الرئيسية / صوت الوطن / الزيادة في SMIG ومنحة العائلات المعوزة: تقليص من تدهور الأوضاع المعيشية أم حملة انتخابية؟
الزيادة في SMIG ومنحة العائلات المعوزة: تقليص من تدهور الأوضاع المعيشية أم حملة انتخابية؟

الزيادة في SMIG ومنحة العائلات المعوزة: تقليص من تدهور الأوضاع المعيشية أم حملة انتخابية؟

بقلم حسين الرحيلي

منذ 2021 لم يقع الزيادة في الأجر الأدنى المهني المضمون بصنفيه الصناعي والفلاحي. كما اتسمت فترة الثلاث سنوات الأخيرة بارتفاع كبير لمعدلات التضخم، والتي تجاوزت نسبة 10% سنة 2022، في سابقة لأول مرة منذ أكثر من 20 عاما. كما تراجعت نسب النمو خلال هذه الفترة إلى مستويات قياسية وخاصة سنة 2023 والتي تدنّت فيها هذه النسبة إلى 0.4%، ولتتراجع نسبة النمو خلال الثلاثية الأولى من سنة 2024 إلى مستوى 0.2%.
وكان من نتيجة كل هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، أن تدهورت المقدرة الشرائية لمجمل الشرائح الاجتماعية أمام ارتفاع متواصل وغير مسبوق لأسعار المواد الأساسية الحياتية، والنقص الفادح الذي شهدته بعض هذه المواد مثل السكر والزيت النباتي والفرينة والسميد وخاصة الخبز والحليب. كما سجلت البطالة، تبعا لتراجع كل المؤشرات الاقتصادية، ارتفاعا لتصل أواخر سنة 2023 إلى 16.6%.
في إطار هذه الظروف الاقتصادية الصعبة على الأجراء وأصحاب المؤسسات الصغرى      والمتوسطة على حدّ السواء، يقرر رئيس الجمهورية وبشكل أحادي الترفيع في الأجر الأدنى المهني المضمون في القطاع الخاص بنسبة 14.3% على ثلاث سنوات 2022-2023-2024 أي بزيادة سنوية لا تتجاوز 4.1%، أي أنها أقل بكثير من نسبة التضخم لشهر جوان 2024 والتي كانت 7.3%.
ولئن كانت هذه الزيادة ضرورية لتحسين المقدرة الشرائية لأصحاب الأجور الضعيفة، فإنها أتت بصفة متأخرة من ناحية وغير قادرة على تعويض التدهور التراكمي لهذه المقدرة الشرائية بسبب الارتفاع المتواصل والدائم للأسعار من ناحية أخرى.
كما أنها أتت بشكل أحادي ولم تكن إفرازا موضوعيا لحوار ومفاوضات اجتماعية بين الفاعلين الاجتماعيين الثلاثة: الحكومة والأعراف والعمال. ممّا أفقدها البعد التشاركي وأصبغها بالطابع الفردي الذي يمكن أن يكون عاملا من عوامل صعوبة تطبيقها خاصة وأن مؤسسات القطاع الخاص المعنية بهذه الزيادات تعيش أوضاعا مالية واقتصادية صعبة كتواصل للآثار السلبية لجائحة كورونا من ناحية ولواقع الاقتصاد الوطني الصعبة من ناحية أخرى.
فكيف ستتصرف المؤسسات الصغرى والمتوسطة بخصوص هذه الزيادات المفروضة عليها والتي لم تُقرّها في ميزانياتها وفي منظوماتها المحاسباتية. كما ستكون هذه الشركات مضطرة لإدخال هذه الزيادات في تكلفة المواد المنتجة. وبالتالي سيتحمّل المستهلك النهائي (المواطن) أعباء هذه الزيادات. وهو ما سيكون موضوعيا عاملا جديدا لارتفاع الأسعار وبالتالي مستويات التضخم.
كما يبدو أن رئيس الجمهورية ومن خلال تفرّده بهذا الإجراء الاجتماعي، قد قرر إلغاء ناعما للمفاوضات الاجتماعية والحوار الاجتماعي، في سابقة أولى في تاريخ تونس المعاصر منذ 1973، تاريخ تركيز منظومة الاتفاقيات القطاعية التي تحتضن بداخلها قواعد وطرق التفاوض والزيادات في الأجور في إطار مفاوضات اجتماعية ثلاثية تأخذ دوما بعين الاعتبار أوضاع العمال ومقدرتهم الشرائية من ناحية، وواقع وظروف المؤسسات بشكل يضمن بأكثر قدر توزيع منصف للثروة مع المحافظة على ديمومة المؤسسة الاقتصادية.
كما أن الزيادات التي تمّ الإعلان عنها أواخر شهر جوان، وليس 1 ماي بمناسبة عيد العمال مثلما تعوّد الأجراء في تونس، هو تأسيس لمنهجية جديدة للرئيس قيس سعيد في معالجة المسائل الاجتماعية المتعلقة بالأجور. كما يمكن القول أن هذه الزيادات تأتي في سياق حملات انتخابية للانتخابات الرئاسية. أفلا يمثل هذا انزلاقا بالسلطة الحالية لممارسات أتت على نقدها واكتسبت شرعيتها من فضح هذه الممارسات التي كانت تستعمل جهارا في السابق.
وبالتوازي مع هذه الزيادات في الأجر الأدنى المهني المضمون بالقطاع الخاص، قرر رئيس الجمهورية الزيادة في منحة “العائلات المعوزة” والتي كانت 180 دينار للعائلة لتصبح 240 دينار. وهو ما سيكلف ميزانية الدولة أعباء إضافية تقدر بحوالي 112 مليون دينار لم تكن مبرمجة بميزانية 2024. فمن أين ستوفر وزارة المالية هذا المبلغ من المال ونحن نعلم أن المالية العمومية في وضعية صعبة بإقرار الخطاب الرسمي. أم أن العملية ستُحَلُّ بتغيير الأولويات من التنمية أو من بعض المشاريع الخدماتية إلى تغطية هذه الزيادة الرئاسية. وبالتالي وانطلاقا من هذه القرارات الفوقية والتي تكون لها انعكاسات مالية إضافية وغير مدرجة بالميزانية الأصلية يمكن القول إن الميزانية لم يعد لها مصداقية أو صلوحيه.
وللتوضيح، ليست المسألة مرتبطة بجدوى هذه الإجراءات وضرورتها لتحسين ظروف فئات اجتماعية مهمشة ومنسية، وغير قادرة على مواكبة نسق ارتفاع تكلفة العيش، بل في السياقات التي تأتي فيها والطريقة الأحادية والفوقية التي ترمي عرض الحائط بالحوار الاجتماعي والمفاوضات الاجتماعية كطريقة تشاركية لإعادة النظر في توزيع الثروة المنتجة بالمؤسسات الاقتصادية بشكل خاص وبالثروة الوطنية بشكل عام.
وانطلاقا من كل ما سبق ذكره، فإن التحاليل والآراء المنتقدة لهده الإجراءات التي لها أبعاد اجتماعية لا يمكن الاختلاف عليها، ولكن الطريقة الأحادية من ناحية وتوقيتها المتزامن مع الانتخابات الرئاسية من ناحية أخرى هو الذي شوّش وقلّل من وقعها الاجتماعي. كما أن إقصاء المؤسسات الخاصة من المشاركة في القرار قد يسبّب أزمات مالية واقتصادية للعديد من المؤسسات ارتباطا بأوضاعها المالية والإنتاجية والتسويقية في ظل اقتصاد مازال يعاني من الانكماش وتراجع نسب النمو.

إلى الأعلى
×