الرئيسية / عربي / فلسطين ولبنان في قلب معركة العالم ضد الهمجية والعربدة
فلسطين ولبنان في قلب معركة العالم ضد الهمجية والعربدة

فلسطين ولبنان في قلب معركة العالم ضد الهمجية والعربدة

بقلم علي الجلولي

في منعرج شد انتباه العالم الذي حبس أنفاسه لاستيعاب ما يجري، عرفت المنطقة منعرجا عسكريا وسياسيا تمثل في توجيه ضربات موجعة مست أعلى الهرم العسكري لحزب الله، العنوان الشمالي للمواجهة العسكرية المستمرة منذ عام والذي أقض نوم كيان الاحتلال ووجه له ضربة إستراتيجية تستهدف عمقه إذ فرضت الضربات المتواترة على مستوطنات شمال فلسطين المحتلة على الآلاف من المستوطنين إما النزوح أو الهجرة إلى خارج الكيان، أو العيش في الأقبية تحت دعوات صفارات الإنذار، لذلك كان جنون العدو بضرورة توجيه ضربة قاصمة إلى حزب الله الذي تظافرت عدة عوامل لتسهيل ضربه في وقت كانت حكومة العدو في أشد الحاجة إلى منجز ما بحكم الفشل الرهيب الحاصل في تحقيق الأهداف الثلاثة المعلنة بضرب غزة، وهي : الإجهاز على المقاومة، تحرير الرهائن، عودة التحكم في القطاع، وهو ما فشل فشلا ذريعا عمق أزمة العدو على مختلف الأصعدة.

لبنان ستبقى عقدة الصهاينة

لا شك أن قيادة العدو الصهيوني لازالت تتوارث جيلا بعد جيل عقدة لبنان مثل عقدة غزة، لكن الكيان يعي جيدا أن حاضره ومستقبله مرتبط أيما ارتباط بالجبهة الشمالية التي ظلت واجهة استنزاف حقيقي طوال عقود وفي العام الأخير توازيا مع العدوان على غزة. وقد شكل حزب الله الذي أعلن على امتلاكه لقدرات عسكرية أرهبت العدو مثلما أرهبته الضربة المفاجئة في 7 أكتوبر. لقد انزعج العدو من واجهات الإسناد الثلاثة (لبنان، اليمن، العراق) التي “تجرأت وتطاولت” وضربت تل أبيب وموانئ حيفا وايلات، لذلك كان التوجه الصهيوني لإنهاك هذه الجبهات باستهداف أنشطها وأقربها وهي الواجهة اللبنانية، وقد حققت الضربة السيبرانية ثم استهداف قيادة الصف الأول والثاني العسكري ثم استهداف رأس القيادة السياسية ممثلة في تصفية حسن نصرالله، حققت للعدو انتشاء معنويا في لحظة مفصلية وحاسمة، فالعدوان في غزة يشارف العام والأهداف لا تتحقق بل أن الفشل والحزن هو الذي يتأكد. استهدف العدو الضاحية الجنوبية لبيروت باعتبارها مركز الثقل للمقاومة، وطالت الصواريخ الكوادر العسكرية اللبنانية والفلسطينية، إذ تم استهداف مقاتلين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومن كتائب شهداء الأقصى ومن حركة حماس. وفي الوقت الذي ظن العدو أن ضربته هذه المرة كانت قاصمة ومدمرة، نهض المارد المقاوم الذي استوعب الضربة ولملم جراحه بأقصى سرعة لتعود الضربات من جنوب لبنان ومن غزة، وفي القوت الذي أعلن “الكابينيت” الصهيوني الغزو البري للجنوب، كانت المصيدة تلو الأخرى ولم تقدر أرجلهم ولا دبابتهم على التقدم مترا إذ جاء الرد لا ليفشل محاولة الغزو فقط، بل أيضا ليذكر القيادة العسكرية الصهيونية بما لا تريد تذكره، إنها صليات المقاومة وضرباتها في الجنوب الذي تحرر دون أي تفاوض بل بلغة واحدة هي لغة السلاح، وبتتالي الصليات للمستوطنات فارضة معادلة جديدة في قواعد الاشتباك، وهو أن شمال الأراضي المحتلة يجب أن يبقى فارغا من أي وجود سكاني، أو بلغة أخرى أن يكون تحت قرار المقاومة اللبنانية التي تتجه اليوم لاستعادة الثقة وإعادة تنظيم نفسها بشكل أفضل. إن حركات المقاومة في التاريخ كانت على الدوام تبني ذاتها تحت ضربات العدو وهو درس مختلف التجارب ماضيا وحاضرا.

