الرئيسية / صوت العالم / هل تشكل الانقلابات العسكرية في إفريقيا أداة لتحرّر شعوبها؟ (الجزء الثالث)
هل تشكل الانقلابات العسكرية في إفريقيا أداة لتحرّر شعوبها؟  (الجزء الثالث)

هل تشكل الانقلابات العسكرية في إفريقيا أداة لتحرّر شعوبها؟ (الجزء الثالث)

بقلم مرتضى العبيدي

1. التجربة التاريخية للانقلابات العسكرية في إفريقيا

بعد الاستقلالات الشكلية وخلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، برزت ظاهرة جديدة في المستعمرات الجديدة في إفريقيا: الانقلابات العسكرية. وقد دفعت هذه الانقلابات الجيوش الاستعمارية الجديدة والقوات شبه العسكرية إلى واجهة المشهد السياسي الإفريقي، حيث ستلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على النظام الاستعماري الجديد وتعزيزه وفي قمع الطبقة العاملة والشعب. وهكذا فإن الجيش (الذي أنشأته ودرّبته وموّلته القوى الإمبريالية، ولا سيما الفرنسية)، والذي تم تقديمه على أنه قوة “الدفاع عن الأمة وسيادتها”، يترك الثكنات ليلعب دوره كفاعل رئيسي في الحياة السياسية ضمن استراتيجية الإمبريالية العالمية، وخاصة الفرنسية، في المستعمرات الجديدة في إفريقيا.
والمعلوم أن الدول الإفريقية شهدت خلال 60 سنة من عمر الاستقلال الشكلي عددا كبيرا من الانقلابات يفوق المئتين، نصفها يمكن وصفه بأنه “انقلابات ناجحة”، أمّا المحاولات الفاشلة أو التخطيط للقيام بالانقلاب فيصعب حصرها.
ولكن ما هي أسباب الانقلابات العسكرية وأهدافها في إفريقيا؟
بشكل عام، تعتبر الانقلابات العسكرية استعمارية جديدة في جوهرها وتهدف إلى تعزيز الرأسمالية حتى عندما تختلف في دوافعها وأهدافها التكتيكية اعتمادًا على كل حالة على حدة. ويمكن تصنيف الانقلابات العسكرية في إفريقيا على النحو التالي:

أ) عندما تدرك القوى الإمبريالية، وخاصة الفرنسية، والرجعية المحلية، صعود وتطور الحركة الشعبية والثورية، فإنها تدفع إلى الانقلابات العسكرية لمنع هذه الحركات من الانتصار على القوى الاستعمارية الجديدة. فيكون الانقلاب العسكري في هذه الحالة وسيلة بأيدي الإمبرياليين وحلفائهم المحليين لقطع الطريق أمام الحركة الديمقراطية والثورية.

ب) تشكل الانقلابات العسكرية في إفريقيا أيضاً بالنسبة للقوى الإمبريالية وسيلة لتوسيع دائرة نفوذها وهيمنتها في إطار المنافسات البينية التي هي سمة من سمات العصر. فبعد تقسيم العالم بين القوى الإمبريالية الرئيسية، فإن صراعها الحالي من أجل إعادة التقسيم (بالنظر إلى قانون التطور غير المتكافئ للرأسمالية وحقيقة أن الإمبريالية تميل حتما نحو الهيمنة) يجعل الإمبريالية المنافسة تعتمد على جزء صغير من القوى البرجوازية المحلية (الجزء الذي لا يوجد في السلطة عمومًا) لمحاولة الإطاحة بالإمبريالية المهيمنة ولو بالقوة. ويتمّ ذلك وفقا للمصلحة الاستراتيجية للدولة أو المنطقة المعنية.

