بقلم حسني حمّودي
يمثل شباب تونس قرابة نصف سكان البلاد التونسية، فئة كانت ومازلت وستظل الفئة الأكثر ديناميكية في كل مجالات الحياة بحكم تموقعها العمري، وهي الفئة الأكثر قدرة على تغيير أي موازنة كانت، مما جعلها الفئة الأكثر جاهزية لقبول كل المتغييرات التي تطرأ على المجتمع، كما أنها الأكثر جاهزية للتفكير بحرية بل والدفاع على تلك الأفكار، هي الفئة الأكثر قدرة على التغيير بحكم رغبتها الجامحة لذلك التغيير.
كل تلك المواصفات والصفات جعلتها الفئة الهدف لكل المشاريع، فليس من الغريب بل ذلك من المنطقي والطبيعي أن نجد الشباب هو المحرك الرئيسي لكل المنعرجات الكبرى بالبلاد، حيث كان اضطلع بالموقع الريادي في انتفاضة الخبز 1984 والتصدي لزيارة السفاح شارون 2005 وكان في طليعة انتفاضة الحوض المنجمي وأحداث الثورة، وما تلاها من تغييرات كبرى كأعتصامي القصبة 1 والقصبة 2 وإعتصام الرحيل، وكل مسار مواجهة الإخوان وعودة النظام القديم في تونس، كل ذلك لتحقيق ذلك التغيير الجذري والعميق بالبلاد وتحويلها إلى بلد يتحول فيها الحلم إلى حقيقة، إلى بلد يستطاب فيه العيش.
كما أن هذه الفئة كانت ومازالت الفئة الأكثر عرضة لكل تعبيرات الثورة المضادة، فكان الشباب الوجهة الأكبر للتنظيمات الدينية المتطرفة، كما كان الأكثر عرضة للجريمة المنظمة، والأكثر عرضة لبارونات ومافيات الهجرة الغير نظامية.
قال الدكتاتور بن علي شعار “الشباب هو الحل وليس المشكل”، وقالت حركة النهضة مخاطبة الشباب “انتم المستقبل” وقال قيس سعيد “إن الشباب في صدارة الأولويات…” ولا ننسى ما أكد عليه قيس سعيد لاستثارة الشباب في حملته الرئاسية 2019 بشعار “التطبيع خيانة عظمى” لمعرفته بموقع القضية الفلسطينية في وجدان الشباب التونسي.
كل تلك الوعود كانت شعارات فضفاضة لا فائدة منها تماما وأكبر دليل على ذلك هو ما سبق ذكره حيث أن الشباب التونسي كان في الصفوف الأولى في الثورة من أجل إسقاط نظام بن علي الذي بينت الوقائع المادية الملموسة أن لشعاره لم يكن إلا لمآرب إنتخابوية بحتة، كما أن الشباب كان في صدارة مقاومة المد الإخواني بجسارة لمدة سنوات طويلة، أما اليوم وبعد خمس سنوات من رئاسة قيس سعيد للدولة التونسية كل المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية تدل أن قيس سعيد هو أيضا لم يكن جادا في إيجاد حلول جذرية لمعضلات الشباب التونسي.
إن شباب تونس الذي يمثل النسبة الأكبر في تعداد سكانها هو المتضرر الأكبر من كل تلك الوعود الزائفة والكاذبة والفضفاضة لكل الذين مروا على تونس منذ عشرات السنين، فشباب تونس اليوم إما سجين أوموقوف أو متتبع قضائيا أو فار من واقع أليم أو يعد الأيام ليراكم يأسه.
اليوم ونحن على بعد أربعة أيام على الانتخابات الرئاسية 2024، لا بد من التدقيق جيدا في كل المعطيات المادية الملموسة، كما لا بد من فهم مآل تطور الأوضاع لفهم إن كان واقعنا اليومي هو واقع وقتي أو واقع دائم.
تعيش تونس اليوم أعلى درجات الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية، ففي تونس اليوم تتجاوز نسبة البطالة ال 16 بالمائة وفي تونس اليوم أكثر 400 ألف معطل عن العمل من أصحاب الشهادات العليا وفي تونس اليوم، حوالي 16 ألف شاب يقبع في المخافر أو في السجون وفي تونس اليوم أكثر من 10 آلاف شاب يغادر الحدود في هجرة غير نظامية سنويا، وفي تونس اليوم باب الوظيفة العمومية موصد بقرار من صندوق النقد الدولي لسنوات طويلة، وفي تونس اليوم يسحل الشباب في الشوارع وفي كل مكان ولا يحاكم من سحله، وفي تونس اليوم آلاف الدكاترة معطلون عن العمل، وفي تونس اليوم أكثر من 2500 خريج جامعي يغادر البلاد سنويا، وفي تونس اليوم أغلب دور الشباب ودور الثقافة لا تلعب دورها التثقيفي والتأطيري والترفيهي، وفي تونس اليوم يقع محاصرة المجتمع المدني بالتضييق على العمل الجمعياتي، وفي تونس اليوم أقل من 25 بالمائة من طلاب تونس يتمتعون بالسكن الجامعي و20 بالمائة من طلاب تونس فقط يتمتعون بالمنحة الجامعية، وفي تونس اليوم كل مسارات ابداع الشباب في كل المجالات مكبلة بالقوانين الادارية المقيتة، وفي تونس اليوم حين تغني فأنت قد فتحت جزءا من باب السجن، وحين تعبر عن غضبك بالكتابة على الجدران تفتح لنفسك السجن، وحين تروح عن نفسك كشاب بتدوينة على وسائل التواصل الإجتماعي تحاكم على معنى المرسوم 54 سيئ الذكر، وفي تونس اليوم حتى قانون المالية مصاغ لخدمة الأثرياء لا الكادحين والمفقرين، وفي تونس اليوم تحاكم لأنك تضامنت مع القضية الفلسطينية.
