بقلم علي الجلولي
صدر بالرائد الرسمي مرسوم بعث المجلس الأعلى للتربية، وهو على عكس ما صدر بدستور سيادته الذي نص على كون بعث المجلس سيتم بقانون، والواضح أن سبب ذلك لا يعود لشيء سوى لاحتكار رئيس الدولة بإبداء الرأي في هذا المرسوم، ولو قدر لمرّره دون عرضه أصلا على مجلس الوزراء الذي ترأسه للمصادقة على المرسوم كنقطة من نقاط جدول الأعمال. هذا يعكس حقيقة تعاطي الشعبوية مع ملف من أخطر ملفات الدولة والمجتمع. فعوض تنظيم نقاش عام بين الفاعلين التربويين والقوى المدنية والسياسية والاجتماعية، خيّرت السلطة تمرير بعث المجلس في صمت ودون مشاركة لأيّ طرف. لقد كررت السلطة أكثر من مرة القول بكونها اعتمدت مخارج “الاستشارة الوطنية حول التعليم “، لكن لا أحد يعرف هذه المخارج ولا محتواها، ولعل الجميع خاصة من الفاعلين التربويين يتذكرون جيدا الأجواء التي جرت فيها الاستشارة الإلكترونية والتي لجأ الوزير الأسبق البوغديري الى فرض مشاركة تلاميذ الابتدائي في الإجابة على أسئلتها التي لم يرى الوسط التربوي فيها أيّ جدية، بل هي أسئلة تقنية لا تتيح ملامسة حقيقة الوضع الكارثي للتعليم في بلادنا. لقد فرض البوغديري على مديري المدارس والمعاهد “جرّ” التلاميذ لمشاركة صورية لا هدف لها سوى تضخيم عدد المشاركين الذي ظل محدودا جدا.
معالجة قاصرة ولا هدف لها سوى “البروباغندا”
لقد ولد المجلس الأعلى للتربية ميتا، فلم يخلق ميلاده الحدث ولم يحز اهتمام الوسط التربوي، وحدها أوساط التزلف والزبونية تقدم الخدمات وتتقرب من دائرة القرار كي تحوز موقعا في الهيكل الوليد وما يحققه من منافع. في الوقت نفسه تعرف أوضاع التربية والتعليم درجة غير مسبوقة في السوء والتدهور على كل المستويات المادية منها والمعنوية. هذا وتعتبر اللامبالاة تجاه بعث المجلس مؤشرا ذي دلالة لفهم السياق والهواجس، وحتى مآل هذا المجلس الذي يذكرنا بلجان بن علي ومجالسه التي لا تحصى ولا تعد لكنها كلها صورية وغير ذات جدوى، وواضح أن مجلس قيس سعيد هو من نفس النوع والجنس ومآله لن يكون إلاّ نفس مآل المجالس السابقة.
إن أوضاع التربية والتعليم في بلادنا لا تستوجب بعث مجالس للزبونية وتزكية سياسات الفشل القائمة، بل تستحق سياسات جديدة وخيارات جذرية وإجراءات فعلية تهدم الخور القائم وتؤسس لوضع تربوي جديد لم تشر له النصوص الباعثة للمجلس الجديد، وهو ما سنعود إليه في مقال لاحق.