الرئيسية / صوت الوطن / الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هيئة التنبيهات ومناهضة الصحفيين وحرية التعبير
الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هيئة التنبيهات ومناهضة الصحفيين وحرية التعبير

الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هيئة التنبيهات ومناهضة الصحفيين وحرية التعبير

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية تشهد بلادنا مزيدا من التضييقات والترهيب ضدّ حرية الصحافة والتعبير حتى أصبحت الأخبار التي تنشر حول انتهاكات أو اعتداءات ضدّ الصحفيين شبه يومية، فبعد تركيع المؤسسات الإعلامية العمومية والتعيينات التي طالتها من أجل حجب كلّ نفس معارض لمنظومة قيس سعيد، تعيش المؤسسات الإعلامية الخاصة وعموم الصحفيات والصحفيين هرسلة متزايدة سواء عبر الإحالات للقضاء عبر المرسوم 54 سيّء الذكر أو عبر الرقابة الشديدة على المضامين الإعلامية والتنبيهات التي أصبحت تصدرها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بحقّ برامج إذاعية أو صحفيين، حتّى وصفها نقيب الصحفيين بأنّها هيئة “سجن الصحفيين”.

نقيب الصحفيين: نعيش مسلسل عبث متواصل

خلال الوقفة الاحتجاجية التي نظّمتها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين يوم 22 أوت 2024 أمام مقرّ المحكمة الابتدائية بالعاصمة تضامنا مع رئيس تحرير موقع “الكتيبة” وليد الماجري الذي تفاجئ بصدور حكم قضائي ضدّه يقضي بسجنه، قال زياد دبّار نقيب الصحفيين التونسيين، بأنّ القطاع يعيش منذ مدّة سلسلة متواصلة من حلقات العبث سواء كان قضائيا أو سياسيا أو مؤسساتيا، وأنّ السلطة السياسية لا تعترف بحقّ الآخر في الاختلاف بل ترفع شعارات وفي الواقع تطبّق قوانين زجرية وممارسات عبثية، منها الأحكام السجنية ضدّ صحفيين وإعلاميين (مراد الزغيدي، برهان بسيس، شذى الحاج مبارك، محمد بوغلاب، سنية الدهماني) بل هناك مواطنين تمّ سجنهم بسبب نشرهم لانتقادات للسلطة والقائمين عليها.
وقد حذّر دبّار السلطة الحالية بأنّها قد يخيّل لها أنه وعبر مواصلة سياستها الترهيبية بحقّ القطاع قد تحقّق نجاحات والحال أنّ هناك صحفيين متمسّكون بالدفاع عن حرية التعبير والصحافة رغم جميع التضييقات والهرسلة والتهديدات. معلنا بالمناسبة أنّ النقابة ستتخذ خطوات تصعيدية لاحقا بما فيها الإضراب العام في القطاع والتقاضي الدولي بحقّ أيّ مسؤول يمارس انتهاكات ضدّ الصحفيين.

