اجتمع عشية الأربعاء 21 أوت الجاري بمقر حزب العمال عدد من الأحزاب السياسية من تنسيقية القوى التقدمية (الرباعي) ومن المنتدى الديمقراطي والحزب الجمهوري وعدد من الجمعيات الحقوقية والنسوية تتقدمها الرابطة التونسية للدفاع عن الانسان في لقاء تشاوري في محاولة لصياغة موقف موحد مما يجري اليوم في تونس. وهذه هي ثاني مرة يجتمع مثل هذا العدد الهام من القوى الديمقراطية (مع غياب البعض لأسباب قاهرة) بعد ذلك الاجتماع العظيم الذي ضمّ حوالي ستين طرفا من أحزاب وجمعيات مساء يوم 25 جويلية 2013 بمقر حزب العمال أيضا إثر اغتيال الشهيد محمد البراهمي.
وتكمن أهمية هذا الاجتماع، علاوة على عدد الحاضرين، في التقدم الحاصل باتجاه تجاوز حالة النفور التي كانت تميّز علاقة بعض مكونات المجتمع المدني بالأحزاب السياسية. وهي علامة إيجابية تعكس بداية التطور في وعي المجتمع المدني الناشط في مجال الدفاع عن الحقوق والمساواة ومراجعة قائمة الاحترازات القديمة لصالح تحسين شروط التعبئة لأداء مهمة الدفاع عنها على أحسن وجه.
وما من شك أن قيس سعيد قد لعب دورا (من حيث لم يقصد طبعا) في دفع القوى الديمقراطية والتقدمية السياسية والمدنية إلى قطع خطوات ملموسة في مضمار التقارب حول نقطة وسط هي الدفاع عن الحريات العامة والفردية والمساواة والذّود عن الحقوق الأساسية. هذا الحدّ الأدنى المشترك الذي فرض على الجميع، في ضوء تطورات اليوم، التّسامي على عوامل الفرقة والتّباعد التي كانت سائدة في المدة الفائتة.
ولئن كان الاختلاف في وجهات النظر أمرا أكثر من طبيعي فإن طرق إدارة الخلافات الخاطئة هي التي لعبت دورا في إضعاف الحركة الديمقراطية ومنح قوى الثورة المضادة واليمين المعادي للحرية الفرصة كي ينجح في السطو على مكتسبات الثورة وثمرة نضال القوى الديمقراطية والتقدمية وعموم الشعب.
ويمكن أن يمثل اجتماع يوم الأربعاء أول خطوة في اتجاه التجاوز والشروع في بناء مسار جديد، قد يأخذ وقتا طويلا، لتوحيد هذه القوى وغيرها حول حدّ أدنى ديمقراطي تقدمي. لكن ما يبعث على الأمل في نجاح هذا المسار الجديد – الذي ما يزال في مراحله الأولى – هو الاستعداد الذي عبّر عنه الجميع في “التعايش” مع الاختلاف الذي يشق المكونات الحاضرة بين أنصار موقف “مقاطعة” الانتخابات الرئاسية وموقف أنصار “المشاركة”. والقبول بهذا “التعايش” إن صحّ التعبير ففي سبيل تسهيل مواصلة العمل حول الحد الأدنى أي الدفاع المشترك عن الحقوق والحريات والمساواة والنضال الموحد في مواجهة الانتهاكات كمرحلة على درب بناء “حركة مقاومة” للاستبداد.
لقد برز اتفاق واسع حول تشخيص سمات الوضع وهو في حدّ ذاته عامل مهم من عوامل بناء مشروع “شبكة القوى الديمقراطية للدفاع عن الحقوق والحريات” التسمية الأوّلية التي يمكن أن يتواصل بشأنها النقاش ولكنها تبدو للوهلة الأولى محلّ استحسان من الجميع. وشأنها شأن بعض التفاصيل الأخرى (البيان الذي سيصدر قريبا وربما الميثاق الداخلي وهيئة التنسيق ودورية الاجتماعات وغيرها من النقاط) التي سيتواصل الحديث فيها في المواعيد القادمة، فإن ما يلفت الانتباه في هذه المبادرة هو أيضا وبوجه خاص العزم على القيام بتحركات ميدانية قريبا في مستهلّ السنة السياسية التي هي على الأبواب.