بعد أن ثبّتت هيئة بوعسكر نتائج مهزلة 6 أكتوبر المعلومة مسبقا، أدّى قيس سعيد يوم الإثنين 21 أكتوبر الجاري القسم أمام “مجلسي الوظيفة التشريعية”، أي الكمبارس الموالي والقابل بدور الدمى، وإثر ذلك توجّه بخطاب روّج بعض أفراد العائلة والموالين أنه سيكون خطاب “التهدئة والطمأنة” بعد سنوات قضّاها الحاكم بأمره يهدد ويتوعد، لكن “الطبع يغلب التطبّع”. لقد واصل سعيد في معجمه الحربي المعتاد دون تغيير، بل دعمه بمصطلحات جديدة إذ أضاف إلى “اللصوص، والخونة، والعملاء” “الفلول والزواحف والأفاعي…” ليكونوا في مرمى صواريخه في المرحلة القادمة معلنا بذلك استمرار الهجوم على الحقوق والحريات وعلى المعارضين والمنتقدين الذين لم تتوقف ماكينة القمع لحظة عن استهدافهم. وهذا الخطاب الفاشي حريّ بالدراسة المختصة في علم النفس السياسي لفهم خلفيات صاحب الخطاب وحقيقة وضعه ونوعية هواجسه وأهدافه التي تعني شيئا واحدا وهو العودة بالبلاد إلى مربع الدكتاتورية والاستبداد. أمّا من جهة المضمون فقد واصل الخطاب نفس المنطق المغالط، فسعيد لم يشر إلى حصيلة حكمه الكارثية في كافة المجالات، بل ركز على العوائق من داخل المنظومة دون أيّ إشارة إلى طبيعة الخيارات المتبعة، وحتى حديثه عن المفقّرين والمعطلين لم يتجاوز السردية الإنشائية الممجوجة التي تفطن إليها الضحايا ومن بينهم الذين تظاهروا هذه الأيام أكثر من مرة أمام وزارتي التربية والتعليم العالي ضد وعود التضليل التي يعتمدها سعيد الذي يصوغ خطابا كأنه زعيم المعارضة لا رأس السلطة. وفيما واصل التهكم الظاهر على صناديق النهب الدولية، فإنه لم تكن له الجرأة ليؤكد أنه مستمر في تنفيذ وصفات تلك الصناديق وعلى رأسها تجميد الانتدابات والتشجيع على التقاعد المبكر وهو ما سيفاقم البطالة والفقر. وفيما ركز ككل مرة على الدور الاجتماعي للدولة، فإن حقيقة توجهات ميزانيته لسنة 2025 تؤكد الاستمرار في نفس الخيارات المتبعة منذ عقود رغم محاولة تباينه مع الذين سبقوه في الحكم فكل شيء يؤكد أن غلاء الأسعار وفقدان المواد الأساسية وتردي الخدمات العامة سيتواصل. أمّا سياسيا، وإن كال لفترة حكم النهضة ما أراد وخاصة ما يهمّ الإرهاب، فإنه لم يرسم طريقا نقيضا فيما يهمّ الخيارات الجوهرية للحكم بما في ذلك موضوع الحريات. فكل ما ورد على لسانه من تهديد ووعيد وما صدر هذه الأيام من أحكام جديدة ضد منتقديه ومعارضيه يؤكد أن سعيد ليس له من سبيل لفرض نظام حكمه اللاشرعي وخياراته المدمّرة للوطن والشعب غير القمع. وفي القضايا القومية وتحديدا ما يجري في فلسطين ولبنان، فإن خطابه لم يقطع مع الإنشائية المعتادة التي تهرب من الإقرار بأن نظام تونس لا يختلف جوهريا عن بقية الأنظمة العربية، فسعيد اكتفى بإعلان التضامن مع الشعبين الفلسطيني واللبناني دون ذكر للمقاومة وشهدائها لا تصريحا ولا تلميحا، ناهيك أنه لم يندد باغتيال لا حسن نصر الله وإسماعيل هنية والسنوار ولا أيّ من القادة الآخرين، فما بالك باتخاذ إجراء رمزي مثل تنكيس الأعلام. كما عاد ” للتذكير” بكون التطبيع خيانة عظمى مغالطا الشعب بكونه شخصيا تدخل لدى برلمان الدمى لإيقاف نقاش مشروع قانون لتجريم التطبيع مع العدو الصهيوني. إن خطاب القسم يلخص اتجاه الحكم في بلادنا خلال المدة القادمة، وهو اتجاه قمعي وترهيبي كشف سعيد في الفترة الفارطة عن سماته، وهو توجه سيتعمق بعد حيازته “تفويضا” جديدا مزيفا لا يمنحه أية شرعية. إن سعيد يصرّ على تناسي أن أكثر من 70% من الناخبات والناخبين معظمهم من الشباب لم يشاركوا في المهزلة. إن هؤلاء سيعلو صوتهم إن عاجلا أو آجلًا رفضا لواقع التفقير والتهميش والتبعية والاستبداد. فإلى العمل الجاد من أجل الالتحام بشعبنا والرفع من درجة وعيه وتنظيم صفوفه.