواع الاتجار والجرائم الاقتصادية.
وخلال هذا الحراك المطالب برحيل القوات العسكرية الأجنبية من الساحل وإفريقيا، برز الشباب بشكل خاص في مواجهة قوى قمع الدول في هذه المستعمرات الجديدة.
ففي مالي مثلا، تم تنظيم عدة مظاهرات للمطالبة برحيل القوات العسكرية الفرنسية، مثل تلك التي حدثت في 23 سبتمبر 2020 في شوارع العاصمة باماكو. كان الشباب يلوّحون بلافتات تحمل شعارات معادية للإمبريالية الفرنسية.
وفي النيجر، تم تنظيم اجتماعات ومسيرات، على الرغم من الحظر الحكومي، من قبل العديد من المنظمات الديمقراطية: “فضاء المواطن البديل”، “اقلب الصفحة في النيجر”، و”الأفريقانية عاجلا”. تجري هذه الاحتجاجات في العاصمة نيامي وفي مدن أخرى من البلاد. ويشارك فيها الشباب، ولا سيّما التلاميذ والطلاب، بنشاط ويرفعون لافتات كتب عليها شعارات ضد الوجود العسكري للقوى الإمبريالية على التراب الوطني: “لا لوجود قواعد عسكرية أجنبية على أراضينا…”.
وفي بوركينا فاسو، أصبحت تظاهرة “الأيام المناهضة للإمبريالية” على مرّ السنين إطارًا لتجمع الشباب من مختلف البلدان الإفريقية وحتى من بعض البلدان الأوروبية، وخاصة فرنسا، ضد الهيمنة الإمبريالية. وقد وضعت “الحركة الديمقراطية الثورية” و”منظمة الشباب الديمقراطي الثوري” النضال ضد التدخلات العسكرية تحت غطاء مكافحة الإرهاب على جدول أعمال الاجتماعات الأخيرة. وأعربوا بوضوح وبقوة عن الحاجة إلى ربط مكافحة الإرهاب بالحرب ضد الإمبريالية. وأصبح شعار “القوات الأجنبية المسلحة خارج بوركينا فاسو وخارج إفريقيا” يتردد علنا بشكل متزايد في المظاهرات، خاصة وأنه أصبح واضحا للعيان ارتباط وجود الجماعات الجهادية المسلحة ارتباطًا عضويا بمناورات وأفعال القوى الإمبريالية التي تستخدمها في استراتيجيتها لاحتلال الأراضي.
وتزايد إدراك شعوب منطقة الساحل والصحراء في غرب إفريقيا بتواطؤ القوى الامبريالية مع المجموعات الإرهابية من خلال أعمالهم الملموسة على الأرض. فاعتبروا « أنّ الحركات الإرهابية الجهادية هي نتاج السياسات الدولية والإقليمية للإمبريالية الدولية، وخاصة الفرنسية. إذ أن “الجهادية” الحالية في قطاع الساحل والصحراء استعادت قوتها بفضل التدخل الفرنسي والأمريكي والبريطاني لتدمير الدولة الليبية التـي كانت تعرقل خططهم ».

من التحالف الدفاع إلى الكيان الكونفدرالي

هذا الزخم الشعبي هو الذي وظفته بعض الطغم العسكرية لبسط نفوذها على هذه البلدان الثلاثة والشروع في بناء تحالفات استراتيجية فيما بينها ومع بعض القوى الدولية غير القوى التقليدية، وقد نتج عليه الإعلان مؤخرا على إقامة “تحالف أو كونفدرالية بلدان الساحل”.
وكانت هذه الدول قد أعلنت في 16 سبتمبر 2023 تحالفها للوقوف في وجه تهديدات المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بالتدخل العسكري في النيجر وقتها إذا لم يضع العسكر حدا للانقلاب ويُعيد الرئيس محمد بازوم إلى منصبه. فاعتبرت مالي وبوركينا فاسو أن أيّ اعتداء على النيجر هو اعتداء عليها.
وتبع هذه الخطوة قرار هذه الدول بانسحابها النهائي من المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) ومن جميع هياكلها منذ 29 جانفي 2024.
وتعود الأزمة بين تحالف دول الساحل وإيكواس إلى أزمات الانقلابات التي عرفتها مالي عام 2020 وبوركينا فاسو 2022 والنيجر سنة 2023، حيث عرفت كل واحدة من هذه الدول عقوبات اقتصادية فيما تم التهديد بالتدخل العسكري ضد منفذي الانقلاب في نيامي.
كما أنه سبق لهذه الدول أن قررت الخروج من تحالف دول الساحل الخمس الذي تأسس عام 2014 في نواكشوط برعاية فرنسية وأوروبية لـ”محاربة الإرهاب” في الساحل الإفريقي.
لكن لم يسبق لـ”رؤساء” هذه الدول أن تقابلوا بصفة مباشرة قبل يوم 6 جويلية الجاري، يوم الإعلان عن تأسيس “كونفدرالية بلدان الساحل”.
وقد خرجت هذه القمة بمجموعة من القرارات أهمها:

  • الارتقاء بتحالف دول الساحل إلى صفة كيان كونفدرالي وتعيين العقيد غويتا (مالي) رئيسا له مدة سنة واحدة.
  • إعادة تأسيس الدول الثلاث على قيم تحترم الخصوصية التاريخية والثقافية والاجتماعية لشعوب المنطقة.
  • التنسيق الدبلوماسي وتوحيد المواقف في الساحات الدولية.
  • العمل على مكافحة الإرهاب الذي يضرب المنطقة بشدة.
  • المساهمة في تحقيق السلام والأمن على المستوى الدولي.
  • إنشاء برلمان مشترك لاقتراح القوانين والاتفاقيات التي تهمّ مصالح الدول الثلاث.

وقد نص ميثاق “ليبتاغو غورما”، وهي المنطقة الحدودية المشتركة، الموقّع بين البلدان الثلاثة في 17 سبتمبر 2023، على أن الاتحاد مفتوح أمام عضوية الدول التي تشترك مع المجموعة في أهداف التحرر الاقتصادي والاستقلال السياسي.
ومنذ فترة تنادي هذه الدول بضرورة الخروج من العملة الإفريقية الموحدة التي ترتبط بالبنك المركزي في فرنسا.
لكن هل تتوفر لهذا الكيان الجديد شروط الاستمرار أم أنه سيعرف مصير كيانات وحدوية عديدة سبقته؟ ما هو مصير منظمة “إيكواس” التي تستعدّ للاحتفال بخمسينيتها في العام المقبل؟ وهل أن الانقلابات العسكرية قادرة على حل المشاكل الأساسية للطبقة العاملة والشعوب؟
هذا ما سنتناوله في الجزء القادم من المقال.

إلى الأعلى
×