بقلم الشاذلي المغراوي
تتواتر مصاعب المواطن التونسي وتتضاعف معاناته يوما بعد يوم وقد شملت مختلف مظاهر حياته اقتصاديا واجتماعيا ومعنويا وفكريا وقيميا، فالمواد الأساسية نادرة الوجود أو مفقودة تماما والأسعار قد شهدت ارتفاعا جنونيا حتى أنك ترى بعض الغلال ولا تستطيع تذوّقها ولو مرة واحدة (“تذوق الفال”)، والبطالة في تزايد مستمرّ والخدمات العامة في تراجع متواصل. كل ذلك أثّر سلبا على سلوك المواطن التونسي، فلا غرابة أن ترتفع ظاهرة العنف والاغتصاب والتحيّل والسرقة ويتزايد الإقبال على المخدرات وارتفاع ظاهرة الانتحار خاصة في صفوف الشباب الذي أصبح يقامر بجسده وحياته عبر الهجرة النظامية وغير النظامية وهي كلها ردود فعل تكاد تكون طبيعية على واقع غير طبيعي حيث سدت السبل وعمّ الإحباط وفقدان الأمل في تحسّن أوضاع البلاد والعباد.
وممّا زاد في تعكّر الأوضاع هو نظرة الرضا عن الذات التي تتوخاها الدولة التي تكتفي في أغلب الأحيان ببيع الأوهام وإطلاق الوعود الكاذبة أو قل التنصّل من المسؤولية والاكتفاء باتهام الآخرين بالتآمر على قوت المواطن بالعمالة والخيانة و”الغرف المظلمة” التي لا تريد الخير لهذا الوطن. وقد ازدادت هذه النبرة خاصة في المدة الأخيرة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المهزلة التي تجرى في مناخ سياسي منغلق تنعدم فيه الحريات الفردية والعامة، حيث وقع التضييق على الأحزاب والمنظمات ووسائل الإعلام وتكميم الأفواه بالمراسيم الزجرية والفاشية والقوانين التعسفية. في هذه الظروف، كثرت تنقلات رئيس الدولة في حملة انتخابية سابقة لأوانها إلى عدّة جهات والقيام ببعض الزيارات غير المعلنة ناشرا الأوهام والوعود وهو يخاطب المواطنين الذين يعانون من الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي أو الماء الصالح للشرب. والغريب في الأمر أن رئيس الدولة يتّخذ خطابا كأنما هو في المعارضة فيندّد ويستنكر ويتّهم الخونة والمتآمرين بتجويع الشعب وتعطيشه والتنكيل به وكأنه ليس ذلك الرئيس الماسك بكل السلط والمعتمد كليا على الأجهزة الصلبة وهو الذي لديه من السلطات ما يجعله يتحكم في الإنس والجان على حدّ تعبير أحد قياديي بعض الأحزاب المساندة. فما معنى أن يستنكر رئيس الدولة عملية قطع الماء على بعض المواطنين؟ فإذا كان هو الحاكم بأمره غير قادر على فعل شيء فماذا يقول المواطن المسكين أو المعارض الذي يجد نفسه ملاحقا قضائيا لمجرّد نقده لغياب الدولة في بعض المسائل. ألهذه الدرجة يكتفي رئيس الدولة بهذه الإجابة؟ وهل أن الاستنكار وكيل التّهم للآخرين سيحلّ مشاكل المواطن المسكين؟ ألا ينطبق على ذلك المواطن قول أبي نواس:
“ربي إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمت أن عفوك أعظم.
إن كان لا يرجوك إلا محسن
فبمن يلوذ ويستجير المجرم؟”
فلقد تعدّدت زيارات رئيس الدولة إلى عديد الجهات متوعّدا أحيانا وواعدا حينا بحلّ مشاكل المواطنين كزيارته إلى شركة السكر بباجة حيث أطلق عديد الوعود الشعبوية بعدم التفويت في الشركة وضرورة إعادتها إلى وضعها الطبيعي وتحسين أوضاع العاملين فيها. غير أن ذلك لم يقع حيث شاهدنا في المدة الأخيرة خروج العمال في مسيرة جابت شوارع مدينة باجة طالب فيها العمال تحسين أوضاعهم ومطالبين الدولة بالإيفاء بالتزاماتها.
نفس الأمر يعيشه عمال مصنع السّكر ببنزرت الذي زاره الرئيس ووعد بتسوية وضعية العمال وتمكينهم من مستحقاتهم. إلاّ أن شيئا من ذلك لم يقع، وها أن العديد من العمال يخوضون إضراب جوع متواصلٍ منذ بداية هذا الشهر احتجاجا على سوء أوضاعهم.
كما تحوّل رئيس الدولة مؤخرا إلى ولاية جندوبة حيث التقى مجموعة من المواطنين الذين يعانون من الانقطاع المتواصل لمياه الشرب في مثل هذه الأيام التي شهدت حرارة مرتفعة؛ فكان نصيبهم وعودا انتخابية لن تتحقّق، حيث توعّد واستنكر في خطاب شعبوي كيف يعاني هؤلاء من العطش والحال أن السدود تحيط بهم من كل جهة وأن ذلك الأمر لا يمكن أن يستمر وأن الدولة لن تبقى مكتوفة الأيدي… إلى غير ذلك من الخطابات الرنانة متجاهلا المحاصيل الفلاحية التي أتلفت والخسائر التي تكبّدها الفلاحون نتيجة عدم توفّر مياه الرّي.
وهكذا تتعدّد الزيارات من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب ولم تحلّ مشاكل المواطنين. بل إن عديد المؤسسات الصغرى والمتوسطة أُغلقت وزُجّ بأصحابها في السجن ولم يقع إيجاد الحلول الصحيحة للاقتصاد التونسي الذي استمرّ في اعتماد السياسات الاستعمارية المفروضة عليه واعتماد الدولة سياسة التقشف على حساب مواطنيها الذين أشبعتهم وعودا وأوهاما.