الرئيسية / صوت الوطن / البدائل ممكنة… فلماذا الاستمرار في نفس الخيارات المدمّرة؟
البدائل ممكنة… فلماذا الاستمرار في نفس الخيارات المدمّرة؟

البدائل ممكنة… فلماذا الاستمرار في نفس الخيارات المدمّرة؟

بقلم علي البعزاوي

عقد يوم 23 جويلية 2024 البرلمان الجديد المعروف باسم “الوظيفة التشريعية” جلسة عامة للمصادقة على اتفاقيتي قرض بقيمة 220 مليون يورو، الأوّل بقيمة 50 مليون يورو للدعم المباشر لميزانية الدولة التي تتضمن ثغرة بحوالي 16 ألف مليار (تتأتّى من الاقتراض الخارجي)، والثاني بـ170 مليون يورو للمساهمة في إحداث خط تمويل لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
لقد سبق لهذا البرلمان أن عقد عديد الجلسات في الأشهر السابقة وعلى طول سنة 2024 للنظر في اتفاقيات قروض خارجية مثله مثل البرلمان السابق عملا بالمقولة الشعبية “لا تقطعلنا عادة”. وهي عادة سيئة في الحقيقة تكرّست في كل المحطات وفرضت نفسها تاركة انطباعا واسعا لدى الشعب التونسي بأنّ دور البرلمان يتمثل أساسا في المصادقة على الميزانيات المقدمة من الحكومات وعلى اتفاقيات القروض لتمويل هذه الميزانيات، وأن بلادنا لا يمكنها التنفس والحياة إلا بالاقتراض والتداين.

فهل المسألة قضاء وقدر؟

لقد تضمّنت كلّ الميزانيات التي قدّمتها حكومات ما بعد الثورة ثغرات مالية ونقصا في الموارد ممّا اضطرّها إلى اللّجوء لميزانيات تكميلية في آخر كل سنة، الأمر الذي عطّل الأنشطة والمشاريع المبرمجة رغم قلتها لأن النسبة الأكبر من هذه الميزانيات تذهب إلى خلاص الأجور والاستهلاك بينما اقتصرت ميزانيات التنمية على نسب ضعيفة جدا تحوم حول معدل الستّة بالمائة من مجمل الاعتمادات.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا اللّجوء دائما إلى الاقتراض؟
أولا، هناك إصرار دائما على الترفيع في المبلغ الجملي للاعتمادات من ميزانية إلى أخرى، بينما كان بالإمكان الحفاظ على نسب معقولة تراعي قدرات الدولة.
ثانيا، هناك لجوء مبالغ فيه وغير مبرّر للاقتراض الخارجي مع الاستعداد للتنازل والاستجابة لشروط المانحين وفي مقدمتهم صندوق النقد الدولي باستثناء الفترة 2021-2024 حيث رفض الرئيس قيس سعيد السماح للحكومة بالحصول على قروض بالشروط التي طرحها الصندوق والمتمثلة أساسا في رفع الدعم دفعة واحدة – بالنظر للحالة السيئة التي عليها الاقتصاد التونسي ودرجة التصنيف – وتحرير الأسعار والضغط على كتلة الأجور والخصخصة… لأنها من وجهة نظره قابلة لأن تشعل الاحتجاجات الاجتماعية. إلا أن حكومتي بودن والحشاني لم تتردّدا رغم ذلك في الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي دون إبرام اتفاق معه ودون الحصول على تمويل وذلك من خلال تحرير الأسعار التي بلغت اليوم معدلات لا تطاق والضغط على كتلة الأجور وسد الباب أمام الانتدابات الخ. وهو ما ساهم في ضرب القدرة الشرائية للأجراء.
ثالثا، هناك إرادة لدى القائمين على الدولة بعدم المساس بمصالح كبار الأثرياء وبالتالي عدم التعويل عليهم في تمويل الميزانية إلا عبر القروض مقابل فوائد عالية وبالعملة الصعبة وهو ما يتمّ حاليا. وقد رافق ذلك صعوبات في السيولة ولجوء لطبع الأوراق النقدية بصورة عشوائية دون مراعاة الإمكانيات الاقتصادية والمالية للدولة إلى جانب صعوبة الحصول اليوم على قروض شخصية من البنوك التونسية أو قروض لتمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
إن المسالة مسألة خيارات وسياسات دأبت عليها المنظومات المتعاقبة سواء قبل الثورة أو بعدها. وهي خيارات لا شعبية ولا وطنية كانت لها تداعيات سلبية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

البديل ممكن ولكن..

