المقاومة كخيار استراتيجي و”حل الدولتين” خداع وتضليل ومناورات
حاوره علي الجلولي
تعرف الساحة الفلسطينية والإقليمية في المدة الأخيرة تطورات متسارعة، إذ فضلا عن استمرار حرب الإبادة الوحشية منذ قرابة عشر أشهر وما أظهره الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة من صمود أسطوري رغم حجم الدمار الذي طال قطاع غزة، فإن اغتيال إسماعيل هنيّة، رئيس حركة حماس في العاصمة طهران شكّل ولا يزال معطى سيكون له ما قبله وما بعده فلسطينيا وإقليميا إذ تتجه المنطقة إلى تصاعد للتوتر على أكثر من واجهة.
لمتابعة هذه التطورات وتداعياتها، تحاور “صوت الشعب” الرفيق ماهر الطاهر القيادي بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
الرفيق ماهر، ألا ترون أنّ اغتيال الشهيد إسماعيل هنيّة يمثل منعرجا في سيرورة الحرب العدوانية والمقاومة الفلسطينية في الآن ذاته. كيف تقرؤون هذا المنعرج؟
تحياتي لجريدة “صوت الشعب” في تونس الشقيقة متمنيا لكم النجاح في عملكم والمزيد من التقدم في خدمة قضية فلسطين وقضايا الأمة العربية، وتحياتنا الحارة إلى الشعب التونسي الشقيق الذي وقف دائما إلى جانب قضية فلسطين وتحرّك في الشوارع بمظاهرات عارمة تعبيرا عن أصالته وشهامته في الوقوف إلى جانب القضايا المبدئية العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، قضية كل أبناء الشعب التونسي العظيم.
جوابا على السؤال الأول، لا شك أنّ اغتيال الشهيد، القائد الكبير إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ومرافقه يشكّل منعرجا ومنعطفا خطيرا وكبيرا في مسيرة الصراع مع العدو الصهيوني المجرم ويشكّل منعطفا كبيرا في مسار المعركة التاريخية التي يخوضها الشعب الفلسطيني على أرض قطاع غزّة الباسل والمتواصل منذ عشرة أشهر أذهل فيها الشعب الفلسطيني العالم كله بصموده الأسطوري المنقطع النظير. ولا شك إن هذه العملية الإجرامية قد تجاوزت كل الخطوط الحمر لأنها مسّت وبشكل مباشر السيادة الإيرانية عندما تمّ اغتيال الشهيد القائد الرمز إسماعيل هنية في قلب العاصمة طهران، وكذلك عملية الاغتيال الجبانة التي استهدفت المناضل الكبير وأحد قادة حزب الله فؤاد شكر التي كان مسرحها الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت والضاحية الجنوبية قد شكلت أيضا تجاوزا لكل الخطوط الحمر.
هذه العمليات الإجرامية سيكون لها نتائج كبيرة وفعلا أدخلتنا في مرحلة جديدة بكل معنى الكلمة لأن المجرم نتن ياهو وحكومة الإرهاب الصهيونية باتت تتخبط يمينا وشمالا في ضوء عجزها عن تحقيق أي انجاز على ارض قطاع غزة الباسل بعد عشرة أشهر من حرب الإبادة، فالمجرم نتن ياهو يبحث عن صورة نصر ما فاتجه إلى الاغتيالات.
