الرئيسية / صوت الوطن / النظام الاستبدادي وموقع العائلة في الحكم
النظام الاستبدادي وموقع العائلة في الحكم

النظام الاستبدادي وموقع العائلة في الحكم

بقلم علي الجلولي

انتبه العديد من التونسيين عشيّة الإعلان عن نتائج البيعة الانتخابية ظهور أعضاء من عائلة الرئيس وأساسا شقيقه الأستاذ نوفل سعيد وشقيقة زوجته. وذلك للاضطلاع بتصريحات سياسية تهم سير الانتخابات، وأيضا رؤية للمستقبل المنظور لتونس وتحديدا كيفيّة التعاطي مع مسألة الشرعية بعد الانتخابات ضمن ما سمّاه نوفل سعيد التهدئة في سياق مسار 25 جويلية، وقد التقطت الساحة السياسية معارضة وموالاة هذا التصريح للتفاعل، خاصة وأن رأس السلطة لا يصرّح عموما إلا للتهديد والوعيد.
إن السيد نوفل وصهرة الرئيس هما مواطنان تونسيان كاملي الحقوق وينطبق عليهما ما يجب أن ينطبق على كلّ التونسيين من حقوق وواجبات، لكن هذا الظهور توقيتا وسياقا له دلالات ومعاني وغايات وجب الانتباه إليها تشريحا وتأويلا.

الدولة والتدخل السّافر لعائلة الحاكم

يعتبر حكم العائلة ميزة جوهرية للنظام الملكي، وهو رافد ومظهر لحكم الفرد، وتتدخل العائلة من خلال البطانة أي المجموعة الضيقة التي تلازم الحاكم، أو من خلال أشكال متعددة للتدخل المباشر وغير المباشر. ولقد ساد هذا النظام منذ فجر التاريخ إلى حدود الثورة البرجوازية الديمقراطية التي صاغت شكلا جديدا للحكم ألغت فيه أيّ تدخل للعائلة في تسيير دواليب الدولة وقد وصل النظام السياسي في بعض البلدان الليبرالية درجة من العقلانية تجلّت في فرض رقابة على محيط الحاكم منذ لحظة صعوده للكرسي وأثناءه وبعده لمراقبة أيّ شكل من أشكال استغلال النفوذ والفساد والاستفادة غير المشروعة ممّا لا حق لهم فيه. وتلعب في هذا الصدد السلطة الرابعة أي الصحافة والإعلام، دورا حيويا في الكشف عن أيّ انحراف في ممارسة الحكم حتى بعد سنوات من الخروج من أروقته. أمّا الأنظمة الاستبدادية فمن أبرز ميزاتها تدخل العائلة بهذا الشكل أو ذاك، وبهذا القدر أو ذاك، وبطبيعة الحال فإن الأنظمة الاستبدادية ليس فقط أنظمة الوراثة الملكية أين تبقى شؤون الحكم حكرا على العائلة المالكة، بل أيضا الأنظمة التي تتجلبب برداء جمهوري أو ديمقراطي أو عصري، وهو الحال في مجمل منطقتنا العربية وفي بلادنا تونس.

