الرئيسية / صوت الثقافة / ياسر جرادي… فنان زاده المحبّة
ياسر جرادي… فنان زاده المحبّة

ياسر جرادي… فنان زاده المحبّة

بقلم ضحى قلالي

لم تغادر روح الطفل المشاكس قلبه فحمل القيثارة والهرمونيكا وبدأ يجوب الأرض ناشرا السعادة والألحان والجمال. من واحات قابس إلى شاطئ الزهراء ظلّ مسكونا برائحة الوطن وأوجاعه. غنّى “للخضراء” ودندن من ساحة الفنون الجميلة إلى ساحات العديد من الكليات المعاهد، وكلما ناداه الاتحاد العام لطلبة تونس إلا وكان الملبّي الوفيّ. لم يكن يحيي التظاهرات واجبا، بل كان يُحييها قلبا وروحا، في الفضاءات الفنية وفي ضيافة المجتمع المدني والسياسي الذي آمن به سندا للحرية والنضال والإنسانية. غنّى دعما وحبا لرفاقه وأصدقائه ووفاء لشهدائهم.
ياسر يتكلّم لغة الإنسانية جمعاء، ولكنه يبقى الوطني الغيور الذي لحّن وغنّى وكتب لتونس “بالدم” وكذا فعل لشقيقتها فلسطين ولكل القضايا العادلة في العالم؛ فعالم الألحان والألوان في حياة ياسر كان أرحب، والحلم عنده لا يتوقف.
ولأن الحلم مشروع للجميع، فإنّ ياسر ابن نوادي السينما ساهم بكل حبٍّ في أن يدقّ الفن السابع بيوت الصغار والكبار في دواخل البلاد المنسيّة والمهمّشة. حارب حتى لا تظلّ الجهات الداخلية صحراء قاحلة من كلّ فنٍّ وإبداع، فجعل “السينما تْدور” وأثّث شوارعها ومهرجاناتها البعيدة عن الزّخرف والتصنّع.
لكن كان لياسر زخرفه الخاص. فالموسيقيّ والمغنِّي المبهج هو أيضا خطّاطٌ ماهر يُتقن الرّسم بالكلمات، فطالما نقش بأحرفه عشق الوطن والحرية والسلام والمقاومة.
ياسر، صديق الجميع، لا تزلّفا ولا حيادا.. بل لأنه يؤمن أن الحياة أقصر وأجمل من أن نقضيها في الأحقاد والحروب والدّمار. فكان صديقا للأطفال والحيوانات والبيئة والطبيعة، دافع عن البحر والشّجر واحتضن القطط وربّتَ على ريش العصافير الجريحة!
لم يكن غريبا بعد كل هذا أن يبكيه من يعرفه ومن لم يعرفه، وأن تبكيه تونس التي منحها ما يستطيع من مهجته وفنه.. سنوات قضّاها ياسر في الحلم والفعل ستبقى شاهدة على مسيرة واحدٍ من أبناء الخضراء الذين أحبّوها حدّ التعب، مسيرة ستبقى محفورة بخط عريض في ذاكرة محبّيه وفي ذاكرة الوطن بعنوان: ياسر محبة.
إلى اللقاء ياسر، حتى تهبّ “نسائم الحرية”، وحينها ستكون معنا أنت وكلّ من صعدوا إلى حتفهم باسِمِين!

إلى الأعلى
×