مضامين إعلامية وتصريحات ومواقف الصحفيين تحت سيف هيئة الانتخابات

لقد عمدت منظومة الانقلاب إلى حجب صلاحيات الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري “الهايكا” مقابل فسح المجال علنا إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وبسط نفوذها على المؤسسات الإعلامية والمضامين الإعلامية، بل لم تتردّد في الإعلان أنها مخوّلة بالرقابة واتخاذ الإجراءات الضرورية ضدّ كل المشككين فيما أسمته “نزاهة العملية الانتخابية”، فمنذ قرار هيئة الانتخابات الصادر بتاريخ 17 جويلية 2024 عمدت إلى منح نفسها الولاية الكاملة على المؤسّسات الإعلامية خلال الفترة الانتخابية، وعبر هذا القرار لم تتردّد في توجيه التنبيهات إلى المؤسسات الإعلامية والبرامج الإذاعية خاصة والصحفيين المستقلين وذلك بسبب ما اعتبرته الهيئة تشكيكا وانتقادات موجّهة لها حول إشرافها على هذه الانتخابات المزعومة أو لكيفية تسييرها لهذا المسار. بل وفي خطوة مسبوقة عمدت إلى سحب اعتماد رئيسة تحرير موقع “توميديا” ورفضت منح الاعتماد لمنظمة “أنا يقظ”، وهو ما لم يشهده المشهد الإعلامي في الانتخابات الفارطة قبل الانقلاب.
وقد طالت التنبيهات الصادرة عن هذه الهيئة كلّ من إذاعة “موزاييك أف أم” (تنبيهين إثنين)، وإذاعة “الديوان أف أم”، وإذاعة “اكسبراس أف أم” (تنبيهين إثنين)، وإذاعة “جوهرة أف أم”، وإذاعة “son fm” ومنظمة “أنا يقظ”. فيما عمد الرئيس المدير العام لوكالة تونس إفريقيا للأنباء إلى صنصرة مقال صحفي وسحبه من الموقع (مقال يتعلّق بترشّح أحد الوزراء السابقين للانتخابات الرئاسية)، في حين قام المكلّف بتسيير إذاعة تطاوين العمومية بدوره بصنصرة وسحب مقال حول اعتزام أحد الوزراء السابقين الترشّح للانتخابات الرئاسية، كما شهدت جريدة الصباح اليومية صنصرة مقالين صحفيين يتعلّقان بكلّ من عصام الشابي (التراجع عن الترشح) ونور الدين البحيري (خبر بخصوص إيقافه).
هذه الخروقات التي مارستها هيئة الانتخابات بحقّ الصحفيين والمؤسسات الإعلامية وافتقارها إلى الكفاءة وأدوات تقييم المضامين الإعلامية دفعت بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين إلى إدانة ورفض قرار سحب اعتماد رئيسة تحرير موقع “توميديا”، واعتبرت النقابة أنّ الهيئة غير مختصّة في مجال تقييم التغطية الإعلامية على أسس أخلاقيات المهنة وأنّ كلّ قرارتها في هذا الخصوص منزوعة المشروعية. وقد دعت النقابة منظوريها إلى المشاركة في الوقفة الاحتجاجية المزمع تنفيذها يوم 27 أوت 2024 أمام المقرّ المركزي للهيئة، معلنة في ذات السياق أنّها قرّرت الالتجاء إلى القضاء بغاية استئناف قرارها المتعلٌّق بسحب الاعتماد.

ممثلو هياكل المهنة يدقّون ناقوس الخطر

خلال اجتماع عقده ممثّلو هياكل المهنة الصحفية ورؤساء المؤسسات الإعلامية وخبراء بتاريخ 13 أوت 2024، خصّص لمناقشة آليات التعديل الذاتي لتغطية الانتخابات الرئاسية، تمّ الإجماع بأنّ المشهد الإعلامي والسياسي في تونس تسوده ضغوطات وتضييقات على حرية التعبير وضرب لحقّ النفاذ إلى المعلومة، مؤكّدين بأنّ هذه الانتخابات تدور في سياق غير متّزن نظرا لغياب الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري إلى جانب مناخ يسوده الترهيب وإصدار الأحكام السالبة للحرية في حقّ الصحفيين والإعلاميين والمدوّنين.
بل اعتبرت الهياكل المعنية أنه وأمام الولاية العامة التي أسندتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لنفسها على المشهد الإعلامي إلى جانب انخراطها الفاضح في إسداء التعليمات وممارسة الضغوطات المباشرة على رؤساء التحرير وذلك في تناقض صارخ مع أهدافها والقوانين الجاري بها العمل لتنظيم المشهد الإعلامي وتغييب الهايكا. وللتصدّي للتهديدات التي من الممكن أن يواجهها الصحفيون دعتهم إلى التقيد بجملة من الإجراءات بغاية القيام بدورهم الأساسي في توفير المعلومة للمواطنين وأن لا تكون مؤسسات الإعلام العمومي بوقا للدعاية السياسية التي تضرّ بمصداقية الانتخابات.

إلى الأعلى
×