بقلم فرات السلامي
استيقظ العالم يوم 27 سبتمبر على نبأ اغتيال سيد المقاومة اللبنانية حسن نصر الله القيادي بحزب الله وأحد أهم الوجوه الإعلامية للمقاومة، شغل نصر الله خطة أمين عام لحزب الله منذ 1992 مكنته من خوض تجربة المقاومة من موقع متقدم، فاكتسب ما يكفي من التجارب ليكون زعيما مخضرما. وهو ما يستدعي تناول سياق عملية الاغتيال واستتباعاتها الممكنة.
توسّع رقعة العدوان الصهيوني
مثلت عملية طوفان الأقصى التي انطلقت يوم 7 أكتوبر 2023 منارة أمل، لا للعالم العربي والمغاربي فقط، وإنما للعالم أجمع، حيث أعادت الأمل في المقاومة المسلحة كنهج للتحرر من نير الاستعمار الصهيوني. لقد أسقطت كل الخرافات عن القبّة الحديدية وبيّنت أن النزال وجه لوجه مع هذا الوحش الذي تغذّيه أيادي أمريكية وأوروبية ليس ممكنا فحسب، بل أن الانتصار عليه في هذه المعركة ممكن أيضا.
كيف ذلك؟ لقد فشل الكيان الصهيوني في تحقيق أهدافه المعلنة المتمثلة أساسا في القضاء على المقاومة الفلسطينية المسلحة، لكن هذه الأخيرة وجْهت ضربات موجعة للعدوّ اهتزّ بيته الداخلي على وقعها وعمّ الارتباك والصراع والخلاف. ولم يتأخر حزب الله من جانبه في إسناد المقاومة الفلسطينية، لا قولا بل صواريخا منذ 8 أكتوبر.
وللتغطية على فشله والمحافظة على ماء الوجه سعى الكيان الصهيوني إلى توسيع رقعة الحرب. في هذا السياق يندرج الهجوم الجبان على لبنان العزيز، مستهدفا بذلك لا المقاومة اللبنانية فقط بل حتى المدنيين والمباني اللاعسكرية والتي ليست لها أهمية حربيّة، في سياسة الأرض المحروقة. و هذا المسار قد يقحم المنطقة في حرب إقليمية خصوصا إذا وظّفت إيران أذرعها في العراق واليمن ولبنان، مطبْقة بذلك استراتيجيا وحدة الساحات.
بالطبع ليس من الإنساني أن يبتهج المرء للحرب، فهي تبتلع أرواح الملايين من الكادحين، في حين تراكم الثروات للقطب الآخر من المجتمع، كما بيّنت ذلك الحرب العالمية الأولى والثانية. ناهيك عن مخاطر استعمال الأسلحة النووية وما يعنيه ذلك من تدمير للحياة على الكوكب.
محمد الحسيني سلاح إعلامي ضدّ المقاومة المسلّحة
قبل أن تغتال بطلا عليك أن تغتال رمزيّته وتنزع عنه هالته. ذلك بالضبط ما حاول القيام به محمد الحسيني أمين عام المجلس الإسلامي العربي، أياما قبل اغتيال حسن نصر الله. لكن شتْان بين من يطلق الصواريخ في اتجاه العدو الصهيوني وبين من يدعو إلى السلام مع العدو، والسلام مع مغتصب الأرض هو عين الذلّ والعار.
بثّ الحسيني سمومه على آذان المستمعين، متحدثا عن نقائص حسن نصر الله وعيوبه كشخص وكزعيم لحزب الله، في ظلّ ظرف تواجه فيه المنظمة الكيان الصهيوني بالسلاح. نمّت تصريحاته عن تناقض، فرغم أنه اعتبر حسن نصر الله قبل اغتياله مجرّد وجه إعلامي للمنظمة وليس بالقيادة الحقيقية لها، إلا أنه سارع بعد اغتياله إلى إعلان انتهاء حزب الله نظرا لأهمية الدور القيادي لحسن نصر الله.
وما يؤكّد أكثر الدّور المشبوه لمحمد الحسيني، هو حصوله على معلومات استخباراتية لا يمكن أن يتحصل عليها إلا عميل، فقد ردْد على شاشة العربية يوما واحدا قبل اغتيال حسن نصر الله: “أعهد عهدك وأكتب وصيّتك”.
