بقلم حبيب الزموري
رغم ما حفْ بعملية إعلان السيد قيس سعيد لترشحه إلى الانتخابات الرئاسية 2024 من مجهود دعائي وإخراج سينمائي استوجب سفر السيد رئيس الجمهوري من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب لمسافة تقدر بــ 927 كم لتتحفنا الكاميرا بتلك الصورة لرئيس الدولة ممسكا بخطاب الترشّح وهو مستظلّ بنخلات من شمس الجنوب الحارقة.
وأول سؤال يتبادر إلى الذهن هو: هل كان الأمر يستدعي كلّ هذه المشقّة وتلك التكاليف؟ ماهي الرسائل المراد إيصالها؟ أراد السيد قيس سعيد، مثلما جاء في خطابه، التأكيد على وحدة التراب التونسي التي تشكّلت منذ أواسط القرن 18م وغير المهدّدة بحركات انفصالية أو تهديدات خارجية حسب علمنا المتواضع.
لقد كان إعلان ترشح السيد قيس سعيد دعاية فجّة تفتقر لأيّ حسٍّ إبداعيٍّ وتكلفت على دافعي الضرائب مبلغا لا يمثل شيئا يذكر في ميزانية رئاسة الجمهورية، ولكنه يعكس العديد من المبادئ الديموقراطية المطعونة بمثل هذه الدعاية الشعبوية، أهمها:
-
توظيف أجهزة الدولة لفائدة السيد قيس سعيد بوصفه مترشّحا للانتخابات الرئاسية قبل حتى أن تنطلق الحملة الانتخابية.
-
غياب النيّة لدى السيد رئيس الجمهورية للفصل بين صفته كرئيس للدولة وصفته كمترشّح للانتخابات الرئاسية ممّا يضرب في الصميم مبدأ حياد أجهزة الدولة ومبدأ تكافؤ الفرص.
-
تواصل نفس الخطاب الشعبوي العنيف القائم على التّخوين وتجريم الرأي واختلاق المعارك الوهمية والمؤامرات للتحشيد والتغطية على الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية..
هذه الملاحظات الأوّلية توحي بأن الانتخابات القادمة لن تكون سوى حلقة جديدة من حلقات الاستعراض الشّعبوي الفردي تحت شعارات فضفاضة لا تمتُّ للواقع بصلة وستكون فوق ذلك مُحاطة بالأسلاك القانونية الشائكة التي ستمزّق كل من تسوّل له نفسه التشكيك في نزاهتها وديموقراطيتها المطعون فيهما منذ البداية بالنظر لما تعانيه البلاد من تضييقات واعتداءات مستمرة على الحريات العامة والفردية وتعفين للحياة السياسية بخطاب التجريم والتخوين والإيقافات العشوائية، فكل صاحب رأي معارض للمنظومة القائمة “متّهم إلى أن تثبت تهمته” حسب جهابذة القانون الشعبوي الجدد.
أخيرا وليس آخرا هنيئا مريئا لمن انتقل بحملته الانتخابية من ظهور البغال سنة 2019 إلى ظهور الطائرات والسيارات الفخمة سنة 2024.