الوضع الإقليمي يتحرك وكرة الثلج تتدحرج

لقد وقف العالم مرة أخرى على حقيقة الارتباط العضوي بين دولة الاحتلال الصهيوني والامبريالية وخاصة الأمريكية منها، لقد كان المجرم نتن ياهو يخطب على أعلى منبر الأمم المتحدة وجيشه يقصف المدنيين العزل، وكان ينظم مؤتمرا صحفيا حين أتته إشارة حول الشروع في تصفية حسن نصرالله لذلك قطع مؤتمره وقفل راجعا إلى فلسطين المحتلة ليشرف بنفسه على مسلسل الإرهاب الذي لم يتوقف، لتكون المفاجأة في انتظاره بإمطار مطار بن غريون بصواريخ قادمة من اليمن. وفي الوقت الذي تعالى اللغط والشك حتى داخل أنصار المقاومة، وفي الوقت الذي أرسلت الولايات المتحدة قطعا عسكرية إلى المنطقة بعد أن كانت سحبت منذ مدة السفينة الضخمة روزفلت لانتهاء الخدمة، تسارعت ردود الأفعال الإقليمية ذات الصلة بما يجري على أرض فلسطين ولبنان، فوجهت إيران ضربات صاروخية استهدفت مناطق ومؤسسات متعددة في كيان الاحتلال بما شكل رسالة من الحجم الثقيل للكيان ولحلفائه وللمنطقة التي تتدحرج فيها كرة الثلج وكل المؤشرات تشارف على الانفجار. المنطقة كانت ولازالت منطقة استقطاب بحكم موقعها وثرواتها وتقاطع مختلف القوى العالمية على أرضها، ولئن حافظت مختلف القوى على قواعد ضمنية ومعلنة للاشتباك وتنظيم الصراع، إلا أن الانفلات وارد من أي جهة ترى أن مصالحها قد مست، ولئن حافظ الكيان الصهيوني على الدعم الامبريالي الغربي وخاصة الأمريكي الذي يلعب أخطر الأدوار بالدعم اللامحدود لكيان الاحتلال من جهة، ومن جهة أخرى فتح نوافذ طمأنة للقوة الإيرانية الصاعدة بمساومتها على ملفاتها الثقيلة وخاصة ملفها النووي. لكن الضربات الأخيرة هي استهداف للدور الإيراني واستصغار له خاصة في لبنان التي تعتبر أحد أهم واجهات الصراع بين مختلف القوى. وفي كل الحالات فان الضربة الإيرانية للكيان لعبت دورا مهما في شحذ معنويات الشعوب والمقاومة في لحظة دقيقة وصعبة.

الرجعية الإقليمية والغياب اللامسبوق

لا يختلف عاقلان في الوطن العربي أن غياب الأنظمة العربية فاقع وكأن ما يجري في ربوعنا يجري في كوكب آخر. لقد تحرك كل العالم بشكل أو بآخر، فجنوب أفريقيا حركت قضايا دولية ضد كيان الاحتلال، والأنظمة التقدمية في أمريكا الجنوبية أطردت السفراء وألغت الاتفاقيات، لكن أنظمة العار وجامعتها العربية كفت حتى عن بيانات التنديد والشجب والإدانة. فأطفال فلسطين وشيوخها ونساؤها لا يعنون لهم شيئا، واستهداف سيادة لبنان بكل الأشكال أيضا لا يعني لهم شيئا. لقد بلعوا ألسنتهم فيما يتضاعف التطبيع والدعم المادي للعدوان إذ فتحت موانئ المغرب لسفن العدو حين رفضت إسبانيا رسوّها، ونظمت الإمارات والبحرين والأردن والسعودية خطوط الإمداد الطبي والغذائي لجيش العدو. وخيّر النظام التركي الصمت ومسايرة موقف الأنظمة العربية.
وفي الوقت الذي يلقن الشعب الفلسطيني واللبناني العدو دروسا في الصمود والتشبث بالوطن مهما كان حجم التضحيات، وفي الوقت الذي خرجت فيه الملايين في أغلب بلدان الدنيا تضامنا مع فلسطين رغم القمع وحملات التشويه التي تنظمها اللوبيات الصهيونية الفاعلة والمتنفذة، كانت ساحة الإسناد الشعبي في الوطن العربي محدودة وحتى صامتة في عديد الأقطار. إن هجوم الأنظمة على حرية التظاهر والحركة هو سبب رئيس، لكن ذلك لا يحمل جديدا، فهذه الأنظمة منذ تنصيبها أواسط خمسينات القرن المنصرم كانت مستبدة وعميلة وفاسدة، أما الجديد فهو هبوط معنويات الجماهير والقوى التقدمية كانعكاس لفشل الانتفاضات العربية التي حملتها الجماهير طموحاتها وآمالها، لكن أنظمة التبعية نجحت في إخمادها وتشويهها.
إن الواجب يفرض اليوم على الجماهير العربية فتح واجهة جديدة في الصراع مع كيان الاحتلال، وهي واجهة الميادين والساحات العربية ضد الأنظمة الوظيفية باعتبارها سندا للامبريالية والصهيونية، إن ضربها هو خطوة مهمة في اتجاه إسناد فلسطين وفك الحصار عن المقاومة التي هي في حاجة ماسة لكل أشكال الإسناد مهما بدت بسيطة وغير ذات بال. إن المقاومة لن تحرر فلسطين ولبنان فحسب بل ستحررنا جميعا وأول واجهة للتحرر هي تحرر الإرادة.

إلى الأعلى
×