حزب اللّه يتحدّى الأوضاع
تكبّد حزب الله خسائر ليست بالهيّنة، بعد استهداف أجهزة البيجر والتولكي وولكي ومستودعات الأسلحة وحتى خزينته، كما اغتيل عدد من قيادات الصف الأول لحزب الله وقيادات فروعه في محاولة لضرب قدراته العسكرية واللوجستية. إلا أنه رغم ذلك لم يخيّب آمال كل من يراهن على الدور المهم لهذه المنظمة في مقاومة العدو.
لقد ردّ حزب الله منذ يوم الاغتيال بإطلاق صواريخ “فادي 4” على تل أبيب، هذا بالإضافة إلى الصواريخ الإيرانية التي ألهبت السماء فوق العدو والأرض تحته. كما أكد الحزب أنه مستعد للدفاع عن أرض لبنان العزيزة، بتصدّيه، صباح يوم الأربعاء، لمحاولة التوغّل البري الصهيوني في العديسة ومارون الراس، ملحقا بجيش الاحتلال أثقل الخسائر البشرية، بسقوط 35 جريح و 8 قتلى على الأقل حسب بعض المصادر، حيث توغّل جيش الاحتلال داخل الأراضي اللبنانية إلى حدود 400 متر بقوات تضم مشاة ومدرّعات وبتغطية طائرة مسيّرة، وقعت هدفا لصواريخ ومدفعية المقاومة، وهو ما يذكّرنا بما ورد في خطاب للشهيد حسن نصر الله “نحن ننتظر دباباتكم كي نحرقها أمام النقل المباشر”. وهذه ليست إلا بداية استعادة حزب الله زمام الأمور كما عبّر عن ذلك نائب أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم حيث صرّح تعليقا على العملية البرية: “اشتبكت قواتنا مع قوات العدو في العديسة ومارون الراس، وما حصل في مسكاف عام ليس إلا البداية … قواتنا على أتمّ الاستعداد، والمقاومة بخير، ومنظومة القيادة أيضًا بخير، والحرب جولات وصولات”.
إيران تدخل على الخط
كما كان متوقّعا، دفع الكيان الصهيوني المنطقة إلى حرب إقليمية، وهو ما حذّرت منه إيران منذ بداية العدوان على لبنان. تجد هذه الأخيرة نفسها مضطرّة للردّ بعد اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية وزعيم حزب الله حسن نصر الله وقيادات عسكرية من الحرس الثوري الإيراني وبعد استهداف مبنى مجاور للسفارة الإيرانية أسفر عن مقتل جنرال إيراني. يأتي هذا الرّد في إطار محاولة للحفاظ على تحالفات النظام الإيراني في المنطقة، مع حزب الله في لبنان والحشد في العراق والحوثيين في اليمن، وتكميما للأفواه التي تردّد الدعاية السعودية، أمثال محمد الحسيني، المنتقدة لإيران والساعية لضرب تحالفاتها في المنطقة.
عبر 200 صاروخ باليستي الجوّ لمدة 12 دقيقة، ليصيب 90 % منها الأهداف المحددة، ولم تنجح القوى الأمريكية والسعودية والصهيونية مجتمعة في إسقاط سوى 10 % منها، ممّا يؤكد نجاح هذه العملية. هذه الأخيرة تؤكد عدم استعداد إيران للتضحية بتفرعاتها في المنطقة، كدروع لها في مواجهة أعدائها
لقد أحدثت العملية التي شنها الحرس الثوري الإيراني الذعر في نفوس العدو حتى تلاحقت التصريحات الغاضبة من مسؤولين صهاينة، مثل نتنياهو وبينيت رئيس الوزراء السابق وحتى من المعارضة، مطالبة بردٍّ قوي وقاس يستهدف البرنامج النووي الإيراني والبنية التحتية والسدود. لقد أصبحت الأوضاع في المنطقة مشتعلة والأحداث متسارعة وهو ما يتطلب مزيدا من المتابعة والتمحيص، لاستيعاب مآلات هذه الحرب ومصلحة معركة التحرر الوطني بالتوازي معها.