ج) كما تخطط القوى الإمبريالية وحلفاؤها المحليون لانقلابات للإطاحة بالقوى التي تبدو تقدمية في نظرها والتي لا تمنحها إمكانية إطلاق العنان لتنفيذ سياسة الاستغلال والنهب والقمع. تلك هي طبيعة الانقلاب الذي قام به العريف جوزيف موبوتو الذي أطاح بحكومة باتريس لومومبا في الكونغو ليوبولدفيل. ويصدق نفس القول على الانقلاب الذي أطاح بكوامي نكروما في غانا في عام 1966. وكان كلا الانقلابين من تدبير وكالة المخابرات المركزية.

د) أخيرا، للتخلص من العروش الملكية المهددة من قبل الحركة الشعبية وغير القادرة على تنفيذ الإصلاحات الضرورية، فضلت القوى الإمبريالية عدم التصدي لبعض الانقلابات العسكرية التي تهدف إلى إقامة جمهورية برجوازية مع التحكم في الحركة الشعبية وقمعها. وفي مثل هذا السياق، تمكن عبد الناصر و”الضباط الأحرار” من الإطاحة بالملك فاروق في مصر في 25 يوليو 1952؛ وكان القذافي قادرًا على الإطاحة بالملك إدريس في ليبيا عام 1969، وأن منغيستو هيلي مريام تمكن من الوصول إلى السلطة في إثيوبيا على أنقاض امبراطورية هيلاسي لاسيي دون إثارة غضب القوى الإمبريالية في البداية.

وفي ضوء هذه التجربة التاريخية، ما هي الدروس التي يمكن أن نستخلصها من الانقلابات العسكرية؟ وما هو الموقف المبدئي الذي ينبغي لحزب البروليتاريا والثوريين والوطنيين الحقيقيين أن يتخذوه في مواجهة هذه الانقلابات؟ ما الفرق بين الانقلاب العسكري والثورة الاجتماعية؟

2. الانقلابات العسكرية غير قادرة على حل المشاكل الأساسية للطبقة العاملة والشعب

إن الدروس التي يمكن استخلاصها من الانقلابات العسكرية في إفريقيا، عديدة ولها أهمية كبيرة لتعبئة وتنظيم وقيادة الجماهير الشعبية من قبل الحزب الثوري على طريق الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية ذات الأفق الاشتراكي.
تعكس الانقلابات العسكرية وتعزيز دور جيش الاستعمار الجديد في الحياة السياسية في إفريقيا الضعف الاقتصادي والسياسي للبرجوازيات المحلية وأحزابها السياسية الرجعية. والواقع أن جميع البلدان الأفريقية هي مجتمعات استعمارية جديدة تتبع طريق التطور الرأسمالي. في السلطة هناك برجوازيات لا وطنية متحالفة مع القوى الإمبريالية، وعاجزة على تلبية مطامح الجماهير في العيش الكريم وفي السيادة الوطنية. وهو ما يخلق الظروف المواتية لتعزيز دور الجناح العسكري لبرجوازية الدولة البيروقراطية في كبح الأزمة ومنع الانفجارات الاجتماعية. فتقدم الطبقة العليا من الجيش نفسها على أنها الجزء القادر على إقامة “سلطة قوية” والتحول نحو الفاشية على غرار الطغمات العسكرية في بلدان أمريكا الجنوبية.
إن الانقلابات العسكرية لم تأت لإحداث تغيير جوهري لصالح الجماهير، إذ إن منفذيها لم يشككوا أبدًا في النظام الرأسمالي الاستعماري الجديد، بل هم يهدفون إلى تعزيزه من خلال عملهم على تصفية الحركة الثورية. ويصدق هذا حتى عندما يستخدم الانقلابيون في البداية لغة ديماغوجية لخداع الطبقة العاملة والشعب. ومن الأمثلة على ذلك، قيام الأنظمة العسكرية الحاكمة في بلدان الساحل والصحراء بغرب إفريقيا (مالي، بوركينا فاسو، النيجر) بترديد خطاب حول “السيادة الوطنية”، و”الوحدة الإفريقية”، و”الاستقلال” مع تجديد علاقات التبعية مع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وتقديم التسهيلات السخية للإمبريالية الروسية.
وبشكل عام، فإن هذه الانقلابات لا تمس أسس هيمنة الطبقة البرجوازية على السلطة. وهي لا تؤدي إلى تغييرات نوعية في النظام الاقتصادي والاجتماعي (الرأسمالي الاستعماري الجديد). إنها تقوم فقط بإسقاط بعض الأفراد من السلطة واستبدالهم بآخرين، يمثلون أيضًا نفس الطبقة الحاكمة، لكنهم يعبرون بقوة أكبر عن المصالح الخاصة لهذه الطبقة.

