الرئيسية / عربي / القضية الفلسطينية في منعرج جديد: هل تتحرّك شعوبنا لإسناد الانتصار؟
القضية الفلسطينية في منعرج جديد: هل تتحرّك شعوبنا لإسناد الانتصار؟

القضية الفلسطينية في منعرج جديد: هل تتحرّك شعوبنا لإسناد الانتصار؟

بقلم علي الجلولي

تشهد المنطقة في الأيام الأخيرة تطورات سريعة بتتالي جملة من الأحداث التي لن يكون لها فقط تأثير على حاضر الإقليم، بل أيضا على المستقبل المنظور وحتى البعيد. فبعيد رجوعه من واشنطن، أعطى نتن ياهو الضوء الأخضر الذي حمله في جرابه لاستهداف الضاحية الجنوبية لبيروت باستهداف أحد أبرّ القادة العسكريين لحزب الله، بما يعني تجاوزا لحدود الاشتباك السّابقة التي ظلّ الطرفان ملتزمين بها. وعرف الوضع ذروته باغتيال إسماعيل هنيّة، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران فجر اليوم الأخير من شهر جويلية، وهو حدث هزّ الضمير العالمي، لا من جهة استهداف دولة مستقلة بتنظيم تصفية جسدية عبر صواريخ دقيقة على ترابها بمناسبة حفل تنصيب رئيسها الجديد، بل أيضا لأن المستهدف هو أحد رموز المقاومة الفلسطينية التي تتصدّى منذ قرابة عشر أشهر لحرب إبادة شرسة قلّما عرف لها التاريخ المعاصر نظيرا.

في تداعيات الاعتداءات الصهيونية الأخيرة

الواضح والأكيد أن استهداف قيادتي حزب الله وحماس سيُدخل الحرب الدائرة حاليا في طور جديد هو طور سقوط قواعد الاشتباك الإقليمي السائدة منذ بداية “طوفان الأقصى”، وهي ضربات إقليمية “متوازنة” يتمّ استيعابها ولم تخلق منعرجا في معطيات الحرب حتى بالضربات اليمنيّة التي استهدفت كيان الاحتلال وأوجعته من خلال الحكم على ميناء حيفا بالعطالة والشّلل. لقد دخل حزب الله الحرب ووجّه ضربات موجعة للعدو وفرض وضعا جديدا في الأراضي المحتلّة الشمالية، لكن ضرباته ظلّت على العموم في حدود القواعد الضّمنية المسلّم بها من الطرفين منذ ما بعد حرب 2007، فيما لعبت الفصائل العراقية دورا ملحقا بالدور اللّبناني في توجيه ضربات “مدروسة” للكيان، وظلّت الجبهة اليمنيّة الجبهة الأنشط والأقوى والأهم من جهة الحجم والنوع. لقد لعبت هذه الجبهات مجتمعة دور الإسناد المهمّ للمقاومة الفلسطينية، لكن ذلك الإسناد لم يؤثّر نوعيا على حجم الفظاعة الصهيونية المرتكبة في غزّة وفي الضفة وأيضا في جنوب لبنان الذي استمرّ استهدافه بصفة شبه يومية تقريبا خلال الأشهر الماضية. وإن كان من المعلوم ارتباط مختلف واجهات المواجهة مع الاحتلال بإيران، فإن المعطيات الجديدة ستلهب مختلف هذه الواجهات للردّ على العربدة الصهيونية التي بلغت درجة غير مسبوقة، من ذلك اغتيال عديد القادة العسكريين الإيرانيّين في طهران وفي دمشق وأيضا في بيروت بما في ذلك في العملية الأخيرة في الضاحية الجنوبية.
إن إيران التي تتصرّف كلاعب إقليمي أساسي لا يمكن أن تصمت على هذا الاستهداف الذي يطالها ويطال هيبتها ودورها. إن السلوك الصّهيوني، المسنود أمريكيًّا، هو سلوك مخطط ومبرمج ومقصود، وهو يستهدف أساسا الحفاظ على الهيمنة الأمريكية على المنطقة، هذه الهيمنة التي لا تحتمل وجود قوى ولاعبين غير القوى الموالية للأمريكان وعلى رأسها الكيان الصهيوني وحكّام المنطقة الخاضعين. أمّا صعود الدّور الإيراني المسنود روسيًّا وصينيًّا والذي أصبح اليوم يشكل قطبا نشيطا يمتدّ من طهران إلى العراق ولبنان وسوريا وصولا إلى اليمن مرورا بالساحة الفلسطينية من خلال العلاقة المتينة بالمقاومة وعلى رأسها حركة حماس. إن المتصرّف الأساسي من خلال العربدة الصهيونية هو الامبريالية الأمريكية، وما الصهاينة إلا منفّذ. ومصلحة الأمريكان اليوم هي في التصدي لأيّ لاعب إقليمي ودولي غير تابع لهم، فالمنطقة بمقدراتها وثرواتها وموقعها هي فضاء تقليدي للهيمنة الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، وهي ليست مستعدة للتفريط فيها كلّفها ذلك ما كلفها، علما وأن المنطقة هي أحد واجهات الصراع بين القوى الامبريالية التقليدية والصاعدة، مثلها مثل القارة الإفريقية والآسيويّة وجنوب القارّة الأمريكية، لها ساحات صراع ووغى تختلف أساليبه ووسائله وأدواته، لكن أهدافه وغاياته واستراتيجياته هي نفسها، مصلحة رأس المال الاحتكاري في تنمية الثروة ووضع اليد على الأسواق والطّرق إليها.