لقد أكدت القوى الثورية والتقدمية في تونس وفي مقدمتها حزب العمال على رفضها للخيارات المتبعة سواء في ظل حكم الترويكا أو في ظل حكومة النداء/ النهضة أو في ظل حكومتي قيس سعيد (حكومة بودن وحكومة الحشاني) ولسياسة الاقتراض والتداين الخارجي وقدمت برامج وحلولا بديلة تمثلت أساسا في:

  • سن ضريبة استثنائية على الثروات الكبرى وهي ضريبة توظف مرة واحدة على كبار الرأسماليين المحليين توجه لتمويل الميزانية.
  • تجميد خلاص الديون لفترة تتراوح بين الثلاثة والخمسة سنوات مع إقرار تدقيق في الديون يتمّ بموجبه رفض خلاص الديون الكريهة التي استفادت منها الرجعيات الحاكمة المختلفة. وقد عبّر عديد النواب الديمقراطيين في البرلمان الأوروبي على استعدادهم لمساعدة تونس في هذا الاتجاه لكن الحكومات الليبرالية القائمة لم تستجب لذلك بدعوى المصداقية والوفاء بالالتزامات الدولية.
  • إقرار الضريبة التصاعدية عبر ربط نسبة هذه الضريبة بحقيقة المداخيل (كلما ارتفعت نسبة الأرباح والمداخيل كلما ارتفعت الضريبة والعكس بالعكس).
  • استخلاص الديون المتخلّدة بذمّة المؤسسات الخاصة ورجال الأعمال، علما وأن حكومة الفخفاخ على سبيل الذكر لا الحصر قرّرت في إطار مواجهة تداعيات وباء كورونا تمكين بعض هؤلاء من فترة إمهال بسبع سنوات لخلاص ديونهم والحال أنها بحاجة إلى هذه الأموال التي تقارب الـ10 آلاف مليار لتمويل الميزانية.
  • منع المؤسسات الأجنبية من تصدير مرابيحها لفترة لا تقل عن ثلاثة سنوات حتي يقع استثمار هذه الأموال محليا وسحب الامتيازات التي تتمتع بها دون وجه حق.
  • ترشيد التوريد بالاقتصار على توريد المواد والأدوات والسلع الأساسية الضرورية سواء للاستهلاك أو لتنشيط الاقتصاد بما يساعد على إعادة التوازن للميزان التجاري.

إلى جانب هذه الإجراءات وأخرى لم نأت على ذكرها يمكن اتخاذ إجراءات اجتماعية من شأنها طمأنة الفئات ضعيفة ومتوسطة الدخل وتشجيع الاستهلاك أهمّها:

  • الزيادة في الأجور لدعم القدرة الشرائية، زيادة تأخذ في الاعتبار معدل ارتفاع الأسعار.
  • الترفيع في الأجر الأدنى الصناعي والفلاحي إلى حدود 1200دينار.
  • إعفاء البحارة والحرفيين وصغار الفلاحين من الديون المتخلّدة بذمتهم لدى البنوك.
  • انتداب عمال الحضائر وكل الفئات التي تعمل في إطار الشغل الهش.
  • تمتيع المعطلين عن العمل من منحة بطالة وتمكينهم من التنقل والعلاج المجانيين.
  • تجميد أسعار المواد الأساسية لفترة محددة.

لكن هذه الإجراءات والخيارات لا تقدر عليها الحكومات الشعبوية ولا الرجعيات التي حكمت تونس ووقف الشعب التونسي على حقيقة فشلها وعجزها لأن هذه المنظومات منحازة طبقيا لمصالح البورجوازية الكمبرادورية ولا علاقة لها بمصالح الأغلبية الشعبية.
هذه الإجراءات تقرّها حكومة وطنية ديمقراطية شعبية تقطع مع الخيارات الرأسمالية الليبرالية التابعة التي انتهجتها مختلف الحكومات السابقة وترسي خيارات بديلة تخدم مصالح الأغلبية الشعبية وتكرس السيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية وتفتح الطريق أمام السلطة للشعب من خلال مؤسسات تمثيلية منتخبة وفاعلة تتمتع بسلطة قرار حقيقية.

إلى الأعلى
×