مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، تزايدت المخاوف من تردّي المناخ العام لحرية التعبير والصحافة والاستهداف والضغوط الذي طال الصحفيين سواء من جانب هيئة الانتخابات التي نصّبت نفسها رقيبا وحيدا على المضامين الصحفية وسيفا على الانتقادات الموجّهة لها أو عبر القوانين الزجرية التي أدّت إلى سجن 5 صحفيين وإعلاميين في سابقة هي الأولى لتونس منذ خروج المستعمر.
في هذا الصدد، أجرت “صوت الشعب” حوارا مع نقيب الصحفيين التونسيين زياد دبّار.
نفّذت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين مؤخّرا وقفة احتجاجية أمام مقرّ الهيئة العليا المستقّلة للانتخابات، ماذا بعد هذه الوقفة؟
إنّ قرار تنفيذ وقفة احتجاجية أمام مقرّ هيئة الانتخابات كان نتيجة عديد التراكمات رغم أنّ النقابة حاولت أن تكون إيجابية مع الهيئة بالمعنى المهني. ونحن نرفض بشكل بات وقاطع التمشّي الذي اعتمدته الهيئة. فالأخيرة قامت بالسطو على مجال تغطية الانتخابات بتعلّة عدم وجود هيئة تعديلية للقطاع الصحفي وهي تفكّر كهيئة قضائية وليس هيئة للانتخابات. كما إنّ الإشكال الذي يطرح نفسه من ناحية الشكل أساسا باعتبار أنّ الانتخابات الرئاسية ستكون أوّل انتخابات دون هيئة تعديلية، واليوم أدرك المجتمع الصحفي أهميّة “الهايكا” والتي بغيابها أصبح باب السجن مفتوحا للصحفيين وأي خطأ مهني أصبح موجبا للتتبّع القضائي من طرف هيئة الانتخابات التي تريدهم أن يتحوّلوا إلى كتبة عموميين وليس صحفيين، وما يحصل فعلا خطير ونسف لمجهودات الهياكل المهنية منذ سنوات من أجل احترام أخلاقيات المهنة.
تناول تقرير شهر جويلية الفارط لوحدة رصد الانتهاكات ضدّ الصحفيين بالنقابة حالات تنبيهات موجّهة إلى مؤسسات إعلامية من قبل هيئة الانتخابات، كيف تعلّقون؟
لا يمكن فصل ما تقوم به هيئة الانتخابات في القطاع الإعلامي بمعزل عن الوضع السياسي، فنحن اليوم نستعد لتغطية انتخابات رئاسية دون هيئة تعديلية ومع سجن 5 صحفيين، وتواصل التهديدات عبر توجيه تنبيهات للمؤسسات الإعلامية بسبب المضامين الإعلامية التي يقدّمونها، رغم أنّ هذه الهيئة لا تملك الكفاءة المهنية لتقييم الأعمال والأجناس الصحفية بل أصبح كلّ عمل صحفي لا يعجب هذه الهيئة وفيه نقد لها أو للسلطة السياسية مجالا للتتبع وتوجيه التنبيهات.
وهنا أذكّر بانّ النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين قد اقترحت على هيئة الانتخابات خلال اللقاء الذي عقد شهر ديسمبر الفارط، بان تعمل على التوجّه نحول الهيكل المهني في حال وجدت (الهيئة) عملا صحفيا لم يحترم أخلاقيات المهنة عوض التوجّه نحو القضاء والهدف من المقترح هو تفعيل آليات التعديل الذاتي ولكن وبكلّ أسف لم تقبل الهيئة هذا المقترح لأنّها لا تعترف بالرأي المخالف، وفعلا ما يحدث للقطاع جديد من خلال الهرسلة والضغوطات.
هل أنّ القطاع الصحفي اليوم يتعرّض لهرسلة متزايدة؟
فعلا إنّ ما يحدث صلب القطاع هو هرسلة وضغوطات على الصحفيين والصحفيات بشكل مستمرّ. وعلينا أن ندرك أنّ المؤسسات الإعلامية اليوم تعيش ضغطا كبيرا، فهناك صحفيين ومعلّقين تمّ سجنهم إضافة إلى الضغط الذي تمارسه هيئة الانتخابات، حتّى أصبح الضغط مسلّط مرّتين. وبالنظر إلى الإعلام العمومي فهو في حالة موت سريري رغم وجود نفس مقاوم لكن هناك تعسّف من قبل المديرين القائمين على المؤسسات العمومية في تطبيق القوانين حتى أنّنا عاينا حالات صنصرة والتهديد بالطرد.