مصلحة الشعوب في تصعيد النضال الوطني

لئن كان الصراع العالمي وتداعياته الإقليمية على المنطقة هو الإطار الموضوعي الذي ضمنه يتمّ إدراك حقيقة الصراعات الدائرة في المنطقة، فإنّ في القلب منه قضيّة وطنية ظلّت مطروحة منذ عقود، هي القضية الفلسطينية، التي تختزل كلّ أوجه الصراع في المنطقة، وهي قضية وطنية عادلة من جهة كونها تقابل بين شعب وأرض محتلّة من قبل كيان استعماري عنصري مارس ولا يزال أفظع أشكال الإبادة لتكريس وضع في المنطقة يتعايش فيه كيان هجين هو ربيب الامبريالية وأداتها في المنطقة، مع كيانات مصطنعة عميلة ووظيفيّة. إن هذه الصورة هي الوضع الأفضل الذي ظلّت الامبريالية تعمل من أجل فرضه في المنطقة. لكن غصّة الامبريالية وكيان الاحتلال وأنظمة العمالة كان ولا يزال مقاومة الشعب الفلسطيني الذي ظلّ صامدا ورافضا لأيّ تمرير للمشروع الامبريالي، لقد أحبط هذا الشعب بإصراره وتحدّيه كل المؤامرات لتصفيته وتصفية قضيّته رغم حجم التآمر الخارجي والداخلي الذي استهدفه. ولم يكتفِ الشعب الفلسطيني بالمقاومة الدفاعية صونا لهويته وكرامته، بل مرّ، في غفلة من كل أعدائه، إلى المقاومة الهجومية منذ 7 أكتوبر الجاري، إذ باغتت المقاومة كيان الاحتلال وضربته في مقتل ومرّغت أنف “الجيش الذي لا يقهر” في تراب غزة ووحلها. لقد مثلت لحظة 7 أكتوبر تحوّلا نوعيا في قواعد الاشتباك مرّ فيها الشعب الفلسطيني من طور الدفاع إلى طور الهجوم، ومن طور ردّ الفعل إلى الفعل المباغت والنوعي بما شكّل رافعة جدّية للفعل المقاوم، ليس في فلسطين التي صنع شعبها معجزة حقيقية بصمود مقاومته طيلة عشرة أشهر، إذ لا زالت الألوية المسلحة لمختلف الفصائل تقوم بالعمليات يوميا ودون توقف، بل وتكبّد جيش العدو الخسائر الكبرى في العدّة والعتاد، وهو وضع انعكس في أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ونفسية… الخ غير مسبوقة في كيان الاحتلال الذي فرّ جزءٌ من سكانه إلى بلدانهم الأصلية في حركة هجرة عكسية غير مسبوقة ولم يعرفها الكيان في مختلف حروبه السابقة. وهو، إضافة إلى ذلك، يعرف أزمة مالية واقتصادية حادة. إذ لولا الدعم الأمريكي السّخي لما قدر على الاستمرار يوما واحدا. فيما تتواصل الأزمة السياسية في مختلف أوجهها والقناعة الحاصلة لدى كل العالم أن نتن ياهو يستمرّ اليوم في حربه الخاسرة لأنه في اليوم الموالي سيكون في السّجن بعشرات التُّهم، لذلك فهو يستمرّ في حرب عبثيّة لم تحقّق إلا تقتيل آلاف المدنيّين العزّل، ممّا أعطى للقضية الفلسطينية زخما غير مسبوق في التعاطف العالمي.