حكم العائلة متأصّل في بلادنا

لم يقتصر تدخّل العائلة في تسيير الدولة على الماضي الملكي وآخر حلقاته نظام البايات، بل استمرّ في العصر “الجمهوري” الذي تأسس للقطع مع سلفه الاستبدادي. لقد أعادت “الجمهورية” مع بورقيبة وبن علي حكم العائلة كخاصية جوهرية لنظام الحكم في بلادنا. فبعيد إعلان الجمهورية في 25 جويلية 1957 بوقت قصير تربّعت “الماجدة وسيلة بورقيبة” أمّا للتونسيين، فهي “حرم المجاهد الأكبر” صانع تونس وشعبها. لقد استمرّت “وسيلة” حتى الانفصال عن بورقيبة في أواسط الثمانينات هي الحاكم الفعلي لتونس، تعيّن وتعزل، تبرم وتنقض، أي هي الفاتقة الناطقة والحاكمة الفعلية للبلاد حتى أنها ألغت اتفاق الوحدة التونسي الليبي قبل أن يطّلع عليه أحد. وتتفق أغلب السير والروايات من حكام ومعارضين أنها ظلّت الماسكة بكل مفاصل القرار حتى انفصالها عن زوجها لتعوضها “سعيدة ساسي” ابنة أخت بورقيبة التي حوّلت قصره إلى “سيرك” للتلاعب بالرئيس العجوز، تتدخل العائلة والأصدقاء والأحباب فيما يواجه الشعب بالقمع والمنع. ومن ثنايا المافيا العائلية استطاع بن علي التسلل إلى مطبخ القرار ثمّ افتكاكه كليا ليبدأ معه حكم الفرد القوي القادم من المؤسسة العسكرية/الأمنية، لكن بعد سنوات قليلة وبعد ترتيب البيت بدأت العائلة تتسلل تدريجيا إلى مطابخ القرار الاقتصادي ثم السياسي. لقد تسللت عائلات الحكم وخاصة عائلة بن علي وزوجته لتصبح بمثابة الحكومة الموازية ثم الدولة الموازية وهو ما سمّيناه في تلك السنوات خوصصة الدولة والحكم. لقد أصبحت ليلى بن علي تتصدر المشهد فيما يتحكم أشقاؤها وعائلة زوجها والعائلات القريبة والمتصاهرة في مجمل أوضاع البلاد من صفقات وتمويلات وقروض واستثمار وتشغيل… وكان من بين الأسباب العميقة للثورة استفحال الفساد ونفوذ العائلة الحاكمة أو المالكة وهو اللفظ الذي راج لسنوات في بلادنا وكأننا بصدد حكم ملكي، بل واقعيا هو كذلك وهو ما اصطلحنا عليه في تلك السنوات بـ”الجملكية”. أي الواجهة الجمهورية والجوهر الملكي القروسطي الذي يعتبر تدخّل عائلة الحاكم في شؤون الحكم أحد أهم ملامحها.

العائلة والحكم بعد الثورة

بما أن الخيارات الأساسية للدولة لم تتغيّر بعد الثورة، وبما أن التغيير الذي فرضته الثورة على شكل السلطة ظلّ على العموم هشا ومهتزا، فإن عودة مظاهر الاستبداد عادت بأشكال متعددة وخاصة ما يهمّ منها مظاهر الزبونية السياسية التي ترافق أنظمة الاستبداد أو التحولات السياسية الهشة، وقد مثلت حركة النهضة نموذجا لذلك طوال سنوات تربّعها على الحكم بما عزز شروط الغضب والسخط عليها، كما مثل “نداء تونس” وسليله “تحيا تونس” استعادة لأسلوب حكم “التجمع الدستوري” مثل عودة المافيا ولوبيات الفساد وأيضا العائلة من خلال ابن “الباجي قايد السبسي” الذي سهّل تهاوي أبيه وحكمه. لقد رفعت الجماهير أكثر من مرة “الشعب فد فد من الطرابلسية الجدد” لرفض مظاهر خال أنه دفنها إلى الأبد.
وها هي اليوم تعود من شقوق الاستبداد الزاحف مظاهر عودة تدخل العائلة في تسيير الدولة. إن تدخل شقيق الرئيس هو مؤشر، في توقيته وسياقه، على تربّع الاستبداد، وهو ما يجب التفطّن إليه مبكرا والعمل على تقويضه قبل أن يتحوّل إلى أسلوب حكم. إن هذه العودة خلقت استياء سيتحول إلى سخط، فحكم العائلة لا يذكر شعبنا إلا بالصفحات الأكثر ظلمة وظلاما في تاريخه.

إلى الأعلى
×