هذه العمليات الإجرامية ستلقى بالتأكيد الرّد الحاسم والواضح من الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن حزب الله ومن كل أطراف محور المقاومة. وسيدرك نتن ياهو وحكومته بأن ما أقدموا عليه لن يمرّ هكذا وأنهم سيدفعون ثمنا باهظا جرّاء ذلك، وبالتالي فإنني أرى أنه فعلا قد دخلنا مرحلة جديدة سيتصاعد فيها الصراع ضدّ العدوّ الصّهيوني وسيكون هناك ضربات كبيرة ومؤلمة لهذا العدو المجرم. وإذا كان نتن ياهو يتوهّم بأنه باغتيال قيادات أساسية سواء، في فلسطين أو في لبنان أو في اليمن أو في العراق أو في سوريا، ستضعف المقاومة فجوابنا واضح. لقد مارس العدوّ الصهيوني خلال العقود الماضية العشرات ومئات الاغتيالات ضدّ قادة فلسطينيين كبار، لقد استشهد الشهيد القائد أبو علي مصطفى على أرض فلسطين بعملية جبانة أقدم عليها المجرم شارون ولكن هذا لم يكسر إرادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بل زادها قوة، وكذلك تم اغتيال غسان كنفاني، وديع حداد، باسل القبيسي، ولكن الجبهة الشعبية أصرّت على المزيد من المقاومة والمزيد من المواجهة. وتمّ اغتيال الشهيد أحمد ياسين وفتحي الشقاقي وخليل الوزير والعشرات من القادة الكبار وكان الكيان الصهيوني يتوهّم أن هذا سيضعف المقاومة ولكن النتائج كانت عكسيّة والمقاومة ازدادت اشتعالا وازدادت إصرارا على القتال والمواجهة. ونحن كشعب فلسطيني وكأمّة عربية يهمنا بشكل أساسي أن نواجه هذا العدو المجرم ونطمح أن نفوز بالشهادة لأن الشهادة هي قمّة ما يقدّمه الإنسان في الدفاع عن أرضه وشعبه وأمّته، وبالتالي نقول لنتن ياهو بأن جرائمك وتجاوزك للخطوط الحمر ستدفع ثمنه باهظا وستزداد المقاومة اشتعالا وتوهّجا في مواجهة مشروعكم العدواني وسنواصل الكفاح والمقاومة حتى تحرير كلّ ذرّة من تراب فلسطين.
ننحني إجلالا وإكبارا لروح الشهيد القائد الكبير أبو العبد إسماعيل هنيّة ولروح الشهيد القائد الكبير فؤاد شكر ونقول لهم سنواصل الكفاح، سنواصل المقاومة حتى تحقيق كافّة الأهداف والمبادئ والقيم التي ناضلتم وقضّيتم في سبيلها، سنستمرّ في المقاومة حتى يرتفع علم فلسطين فوق القدس عاصمتنا الأبدية.
ماهي برأيكم التداعيات الإقليمية والدولية لعملية الاغتيال الغادرة؟
لا شكّ أن عملية الاغتيال الغادرة سيكون لها تداعيات إقليمية ودولية كبيرة. وباعتقادي أن المجرم نتن ياهو وحكومته الفاشيّة يريد دفع الأمور باتّجاه حرب إقليمية شاملة، ويريد جرّ الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذه الحرب لأنه يدرك تماما أن الكيان الصهيوني لوحده لن يتمكّن من خوض مثل هذه الحرب لأنه إذا كان فشل في قطاع غزّة المحاصر منذ 18 عاما والذي لا يملك إلاّ إمكانيات تسليحية بسيطة ومتواضعة، ورغم ذلك فقد صمد عشرة أشهر وأوقع خسائر فادحة في صفوف العدو وهزّ هيبة هذا الكيان، لذلك فالكيان يدرك أنه لا يستطيع أن يدخل في حرب إقليمية شاملة لوحده، بل يريد دفع الولايات المتحدة الأمريكية للدخول في هذه الحرب، ولكني أعتقد أن نتن ياهو لن يتمكّن من تحقيق أهدافه لأن الولايات المتحدة الأمريكية تعي تماما أن حربا إقليمية شاملة في المنطقة سوف تعرّض كل مصالحها للخطر، والولايات المتحدة اليوم على أبواب انتخابات رئاسية، وفي ظلّ صراعات دولية كبيرة مرتبطة بالحرب في أوكرانيا والصراع مع الصين وتايوان، وتداعيات كل ذلك، لذلك أعتقد أن طموحات نتن ياهو في توسيع نطاق الحرب لتصبح حربا إقليمية شاملة لن تتحقّق. محور المقاومة جاهز ومستعدّ لكل السيناريوهات وبالتالي أعتقد أن التّصعيد والمواجهة في المرحلة القادمة سوف يتصاعدان لكن ضمن حسابات دقيقة لمحور المقاومة وعنصر المبادأة والمبادرة سيبقى بيد هذا المحور. إن مخطّط محور المقاومة هو حرب استنزاف طويلة الأمد مع هذا العدو الصهيوني المجرم لأن الكيان الصهيوني غير قادر، وهذا ما قالته المعارضة الصهيونية بأن الكيان الصهيوني ليس معتادا على حرب استنزاف طويلة، هم اعتادوا على حروب خاطفة يحسموها خلال أيام أو ساعات، وبالتالي فإن تكتيك محور المقاومة هو حرب استنزاف طويلة يخوضها كل أطراف هذا المحور من أجل إلحاق الهزيمة بهذا الكيان الصهيوني المجرم. ولا شك أن هناك اليوم تحرّكات إقليمية ودولية كبيرة تحاول تخفيف التداعيات الكبرى المترتّبة عن الجرائم التي يقترفها العدو الصهيوني، لكني على قناعة بأن عملية المواجهة ستزداد حدّة كي تضع حدا للجرائم التي يقترفها العدو.
