الرئيسية / صوت الوطن / نزيف الهجرة والثروة المهدورة
نزيف الهجرة والثروة المهدورة

نزيف الهجرة والثروة المهدورة

بقلم علي المالكي

إن اختلال التوازن التنموي بين الجهات، يدفع العائلات إلى الهجرة الداخلية نحو المناطق الأكثر حظاً في التنمية، على غرار المناطق الساحلية، ومن ثمّ التوجّه نحو الهجرة النظامية أو غير النظامية.
إن بلادنا تحتاج إلى خيارات جديدة، وطنية وديمقراطية وشعبية، تنبع من أهداف الثورة التونسية للخروج بهما من الأزمة التي تردّت فيها على أيدي كلّ الحكومات المتعاقبة منذ سقوط الدكتاتورية النوفمبرية في جانفي 2011.
فلم تعد الهجرة مقتصرة على الشباب التونسي، الباحث عن العمل والتحصيل المادي، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد. ففي تونس ينقطع يوميا حوالى 280 تلميذاً وسنوياً أكثر من 100 ألف تلميذ عن الدراسة، بينما بلغ العدد الإجمالي في العشر سنوات الأخيرة للمنقطعين حوالى مليون تلميذ.
لقد تغيّرت ذهنية العائلات التونسية التي كانت تراهن على التعليم باعتباره مصعداً اجتماعياً، وأمام تزايد عدد العاطلين من حاملي الشهادات العليا، أصبحت بعض العائلات التونسية، تختار الهجرة الجماعية بشكل سرّي وكان مجموع المهاجرات 2306 بين 2019 وأواخر 2023، وقد ارتفع عدد النساء المهاجرات سرّيا من 72 مهاجرة سنة 2019 إلى 1353 مهاجرة سنة 2023. أمّا مجموع القصّر المهاجرين فكان بنفس الفترة 12767 قاصرا مهاجرا سريا وقد ارتفع من 629 سنة 2019 ليبلغ 4464 أواخر سنة 2023.
كما تشكل ظاهرة هجرة الكفاءات نزيفا حقيقيّا للثروة البشرية في تونس، وهي ظاهرة تعود إلى ضعف مستوى الأجور وانتشار البطالة والاختلال بين ما توفّره الجامعات من شهادات علمية وبين ما يَطْلُبُه سوق الشغل من حاجيات، فمثلا معدل المهندسين الذين يغادرون للعمل في الخارج يبلغ سنويا نحو 6500 مهندس، وتُعتبر هجرة الكفاءات بمثابة ثروة ضائعة، لأن الدولة تنفق نحو 100 ألف دينار (30 ألف دولار) على كل طالب منذ بداية مسيرته الدراسية.
إن دولة الاستعمار الجديد تقدّم هذه الكفاءات التونسية بعد تكوينها وتأطيرها على طبق من ذهب لأوروبا (فرنسا، ألمانيا…) وكندا وأستراليا التي تقوم باستغلال هذه الطاقات، وهو ما يُعدّ ثروة بشرية مهدورة كان من المفروض أن يستفيد منها الاقتصاد التونسي، ويعود سبب استفحال ظاهرة هجرة الكفاءات التونسية إلى المنوال التنموي والاقتصادي المعتمد منذ ستينيّات القرن الماضي وكان بالإمكان الاستفادة من خريجي الجامعات لخلق الثروة إذا بني الاقتصاد على اقتصاد المعرفة بدلا من الاقتصاد الريعي السائد.
إلا إنّ مهمة الفرق الحكومية المتعاقبة تمثلت أساسا في التسريع بنسق الإجراءات المملاة من صندوق النقد الدولي والتي تهدف إلى تكثيف وتائر الخوصصة وتصفية ما تبقّى من القطاع العمومي ومزيد فتح البلاد لنهب الرأسمال الأجنبي وتجميد الأجور والانتدابات في القطاع العمومي والترفيع في الأسعار والضرائب على حساب العمّال والفلاحين والمهمشين والمعطلين عن العمل وهذه الإجراءات لن تخدم سوى مصالح الأقليات البورجوازية الطفيلية والعميلة ولن تكون بالنسبة إلى الشعب سوى حرب على كرامته وسيادته الوطنية وعلى قوته وعلى ظروف معيشته.

إلى الأعلى
×