إن كل تلك المعطيات والأرقام ليست عفوية بل هي خيارات سياسية واقتصادية واجتماعية لنفس منظومة الحكم الجاثمة على صدور التونسيات والتونسيين، ولعل أكبر دليل على ذلك هو قانون مالية 2022 و 2023 و 2024 وكل ميزانيات السنوات السابقة.
إذن فما نعيشه اليوم هو النتيجة الطبيعية لمشروع الحكم الفردي لقيس سعيد الذي يرغم الشباب التونسي على قبوله غصب عنه وان رفضوا وتظاهروا فسيجدون أنفسهم في السجون نتيجة لفاشية الحكم الشعبوي.
إن شباب تونس اليوم مخيّر بين مطرقة الشعبوية وسندان الفاشية.
إن شبان تونس وشاباته واكبوا في حياتهم منعرجات سياسية كبرى بل وعاشوا ثورة مازالت لم تستكمل مسارها لتكون مظفرة وفي ذلك أبدعوا وابتدعوا الطرق والسبل والآليات والأدوات الكفيلة بتنظمهم من أجل النضال اليومي لتغيير هذا الظلم والحيف والمهانة، واليوم وأكثر من أي وقت مضى هم مطالبون وقادرون على مواصلة الحلم الذي يمثل الخطر الدائم لمنظومة الحكم التي مثلها كل المارون على سدة الحكم في تونس وآخرهم قيس سعيد، فنحن جميعنا قادرون على مواصلة النضال من أجل التغيير الجذري والعميق.
إن ما قام به الشعب التونسي في 17 ديسمبر 14 جانفي 2011 ليس إلا تغيير شكل الحكم لا عمقه، لذلك وبعد أيام من 14 جانفي 2011 إستعادة نفس منظومة الحكم العميلة سيطرتها على دواليب الحكم بعد أن رتبت بيتها الداخلي من أجل بسط نفوذها على كل شيء من جديد، لذلك مازال الفساد والافساد قائما، ومازال الأثرياء أثرياء وزاد نفس الفقراء فقرا وفقراء جدد، ومازال التهرب الضريبي ومازال التهريب ومازالت مافيات الهجرة الغير نظامية قائمة ومازالت شبكات الجريمة المنظمة، ومازال الاقتصاد ريعي، ومازال الشباب خارج الحلقات المباشرة للانتاج، ومازالت البرامج التعليمية مسقطة ومرتبطة بكبار الدائنين، ومازالت الحرية مكسب يمكن العصف به في أي لحظة ومازالت الثورة قائمة بكل مؤشراتها السابقة والحالية، لذلك يجب أن ندرك جيدا أن كل شيء سيظل قائما كما هو إن لم نقم بذلك التغيير الجذري والعميق للمنظومة القائمة، ذلك التغيير الذي سيحول قانون المالية لمصلحة الأغلبية الكادحة والمفقرة، والذي سيقطع مع سياسة الارتهان للخارج بالديون المجحفة والذي سيقضي على بيع خيرات ومقدرات الشعب التونسي بأبخس الأثمان وسيلغي كل الاتفاقيات الغير متكافئة، ذلك التغيير الذي سيفرض إلزامية دور الدولة بتوظيف خريجي جامعاتها وسيؤمم القطاعات والمنشاءات الإستراتيجية….
إن المطلوب من شباب تونس اليوم هو الدفع بكل القطاعات والفئات والطبقات للنضال من أجل تحقيق ذلك التغيير الجذري والعميق الذي من شأنه أن يغيير طبيعة الدولة وشكلها. إن هذا التغيير لن يكون من داخل منظومة الحكم بل من خارجها وعلى أنقاضها وأول خطوة لذلك التغيير هي مقاطعة المهزلة الانتخابية القادمة في 6 أكتوبر، لأن كل عملية مشاركة مهما كان شكلها هو تأجيل لذلك التغيير الجذري والعميق وتأبيد لوضع الفقر والخصاصة والحيف والظلم والمهانة.
من حق شبان وشابات تونس أن يعيشوا بكرامة وحرية، كما من حقهم أن يحلموا بعمل لائق ومسكن لائق وخدمات عامة وعمومية تحافظ على كرامة الانسان، إن كل ذلك لن يتحقق الا بالنضال ضد منظومة الحكم الممثلة حاليا في قيس سعيد ونظامه الشعبوي الفاشي من أجل إسقاطه وتأسيس نظام حكم جديد يقطع جديا وبشكل جوهري مع منظومة الحكم السابقة، وهذا المسار الطويل ينطلق بمقاطعة الانتخابات الرئاسية 2024 مقاطعة نشيطة وجادة.