تتالت في الأيام الأخيرة الأحداث والمؤشرات التي تتّفق في كون الحاكم بأمره حوّل البلاد فعلا إلى ضيعة خاصة يتصرّف فيها كما يريد ويشاء ضاربا بأبسط مقوّمات الوجود المدني عرض الحائط. فبعد حملة انتخابية متواصلة منذ الانقلاب، وبعد تحديد موعد “الانتخابات الرئاسية” التي تحكّم في مسارها ومقتضياتها، أجْهز على شرط تعدّد الترشحات التي أزعجته فلم يقبل إلا ترشّحين يتيمين، فيما اتّجه البعض إلى التظلّم أمام القضاء الإداري الذي أعاد ثلاثة مترشّحين إلى السباق، وكان أن رفضت هيئة بوعسكر هذا القرار وثبّتت الترشّحات المقبولة من طرفها في البداية.
ولم يقف العبث عند هذه الحدود التي أثارت استياء عديد الأوساط، ومنها أساتذة القانون الدستوري فضلا عن أغلب القوى السياسيّة والمدنية والحقوقية والنقابية، بل تعدّاه، أي العبث، إلى إيقاف المرشّح عياشي الزمّال بعد تلفيق 25 قضيّة تتعلق بالتزكيات، فيما تروج أنباء عن تلفيق تهم إلى المترشّح زهير المغزاوي على خلفية تصريحات إعلامية، الخ…
إن ما حدث ومازال يحدث يؤكّد صواب تحليلنا وموقفنا الذي حوصلناه في شعار مكثّف: “اللّي فكّها بالانقلاب ما يسلّمهاش بالانتخاب”. إنّ الحاكم بأمره لا يريد إلاّ تزكية ومبايعة وهو الذي قال منذ أكثر من عام: “إن مسألة الانتخابات… مسألة بقاء أو فناء”، لذلك فهو يقوم بكلّ شيء من أجل ضمان هذا البقاء؛ يستعمل مقدّرات الدولة ومؤسساتها وأجهزتها للدعاية والتحريض ضدّ خصومه والزّجّ بهم في السجن، وتلعب هيئة بوعسكر دور الأداة والعصا التي تنفّذ أوامر قصر قرطاج بتفانٍ أعمى.
إن هذه الانتخابات المهزلة أعادت بلادنا إلى مربّع الاستبداد والتّزوير والتّدليس وتسخير أجهزة الدولة، وعلى رأسها الأمن والقضاء، للتحكم والنّفوذ والهيمنة، في الوقت الذي تتولّى فيه هيئة بوعسكر الرّقابة على الإعلام فترفض منح الاعتماد للصّحفيين لتغطية مجربات المهزلة، وفي نفس الوقت لم تتوان أجهزة الرقابة عن منع مجلة “جون أفريك” من دخول أكشاك تونس، لتناوُلها موضوع الرئاسية في تونس، وتتواصل في نفس الوقت دعوة الإعلاميين للاستنطاق، بينما عادت التلفزة الرسمية إلى نسختها النوفمبرية بالبدء باستعراض “النشاط الرئاسي” وصرف النظر عن أيّ نشاط آخر بما فيه الذي يهمّ مسؤولي الدولة، وها هي البلاد قبل أسبوع من انطلاق “الحملة الانتخابية” المزعومة تعيش صمت القبور، فالمواطن مقهور من الغلاء والبطالة والعطش، وهيئة بوعسكر تعدّ العدّة والعتاد لتنظيم المهزلة كما يريدها السلطان.
إن الدكتاتورية هي اليوم أمر واقع، والأوضاع تتّجه إلى مزيد التدهور على كل الأصعدة، وعلى شعبنا وقِواه التقدّمية إيقاف هذا الوضع المهزلي، فالحرية هي أقصر الطرق لخلق شروط دفاع الشعب عن حقوقه ومطالبه، وغيابها يعسّر الوضع.
إنّ إعلان تأسيس “شبكة الدفاع عن الحقوق والحريات” هي خطوة هامة لتجميع قوى التقدم والنضال من أجل الديمقراطية ضدّ الدكتاتورية الجاثمة والمتربّصة والتي تريد العودة بكل الوسائل من قمع وتزويرٍ وانتهاك للإرادة الشعبية.
إن مصلحة شعبنا وبلادنا هي مع خياراتٍ جديدة وطنية شعبيّة تقطع مع التبعيّة والاستبداد والتفقير. إن الخطوة الأولى نحو ذلك تتمثّل اليوم في مقاطعة المهزلة ورفض نتائجها من أجل عزل سلطة الانقلاب على طريق المراكمة من أجل التخلّص منها.