اغتيال هنيّة سيعطي دفعا للنضال والمقاومة

إن استهداف إسماعيل هنيّة في وجه من وجوهه هو بحث قادة كيان الاحتلال عن “مكسبٍ ما” و”انتصار ما”. فبعد أن عجزت أجهزة الكيان المحتلّ على الوصول إلى القادة الميدانيّين والعسكريين، ها هي توجّه أسلحة إرهابها للسياسيّين والمدنيين، وهي خاصية ظلّت ترافق كيان الاحتلال منذ تشكيل عصاباته منذ قرن على أرض فلسطين.
إن هذا الاغتيال الجبان لأحد قادة الشعب الفلسطيني لن يزيد الغضب إلا تأجّجا، ولن يزيد المقاومة إلاّ لهبا، كما لن يزيد التعاطف والإسناد الأممي إلّا نهوضا. كما أن تحرك واجهات الإسناد، وخاصة اللبنانية منها، ستدخل الحرب الحالية في منعرج لن يكون لصالح الصهاينة رغم الفارق في ميزان القوى، فالحرب معهم هي في الواقع حرب مع الأمريكان لكن ضعف الكيان وتهالكه وتفكك بنائه الداخلي على مختلف الأصعدة، كلها عوامل ستكون لصالح الشعب الفلسطيني الذي ليس له ما يخسره اليوم سوى الاحتلال الذي لن يترك أرض فلسطين إلا بشلالات من الدماء، هذه الشلالات كان يمكن أن تكون أقل لو كان موقف الحكام أقل تبعية وخضوعا للامبريالية، لكن (شلال الدماء) سيكون أكبر وأكبر لا بحكم موقف التواطؤ، بل بموقف المشاركة المادية والمباشرة في العدوان والحصار والتمويل.
إن الاستعمار لن يُهزم إلاّ بحركة طويلة النّفس وتضحيات عظيمة وحركة إسناد واسعة، وفي حال قضيّتنا فالإسناد يتوسّع في العالم إلا في بلداننا العربية التي استوطن في صفوف شعوبها في الغالب التّخاذل الذي عمّقته ووسّعت شروطه الأنظمة القائمة بطبقاتها العميلة التي لن تتحرّر أوطاننا وشعوبنا إلا بكنسها كنسا مبرما.
إن الفرصة مواتية للشعوب والقوى الوطنية في بلداننا كي تنهض من جديد، تنهض لتتحمّل المسؤولية السياسية والوطنية وأيضا الأخلاقية تجاه شعب شقيق يقتّل بدم بارد أمام شاشات التلفاز. إن التطورات الحالية والمتوقعة يجب أن تشكّل انطلاقة واندفاعة لساحة الإسناد الأصلية للشعب والمقاومة الفلسطينية، وهي الساحة العربية، بما تمثّله من زخم وإمكانيات ومخاطر على المصالح الامبريالية والصهيونية التي تتنفّس وتسود في المنطقة بتبعيّة الحكّام وخضوع الشعوب.
فهل تفعلها شعوبنا وتبدأ استفاقتها التي بها ومن خلالها يناطح الشعب الفلسطيني السماء ويصنع انتصاره النهائي والحاسم على عدوّ الإنسانية المعاصرة، الامبريالية وربيبتها الصهيونية النازية؟

إلى الأعلى
×