الرئيسية / صوت النقابة / أين الاتحاد؟
أين الاتحاد؟

أين الاتحاد؟

أثار غياب الاتحاد العام التونسي للشغل عن التفاعل الجدي مع الشأن العام الوطني والإقليمي طيلة الفترة المنقضية عديد التساؤلات التي ترتقي إلى درجة الاستغراب عند البعض والاستهجان والاستنكار عند البعض الآخر. فرغم خطورة المرحلة التي تمرّ بها بلادنا ورغم فظاعة الجرائم الصهيونية المتواصلة منذ سنة كاملة في فلسطين ولبنان فإنّ أقصى ما استطاع أن يقوم به الاتحاد هو إصدار عدد من البيانات المندّدة بالجرائم الصهيونية وحملة تبرعات محتشمة وانخراطه بإمكانيات جدّ متواضعة في “لجنة وطنية” أطّرت عددا من التحركات في العاصمة، وهي ردود فعل لا ترتقي إلى حجم المجازر والإبادة المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي لبنان، بل إنها لا ترتقي إلى التقاليد النقابية العريقة التي أرستها أجيال من النقابيّين في دعم ومساندة قضية الحق الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وتقرير مصيره.
يفسّر قسم كبير من النقابيين والنقابيات ومن أصدقاء الاتحاد هذا القصور في أداء المنظمة الشغيلة أمام القضايا الوطنية والقومية باستفحال أزمته الداخلية وتنامي مخاوف القيادة النقابية من عجزها عن تحريك “الماكينة” ليس في مواجهة مجمل هذه القضايا فحسب، بل في مواجهة ما تتعرّض له الطبقة العاملة من هرسلة وتهديدات وما تتعرّض له المنظمة نفسها من مخاطر محدقة بكيانها.
إن تواصل الصراع بين مختلف أجنحة البيروقراطية النقابية قد حكم على الهياكل النقابية القيادية وسلطات القرار بالجمود والعجز عن حماية المنظمة ومنظوريها من الإجراءات والتشريعات التي تضرب في العمق المكاسب التي انتزعتها الطبقة العاملة التونسية من بين براثن الكمبرادور بنضالها المرير طيلة عقود، والعجز عن الوفاء بالتزاماتها الوطنية نحو الشعب والوطن أمام مخاطر انحراف جديد نحو الاستبداد والفاشية والاعتداء على الحقوق والحريات بما فيها الحق النقابي. وحتى التلويح بالإضراب العام في الوظيفة العمومية والقطاع العام في اللوائح الصادرة عن المجلس الوطني الأخير فإن أول من يعي صعوبة إنجاحه هو القيادة النقابية نفسها من جراء السلوك المهادن والمتردد الذي مارسته طيلة السنوات الفارطة أمام قضايا وملفات لا تحتمل المهادنة أو التردد رغم خطورة الاعتداءات التي طالت النقابيين على خلفية نشاطهم النقابي والتمادي في ضرب حقوق العمال في الشغل اللائق والعيش الكريم بتنقيح القوانين والتشريعات لفائدة الرأسماليين.
وعوض أن يتمّ استغلال فرصة انعقاد ثاني سلطة قرار داخل المنظمة بعد المؤتمر العام لإيجاد حلول جذرية للأزمة التي يتخبط فيها الاتحاد منذ أربع سنوات، تواصل الصراع داخل المجلس الوطني وتواصل التلاعب بالنظام الداخلي للمنظمة خلال التصويت على اللائحة الداخلية التي بقيت معلقة حسب النقابيين الذين غادروا القاعة والمتمسكين بضرورة عقد مؤتمر استثنائي، في حين يعتبر الشقّ الآخر أن المجلس الوطني قد أتم أشغاله بما فيها المصادقة على اللائحة الداخلية.
لقد فعلت القيادة البيروقراطية بنفسها وبالمنظمة ما لم تحلم السلطة الحاكمة بتحقيقه في عنفوان جبروتها البورقيبي والنوفمبري، حيث لم ينجح نظام الحكم في أيّ مرحلة من تاريخ البلاد في عزل المنظمة الشغيلة عن حاضنتها النقابية الشعبية حتى وإن نجحت في تدجين قيادة المنظمة.
وفي ظلّ غياب تيار نقابي ديموقراطي منظم داخل هياكل الاتحاد قادر على توحيد النقابيين والنقابيات الغيورين على المنظمة والمتمسكين بدورها الوطني والاجتماعي على قاعدة أرضية نقابية تطرح مهاما نقابية ووطنية وقومية واضحة وصريحة، فإن الأزمة ستتواصل وستكون تداعياتها كارثية على الاتحاد وعلى البلاد.

رؤوف – مناضل نقابي

إلى الأعلى
×