جاءت عملية الاغتيال الجبانة بعد لقاء بيكين للفصائل الفلسطينية. كيف تسير الأمور صلب الفعاليات الفلسطينية وأين تتّجه؟
إنّ عمليات الاغتيال يجب أن تشكّل حافزا للإسراع بتحقيق وحدة وطنية فلسطينية شاملة تقوم على قاعدة خيار المقاومة كخيار استراتيجي في مواجهة العدو الصهيوني خاصة بعد أن اتّضح أنّ كل حديث عن مفاوضات وتسويات وما يسمّى ب”حل الدولتين”، ما هو إلا خداع وتضليل ومناورات. نحن أمام كيان مجرم يريد السّيطرة على كل شيء وينفي وجود الشعب الفلسطيني، ومؤخّرا اتخذ الكنيست الصهيوني قرارا بعدم الاعتراف بقيام دولة فلسطينية مستقلة وهذا يؤكد أنّ كل مسار أوسلو خلال الثلاثين عاما الأخيرة وكل مسار المراهنة على تسوياتٍ وتنازلاتٍ ومساوماتٍ وصل إلى حائط مسدود واتّضح تماما أن خيار المقاومة هو الخيار الأساسي لاستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. اليوم، وخاصة بعد عمليات الاغتيال الجبانة التي تمت بتصفية الشهيد القائد إسماعيل هنيّة والشهيد القائد فؤاد شكر، هذه العمليات ينبغي أن تدفع الأمور باتجاه وحدة وطنية فلسطينية تقوم على قاعدة المقاومة كخيارٍ استراتيجي في مواجهة العدو، وأريد القول بكلّ وضوح إن بناء وحدة وطنية فلسطينية حقيقية لا يمكن أن يتمّ في ظلّ بقاء اتفاقات أوسلو وفي ظلّ استمرار الاعتراف بالكيان الصهيوني الذي أقدمت عليه القيادة الرسمية لمنظمة التحرير خلال توقيع اتفاقات أوسلو. لا بدّ من سحب الاعتراف بهذا الكيان المجرم ولا بدّ من إلغاء وإنهاء اتفاقات أوسلو بشكل كامل، وبدون ذلك لن نتمكّن من تحقيق وحدة وطنية فلسطينية جادة وحقيقية، ونقول بأن مسار التسوية وما سمّي بعملية “السلام” المزيّفة خلال العقود الماضية قد برهن بأن هذا الخيار هو خيار بائس وأن هذا الخيار كانت نتيجته الوحيدة هي مزيد من الاستيطان والمزيد من تهويد الأرض والمزيد من السيطرة على أرض القدس والتطبيع مع بلدان عربية عديدة، وبالتالي آن الأوان لقلب الطاولة بشكل كامل وبناء وحدة وطنية تستند إلى برنامج سياسي واضح وحاسم وتوفّر قيادة جماعيّة للشعب الفلسطيني، قيادة جماعية ديمقراطية وعقد مجلس وطني فلسطيني شامل تشارك فيه كل القوى في الساحة الفلسطينية بما في ذلك حركتيْ حماس والجهاد لتجميع كل الطاقات الفلسطينية وتوجيه التّناقض نحو العدوّ الصهيوني على قاعدة خيار المقاومة.
