الرئيسية / صوت الوطن / الشعبوية بين الحلول الفاشلة وإحياء فلكلور التهريج والتطبيل: وزيرة التربية نموذجا
الشعبوية بين الحلول الفاشلة وإحياء فلكلور التهريج والتطبيل: وزيرة التربية نموذجا

الشعبوية بين الحلول الفاشلة وإحياء فلكلور التهريج والتطبيل: وزيرة التربية نموذجا

ليس من الممكن في السياسات الشعبوية وطرق تسويقها لنفسها وتعاملها مع الأزمات الفصل بين تقنيات الخطاب ومضامينه من ناحية وبين البروباغندا السياسية وطريقة تسلل هذا الخطاب إلى عامة الناس ليصبح في النهاية خطابا عموميا تتبناه النخبة كما تتبناه شرائح واسعة من الجمهور من ناحية ثانية… وواقع الحال والمثال ها هنا ينطبقان تماما على الشعبوية “الحاكمة” في تونس حيث لم تصبح الشعبوية منذ انتخابات 2019، وتحديدا بعد انقلاب 25 جويلية 2021، تجسيدا فحسب لحالة قصوى مركّزة من الحكم والتأسيس لاستبداد فردي جديد وإنما أصبحت هذه الشعبوية نموذجا سلوكيا ونوعا من المحاكاة المرضية لشخص الرئيس في خطابه وادعاء المؤامرة وتحميل المسؤولية تصنيفا وقولا واستتباعا قانونيا وجزائيا لجهات أخرى مشبوهة ولكنها هلامية وغير معلومة…
وإذا شئنا حصر الموضوع في العلاقة بين وزارات الدولة والقائمين عليها في علاقتهم بالملفات الاجتماعية والمالية المزمنة والاتفاقات التي تتنصّل منها الدولة من جهة وبين المنظمة الشغيلة كطرف اجتماعي مفاوض ومدافع في الأصل عن مصالح منظوريه من جهة أخرى، فإننا سنقف على أمثلة وشواهد كثيرة تبيّن أنّ هذه الوزارات لم تغيّر من طبيعة تعاطيها مع المشاكل ذات العلاقة وظلت مشدودة ومحكومة بنفس أساليب المماطلة والتسويف وإطالة التفاوض والتعلل بأزمة المالية العمومية وتجاوز السقف المالي المسموح به وما رافق ذلك من تجريم للحق النقابي ومحاكمات وتلفيق للتهم… لا بل أنّ الشعبوية في خطابها السلطوي الاستبدادي وضمن هذا الأفق المحكوم بثنائية تشريح الأزمة والوقوف على مظاهرها – من منظور القائمين على الحكم – وتحميل المسؤولية لغير الدولة تجاوزت هذا السقف في طريقة إدارتها للأزمة عامة، بكل أبعادها الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية، لتبخيس وترذيل كل فعل سياسي ناقد ومقاوم مع ما يرافق ذلك من تخوين ممنهج وإحياء لكل أساليب الوشاية والدسائس والاتهامات المجانية والمصطنعة/الكاذبة… الحال في هذا السياق بلغ حدّا من العبث واللامعنى حيث تتزاوج وتتزامن الدعاية الركيكة والتسويق الكاذب لـ”وطنية منظومة الحكم” مع أساليب التهديد والوعيد وإعادة بعث الطقوس القديمة وفلكلور 7/11 القائمة على التمجيد والتقديس… ولعلّ ما وقع في باب بنات في العاصمة في الجهة الخلفية لوزارة التربية جزء وشاهد على هذه الممارسات السمجة حيث بلغت آلة الدعاية السلطوية حدّا من الرداءة والإسفاف وبلادة الخطاب وركاكة اللغة لم نعهده منذ انطلاق المسار الثوري 17/12-14/1/2011، فالسيدة وزيرة التربية التي أقامت تجمّعا احتفاليا “انتصارا” لوعد رئاسي غير مضمون بإنهاء معاناة نواب وزارة التربية بـ”انتداب منصف” أثثت “خطابها السياسي” بكيل المديح للرئيس، مديح نزع عنها صفة الوزيرة مهنة وبروتوكولا في التعامل وحوّل المشهد برمته إلى فولكلور وطقوس نوفمبرية… ولأنّ صاحب السلطة لا يستشعر قوته إلا متى ما ضمن خطابه شيئا من ومضات وعيد هذه السلطة المستمَدّة من وليّ أمره للتخويف والترهيب فإنّ السيدة الوزيرة توعدت وهددت ووظفت عبارات من قبيل “ورحمة بابا العسكري لا نمضيه الاتفاق إذا ما سكتوش”…
سلوك كهذا لا يفهم فحسب من زاوية أنه تجاوز لحدود اللياقة وإنما يفهم أيضا من زاوية أنه انحدار لسلوك مسؤولي الدولة إلى درجة قصوى من فقدان الحرفية في التعامل والضعف في تقنيات التواصل والإقناع والشعور الكاذب بالقوة. كل هذا الذي حدث ليس بمعزل عن البروباغندا الانتخابية والدعاية لشخص الرئيس في انتخابات 6 أكتوبر 2024 والاستثمار في أزمة المعطلين وصيغ العمل الهش مثلما يتزامن مع مغالطات كثيرة في التعامل مع ملف النواب ومحاولة تحييد الطرف النقابي وإلغاء دوره التفاوضي (الجامعة العامة للتعليم الثانوي) وما تبع ذلك من تهديد صريح لوزيرة التربية (بلاغ 13 أوت) بمحاسبة ومتابعة إدارية وقضائية لكل من يمارس فعلا احتجاجيا في المندوبيات الجهوية ـ وربما لاحقا في المؤسسات التربوية ـ على خلفية القرارات التي أقرتها الهيئة الإدارية القطاعية الوطنية للتعليم الثانوي يوم 12 أوت 2024…
الخلاصة أنّ الشعبوية كنظام حكم تختار مسؤولين على صورتها، كثيري الوعود، قليلي الفعل والإنجاز… هؤلاء كثيرا ما تتيه بهم السبل فيرتدّون في النهاية إلى نفس الأساليب المعهودة لدى الشعبوية: التضييق على الفعل المناضل الحر والمراوحة بين التهديد والعقاب… فاشية تزحف، تكبر ولكنها تنهار وتسقط في النهاية لأنها تحمل بداخلها أسباب زوالها وعناصر مقاومتها…

ناشط نقابي

إلى الأعلى
×