حاوره علي الجلولي
حوارنا هذه المرة في إطار متابعتنا لتطورات الوضع الفلسطيني سيكون مختلفا، أولا لأن المتحدث هو من تحت أنقاض غزة ومن قلب ملحمة الصمود والكبرياء التي تصنع التاريخ الحقيقي، تاريخ المواجهة اليومية مع آلة الدمار والإبادة، وثانيا لأن أسئلتنا لضيفنا اتجهت نحو ملامسة الوجه الآخر للصراع والمعركة، أي الوجه الإنساني في تفاصيله اليومية بين قصف القنابل ورائحة الموت والنزوح المستمر والعطش والجوع والمرض.
ضيفنا من قلب غزة الرفيق العزيز محمد الغول، مناضل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، محمد الذي أتابع أخباره وأتلصص عليها، فكلما غاب لفترة أعزّي نفسي باستشهاده، وكلما لمحت مروره الخاطف على الشبكة، ازددت قناعة أن شعب فلسطين هو شعب استثنائي بكل المقاييس.
الرفيق محمد، كيف قضيتم 10 أشهر تحت القصف اليومي للعدو الصهيوني؟
لم تكن حرب الإبادة التي تشنها دولة الكيان الصهيوني على شعبنا الفلسطيني البطل في كل فلسطين لا سيما ما يتعرض له أهلنا في قطاع غزة مجرد قصف بالطائرات أو عدد من الأشهر او الزمن، فهذا الكيان المسخ مارس أبشع صنوف الإرهاب المنظم ضد الأطفال والشيوخ والنساء وكل ما هو فلسطيني فكانت حياتنا على مدار أكثر من 300 يوم وأكثر من 7680 ساعة و أكثر من 460800 دقيقة، كانت حياتنا حياة الفلسطيني المؤمن بحقه المتمسك بأرضه رغم آلة القتل والدمار والإرهاب الصهيوأميركي، فرغم حجم الألم والدمار والفقد تلو الفقد والنزوح المستمر من مكان إلى آخر بسبب القصف المستمر والمتواصل على شعبنا في كل مكان من مساحة قطاع غزة والتي تشكل ما نسبته 1.3% من مساحة فلسطين التاريخية، كانت حياتنا كما كل أبناء شعبنا الذي يواجه مصيره بكل شجاعة وبسالة وإصرار على البقاء على الأرض الفلسطينية ومواجهة سياسة كي الوعي والتهجير التي حاول العدو الدفع بها عبر ارتكابه المزيد من المذابح والمجازر الجماعية، كانت حياتنا جنباً إلى جنب مع كل المخلصين الغيورين على مصالح شعبنا، نصل الليل بالنهار وفق إمكاناتنا المتواضعة لنعزز من صمود أبناء شعبنا، وننقل رسالته للعالم وفق الظروف والإمكانات المتاحة، عشنا حياة النزوح والتشرد الداخلي من مكان لآخر مع أبناء شعبنا، نصنع حياتنا ونواجه الصعاب ونرسم البسمة على شفاه الأطفال رغم الألم، نصنع خبز الصمود بأيدينا للأطفال عبر تشكيل فرق تعاونية في مخيمات النزوح، نواجه سياسة التدمير الممنهج للمؤسسات التعليمية عبر برنامج التعليم الشعبي وتعزيز ذلك في أوساط النازحين ننجح في محطة ونحاول في أخرى.
رفيقي، أنا أعرف إن عدد كبيرا من أفراد عائلتكم المضيقة والموسعة استشهدوا. كيف تعيشون تمزق الألم والصمود؟
يقول الأديب الشهيد غسان كنفاني “لنزرعهم شهداءنا في رحم هذا التراب المثخن بالنزيف فما زال هناك متسعٌ لشهيدٍ أخر” ربما كانت هذه أولى تغريداتي على صفحة الفيسبوك الخاصة بي في بداية الحرب لأنني مدرك تماماً أنني لن أتمكن من مجاراة الواقع والأحداث ولن أستطيع أن أنعي كافة الشهداء خاصة الذين من هم من عائلتي أو رفاقي وأصدقائي وكل الشهداء يخصوني ضمن عقيدتنا الوطنية فقد فقدنا أكثر من 40000 شهيد من بينهم قرابة 120 شهيد من عائلتي وعشرات الشهداء من الأصدقاء والأحبة والرفاق وفي كل لحظة كنا نتوقع أن نكون من بينهم لذلك كان من الواجب علينا رغم الألم والجرح النازف أن نبقى أقوياء نؤازر بعضنا البعض ونخفي المشاعر الإنسانية الداخلية ونقوى عليها لنتمكن من الصمود والاستمرار والبقاء لأننا ندرك أن هذه معركة من معارك النضال والكفاح الفلسطيني المرتبط بوجودنا على أرضنا الفلسطينية وأن المعركة معركة وجود وبقاء ووعي وهذا يتطلب مزيداً من الصمود وقوة الإيمان بالفكرة التي يسعى العدو لشطبها وتدميرها وتصفيتها.