هل تعتبرون أنّ المناخ العام لحرية التعبير والصحافة قبيل الانتخابات الرئاسية هو مناخ سليم؟
من بين شروط الانتخابات هو مبدأ الحريّة: حرية الترشّح، حرية الانتخاب وحرّية تغطية الانتخابات. واليوم نحن نعيش تضييقات على المترشّحين من قبل هيئة الانتخابات، ونوع من التضييقات على الناخبين سواء عبر المرسوم 54 أو انتشار الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعية (المموّلة)، وأخطرهم الضغط الممارس على القطاع الصحفي. فتونس تكاد تكون الدولة الوحيدة التي لا تطبّق المرسوم الخاص بالمهنة (المرسوم 115) بل تعمد إلى الإحالات عبر قوانين زجرية منذ زمن بن علي وقانون الإرهاب والمرسوم 54. وبالتالي فمن حيث التشريعات فالواقع اليوم مقلق جدّا ومن حيث الممارسة فالواقع أخطر، فلأوّل مرّة منذ الاستقلال نجد 5 عاملين في القطاع الصحفي داخل السجن بسبب آرائهم.
أيّ مناخ للصحفي اليوم إذن في ممارسة مهامه ودوره؟
إنّ المناخ اليوم هو مناخ تخويف وسيّئ جدّا سواء عبر الممارسة أو التشريعات وكلّ عمل صحفي أصبح موجبا للسجن. فالتقرير الأخير الذي أصدرته النقابة بمناسبة 3 ماي، رفعنا عبر شعار مفاده أنّه لا صحافة حرّة في ظلّ التفقير والتخويف. إنّ ما يحدث هو تفقير متواصل للقطاع منذ الثورة، بل أصبحنا نرفع اليوم نفس الشعارات التي رفعناها في العشرية السوداء، والمفارقة أنّ ما كانوا يحكمون وهم اليوم معارضون لمسار 25 جويلية يرفعون نفس الشعارات.
أمام ما ذكرت، هل ستدعو النقابة إلى مقاطعة تغطية الانتخابات الرئاسية؟
لدى النقابة اليوم قناعة بأنّ ما يحدث هو محاولة لدفعها لاتخاذ قرار مقاطعة تغطية الانتخابات، ونحن مقتنعون بأنّ دور الصحفي هو عدم المقاطعة في فترة حسّاسة جدا من أجل إيصال الحقيقة كما هي. نحن اليوم أمام تحدّي كبير، بين ممارسة الواجب النضالي والواجب المهني، ولذلك قامت النقابة بإعداد وثيقة توجيهية تحمل عناوين كبرى ونموذج مفصّل لتغطية الانتخابات الرئاسية، ومن هنا أدعو جميع الصحفيات والصحفيين إلى التشبّث بأخلاقيات المهنة والقيام بتغطية معمّقة للانتخابات من أجل إيصال الحقيقة كما هي.
في ظلّ فترة حساسة تعيشها البلاد، هل تعتبرون أداء الإعلام العمومي مهني وسليم؟
إنّ وضع الإعلام العمومي اليوم غير سليم وسيّئ جدا أمام غياب برامج الإصلاح ووضع اليد عليه وهرسلة الصحفيين وفتح باب مجالس التأديب على غرار ما يحدث في مؤسّسة الإذاعة التونسية مقابل نفس المقاومة القوي الذي يمارسه الصحفيون من داخلها. ومن يتحمّل المسؤولية بدرجة أولى هي السلطة السياسية ومنظومة الحكم الحالية التي رفعت شعار الإصلاح والحرية والتعدّدية التي استفاد منها رئيس الجمهورية في انتخابات سنة 2019 ويرفضها اليوم مع معارضيه. لقد كانت لدينا فرصة للقيام بسياسة عمومية للإعلام، لكن ما حدث هو القيام بتعيينات على رأس المؤسسات العمومية وفقا لقاعدة الولاء لا غير. وقد لاحظنا ممارسة الصنصرة وقابلية طوعية من بعض القائمين على مؤسسات الإعلام العمومي لخدمة السلطة الحاكمة وما يحدث نرفضه مقابل دعمنا لنفس المقاومة داخل هاته المؤسّسات.