3. الانقلابات والثورة وموقف الحزب الثوري؟

ولهذا السبب تختلف الانقلابات جذريا عن الثورة ولا يمكنها وضع حدّ لاستغلال الإنسان للإنسان، على عكس ما يدعيه الانتهازيون والتحريفيون والغوغائيون من جميع المشارب. إن الثورة هي عمل الجماهير تحت قيادة البروليتاريا بقيادة حزبها (الحزب الشيوعي) الذي يدمر النظام الرأسمالي ويحطم جهاز الدولة البرجوازية الاستعمارية الجديدة ليحل محله نظام الديمقراطية الشعبية. فبدون تدمير الرأسمالية، لا يمكن السير نحو الاشتراكية ، ولا يمكننا إسقاط دكتاتورية البرجوازية.
لذلك، يجب أن يكون لحزب البروليتاريا الحقيقي موقف مبدئي ثابت في مواجهة الانقلابات العسكرية ذات الطبيعة الرجعية والتي لا تدعو إلى تقويض النظام الاجتماعي الرأسمالي: وهذا أمر ضروري لتزويد نفسه باستراتيجية ثورية للاستيلاء على السلطة وإقامة نظام الديمقراطية الشعبية كمرحلة نحو النظام الاشتراكي. لكن على حزب البروليتاريا أن يعرف أيضا كيف يتبنى تكتيكا مفتوحا في مواجهة مختلف الانقلابات، آخذا في الاعتبار الظروف التاريخية التي تجري فيها، والمواقف التي تخلقها، والتعديلات الممكنة التي يمكن أن تحدثها في شكل الدولة البرجوازية: وهذا ضروري لكشف قناع الانقلابيين، ولجعل الطبقة العاملة والشعب يدركون الطابع الطبقي البرجوازي للدولة الجديدة وضرورة تدميرها عن طريق النضال الثوري تحت قيادة حزب البروليتاريا من خلال أشكال النضال والتنظيم المناسبة.
وهذا يعني أن حزب البروليتاريا الثوري يجب ألا يغذي الأوهام سواء داخل صفوفه أو داخل الطبقة العاملة والشعب، وإلا فإنه سيتخلى عن المواقف الماركسية اللينينية ويغرق في التحريفية والتعاون الطبقي. ويجب عليه في جميع الظروف أن يرفع رايته عاليا، وأن يتمسك باستراتيجيته وتكتيكاته الثورية للاستيلاء على السلطة من أجل تحقيق برنامجه الثوري.
إن تكرار الانقلابات العسكرية يعكس إلى حد ما تأخر الظروف الذاتية عن الظروف الموضوعية للثورة في إفريقيا. إن ضعف الأحزاب الماركسية اللينينية حيثما وجدت وعدم وجودها في معظم الحالات لا يسمح للبروليتاريا بقيادة نضالات الفئات والطبقات الشعبية المنتصرة عندما تنشأ الأوضاع الثورية. وهكذا أظهرت السيرورات الثورية في بعض البلدان الافريقية خلال العشرية الثانية من هذا القرن (تونس، مصر، السودان، بوركينا فاسو…) حدودها ونقائصها، ولعلّ أبرزها غياب لعليا القيادة الثورية لتلك السيرورات.

إلى الأعلى
×