الوجه الآخر لحرب الإبادة الوحشية هو التجويع والتعطيش وإنتشار الأوبئة. كيف تتحدون كل هذا؟
نعم هذا صحيح العدو استخدم سياسة التجويع والتعطيش وانتشار الأوبئة كسلاح حرب يفتك بالمواطنيين في قطاع غزة وهذه حقيقة الكيان الصهيوني، وأمام تخلي بعض المؤسسات الدولية عن القيام بدورها تحديداً في مدينة غزة وشمالها، واجهنا ذلك عبر التعاونيات الصغيرة فقد تم تشكيل تعاونيات الخبز والتكيات ومياه الشرب المتنقلة حيث انتشرت الفرق التعاونية بين مخيمات النزوح والتشرد عبر لجان عمل تطوعي ساهمت في الحد من هذه السياسة الإجرامية، لكنها لم تلبي حاجات الناس بشكل كامل، أما قضية انتشار الأوبئة فهذه مسألة خطيرة نسعى للتغلب عليها بنشر الوعي والنظافة الشخصية لأن الأمر مرتبط بطبيعة وجغرافية القطاع المحاصر فالنفايات وغيرها تتطلب جهود كبيرة لإزالتها وبسبب إستمرار العدوان ستبقى هذه المسألة قائمة وهذا مهدد خطير لحياة الناس.
رغم حجم الدمار الحاصل في القطاع، حافظ الإنسان الفلسطيني على مميزاته في المكابرة والصمود، وأيضاً روح النكتة والفرح. ماذا تعلقون؟
لا خيار أمام شعبنا الفلسطيني إلا الصمود والمواجهة، وهذا مصير شعبنا فما دام الاحتلال موجود على الأرض الفلسطينية فهذا سيكون حال شعبنا آلام ودمار وصمود وفرح من أجل البقاء فمن وسط الألم يصنع الفلسطيني الأمل ليبقى ويصمد ويقاوم هذا العدو.
الشعب الفلسطيني بصدد نسج سردية راقية جداً في البطولة والتحدي، كيف يتحدث الناس البسطاء عن ذلك؟
أكثر من 76 عام وشعبنا الفلسطيني مشرد ومهجر ويعاني ويتحدى غطرسة هذا العدو، وما زال يحلم بالعودة لفلسطين كل فلسطين رغم كل ما يمر به في هذه الفترة العصيبة جدا، الناس البسيطة ما زالت تقول بشكل واضح سنعيش فوق الركام على منازلنا ونعيد بناءها من جديد ريثما تتوفر الظروف، وفي إشارة واضحة لتحدي هذه الحرب نجد أن الناس البسطاء لحظة خروج قوات الاحتلال من منطقة سكناهم يذهبون ويعودون لمنازلهم وينصبون الخيام فوق الركام، فهذا المشهد يستفز الاحتلال ويعود من جديد ليهجر سكان المنطقة ليبقي حالة الاستنزاف لدى المواطن الفلسطيني وهنا ليس فقط في قطاع غزة بل في كل فلسطين هذا المشهد يتكرر لا سيما في النقب وقرية العراقيب مثالاً لذلك.
إضافة إلى العمل المسلح الذي تتولاه الفصائل منفردة وبصفة مشتركة، كيف تقوم فصائل العمل الوطني بمهماتها في تأطير الشعب والحفاظ على وحدته وسلامة صفوفه من أي اختراق؟
حاول العدو ومازال زعزعة الثقة بين الشعب والفصائل عبر رواياته الزائفة والتحريض الدائم والمستمر على فصائل المقاومة، لكن وعي شعبنا وإدراكه لحجم المخاطر التي تحاك ضد قضيتنا الوطنية، فرغم حالة الانقسام الفلسطيني إلا أن كل المكونات الفلسطينية تؤكد على أهمية مقاومة الاحتلال ومواجهة حرب الإبادة الجماعية بشكل موحد فاللقاءات الفلسطينية جميعها سواء كانت داخل فلسطين المحتلة أو خارجها تؤكد على أهمية التلاحم والتأطير والوحدة لمواجهة التهديدات الصهيونية المتمثلة بالمحاولات العديدة للعدو لشطب وتصفية القضية الفلسطينية.
ماذا يقول الرفيق محمد من تحت الركام إلى الشارع العربي والأممي؟
من وسط الركام والقصف المتواصل على شعبنا الفلسطيني البطل نخاطبكم باسم كل قطرة دم نزفت على ثرى فلسطين ومن أجلها أن تغادروا سياسة العمل الموسمي وأن تغادروا سياسة رد الفعل الذي يأتي مع حدث هنا أو هناك، قضية فلسطين تتطلب برامج عمل وأنشطة دائمة ومستمرة وهذه الدماء تتطلب أن تثوروا في الميادين والساحات والشوارع وأن توقفوا هذه المجازر بالضغط على حكوماتكم وأن تحدثوا صدمة لها بأنشتطكم! وهذا الدور يقع بالدرجة الأولى على الطليعة، طلبة الجامعات والنقابات والأحزاب لتحرك الشارع لنوقف شلال الدم النازف وننتصر لفلسطين.