وبعيدا عن التّسميات على رأس مؤسسات الإعلام العمومي، لا يمكن الحديث عن إعلام عمومي دون وجود سياسة إعلامية عمومية من الدولة. الدولة اليوم لا تحبّ الإعلام، فرئيس الجمهورية يرفض إجراء حوارات صحفية مع الإعلام الوطني مقابل القيام بذلك مع الإعلام الأجنبي، وهنا السؤال المطروح: هل سيقبل رئيس الجمهورية بالمناظرة التلفزية المزمع عقدها قبيل الانتخابات الرئاسية أم لا؟
وهنا لا بدّ من التذكير بالخطاب الرسمي للدولة الذي يتبنّى الحريّات ويقوم بالعكس. كما نذكّر بأنّه وطيلة العشرة سنوات السابقة فقد تمّ استنزاف القطاع، وكانت المعركة الأساسية هو الهروب من ديكتاتورية دينية (الإرهاب، الاغتيالات السياسية، المال السياسي الفاسد الذي ضرب القطاع واللوبيات التي سيطرت على البعض منه)، وكما رفضنا ما ذكرته فسنرفض أيضا الموت السريري لوسائل الإعلام.
خلال الوقفة الأخيرة للنقابة، تمّ الإعلان عن اتخاذ خطوات تصعيدية مستقبلا والالتجاء إلى التقاضي الدولي. كيف ذلك؟
إنّ التقاضي هو أسمى درجات السلوك المدني في إطار الدولة. لكن ما نلاحظه اليوم أنّ القضاء التونسي له توجّه وحيد وهو توجه السلطة الحاكمة. فكلمّا تقدّم الصحفي بقضية لا يتمّ النظر فيها مقابل التسريع بفتح القضايا ضدّ الصحفيين. لقد أًصبح لدينا إشكال ثقة في القضاء اليوم، ومن حقّنا اليوم كنقابة لها تاريخها النضالي التوجّه إلى القضاء التونسي والدولي ضدّ كلّ مسؤول تورّط في تقديم شكاية بصحفي على خلفية أعماله الصحفي وسنقوم بجميع التتّبعات ضدّه، أمّا بخصوص الخطوات التصعيدية فجميع السيناريوات مطروحة بما فيها الإضراب العام.
هناك من يتّهم النقابة اليوم بتسبّبها في القطيعة مع منظومة الحكم الحالية بسبب المواقف التي تعلن عنها عبر بياناتها، هل فعلا توجد قطيعة فيما يتعلّق بالملّفات التي تهمّ القطاع الصحفي؟
فعلا، الواضح أنّ رئاسة الجمهورية لا تعترف بما يسمّى الأجسام الوسيط، وهي لم تقم بأيّ إجراء إلى اليوم لفائدة القطاع. في المقابل فإنّ النقابة غير راضية على المشهد الصحفي القائم في بعض الأحيان على ثقافة “البوز” وما يطلبه الجمهور، بل نريد صحافة جادة ومؤسسات إعلامية تحترم أخلاقيات المهنية.
في المقابل هناك بعض الملّفات التقنية التي تمّ التفاوض بشأنها مع بعض الوزارات، لكن لا يوجد أيّ اتصال أو تواصل مع رئاسة الجمهورية، ولم تجد النقابة أذان صاغية لطلبات اللّقاء التي توّجهت بها إلى رئاسة الجمهورية قصد الحديث عن التهديدات التي تطال الحريات والخطر القائم ضدّ المؤسسات وسجن الصحفيين.
الكلمة الأخيرة؟
أتوجّه للسلطة السياسية الحاكمة اليوم بالقول “لو دامت لغيرك لما آلت إليك”. وإلى عموم الصحفيات والصحفيين أدعوهم إلى مزيد التضامن فيما بينهم، فما شهده القطاع بعد الثورة دليل بأنّ النضال وافتكاك الحقوق عبر التضامن ووحدة الجسم الصحفي هو الحلّ الوحيد دفاعا عن مؤسسات إعلامية جادة ومهنية.