ماهي الأوضاع على الميدان في غزّة والضّفة بعد عشرة أشهر من الصمود الأسطوري للمقاومة والشعب؟
ما نؤكده أن شعبنا صامدٌ صمودا أسطوريا أذهل العالم كله، أذهل العدو والصديق. صحيح أننا كشعب فلسطيني، وخاصة على أرض قطاع غزّة العزة والصمود دفعنا ثمنا باهظا وارتقى لنا عشرات آلاف من المدنيّين، أكثر من 40 ألف شهيد غالبيّتهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 85 ألف جريح وتمّ تهديم البنى التحتية وتدمير المساجد والكنائس والجامعات البيوت، ولكن رغم كل هذا الإجرام فإنّ الشعب الفلسطيني لازال صامدا، لن يركع ولن يستسلم ولن ينكسر، وكل المعطيات التي تصلنا من مقاتلينا على أرض قطاع غزّة تؤكد أنّ شعبنا ومقاومتنا مصمّمون على استمرار المواجهة وعلى استمرار القتال وإيقاع المزيد من الخسائر في صفوف هذا العدو المجرم. ونتن ياهو في رفضه لإيقاف إطلاق النار مدعوما من الولايات المتحدة الأمريكية كان يراهن ولا يزال أن المقاومة يمكن أن تنهار وأن الشعب الفلسطيني لا يستطيع تحمّل كل هذه المجازر، لكنه فوجئ بحجم الصمود وسيُفاجأُ أكثر لأن المقاومة ستستمرّ في هذا الصمود وكونوا على ثقة أن الآلاف من أبناء شعبنا على أرض قطاع غزّة وفي الضفة الفلسطينية والقدس وفي عموم الأراضي الفلسطينية انخرطوا ودخلوا في المقاومة خلال هذا العدوان المتواصل على قطاع غزّة. إن المعطيات على الأرض وفي الميدان تؤكد أن شعبنا يمتلك كلّ الإرادة للمزيد من الصمود والمزيد من المواجهة، وسيدرك المجرم نتن ياهو، وسيدرك الكيان الصهيوني أن كل مجازرهم وحرب الإبادة التي يمارسونها لن تكسر عزيمتنا وستكون نتيجتها المزيد من الصمود والمزيد من المقاومة.
وبطبيعة الحال نحن كفصائل فلسطينية نرغب في الوصول إلى اتّفاق ينهي المذبحة ويوقف حرب الإبادة، ولكننا لن نقبل بأيّ اتفاق يمسّ الثوابت الوطنية الفلسطينية. يجب أن ينسحب العدو الصهيوني بشكل شامل وكامل من قطاع غزّة، إدخال المواد الإغاثية إلى القطاع، إجراء عملية تبادل للأسرى والخروج من محور فيلدلفيا ونتساريم، وبدون ذلك لن يتمكّن العدو الصهيوني من أن يفرض شروطه لوقف القتال. نحن سنستمرّ بالمواجهة، متمسّكون بثوابتنا ومتمسّكون بشروطنا لوقف هذه المجزرة، وكونوا على ثقة بأن الشعب الفلسطيني الذي قدّم هذا الثمن الباهظ من التضحيات والدماء الزّكية سيواصل معركته وسيواصل مقاومته حتى نتمكّن من تحقيق أهدافنا. نحن اليوم نخوض معركة تاريخية كبرى سيترتّب عليها نتائج كبيرة على كل المستويات الفلسطينية والعربية والإقليمية والعالمية، هذه المعركة التاريخية أدخلت العدو الصهيوني في مأزق وجودي بكلّ معنى الكلمة واليوم نتن ياهو يريد استمرار الحرب لأنه يدرك تماما أن وقف هذه المجزرة سيعني نهايته السياسية كما أن الكيان الصهيوني بات يخشى بشكل حقيقي من الهجرة المعاكسة لأن هناك مآت آلاف المستوطنين غادروا فلسطين وسنشهد في المرحلة القادمة هجرة المزيد والمزيد من الصهاينة بعد أن أدركوا أن جيشهم الصهيوني لن يتمكن من تأمين الحماية لهم وبالتالي دخل هذا الكيان في مأزقٍ وجودي بكل معنى الكلمة. الأمور تسير لصالح المقاومة ومحور المقاومة والنّصر سيكون حليفنا في نهاية المطاف رغم كل التضحيات ورغم كل التّحديات ورغم الدّماء الزكيّة وشلاّلات الدماء التي سالت على أرض قطاع غزة.
اليوم الشعب الفلسطيني يكتب تاريخه بدمه ولحم أبناءه الصامدين الصّابرين قائلا لقادة الكيان الصهيوني المجرم نعم تستطيعون أن تدمّروا بيوتنا، تستطيعون أن تقتلوا أطفالنا ونسائنا وشيوخنا، تستطيعون أن لا تبقوا حجر على حجر، لكنكم لا تستطيعوا ولا يمكن أن تستطيعوا أن تدمّروا فينا إرادة القتال وإرادة المقاومة.