الرئيسية / صوت الوطن / قانون المالية لسنة 2025: قانون احتراب داخلي
قانون المالية لسنة 2025: قانون احتراب داخلي

قانون المالية لسنة 2025: قانون احتراب داخلي

بقلم حسين الرحيلي

مقدمة

مشروع قانون المالية لسنة 2025 يناقش ويحلل من طرف الخبراء والإعلاميين عبر نسخة مسرّبة، وليس من خلال نسخة رسمية. ذلك أنه ولأول مرة منذ 2011 لم يقع نشر وثيقة مشروع قانون المالية والتقرير الاقتصادي من طرف وزارة المالية. وهو ما يؤشر بشكل رسمي لتحويل قانون المالية والميزانية العامة للدولة من شأن عام يهمّ كل التونسيات والتونسيين إلى مجرد وثيقة محاسبتية للحكومة ترتقي إلى مستوى الوثيقة السرية. وهذا الانغلاق للسلطة ليس بالجديد ولا بالغريب نظرا للطابع الشعبوي لهذه السلطة واستفرادها لنفسها بكل ما يهم الشعب في تناقض صارخ مع شعارها المردد “الشعب يريد”.
الميزانية العامة للدولة وقانون ماليتها السنوي ليس مجرد جداول محاسبتية ومجموعة فصول تؤسس لكيفية جمع المال وطرق صرفه. بل هي أداة من جملة أدوات اقتصادية متعددة لتنفيذ مشروع ومخططاته على المدى المتوسط والبعيد.
لذلك وجد الخبراء هذه السنة صعوبات كبيرة في قراءة موضوعية وعلمية لقانون المالية لأن الخبراء الاقتصاديين والمعنيين بالتنمية لا يهمّهم في قانون المالية الفصول الجبائية بقدر ما يهمّهم المؤشرات والفرضيات التي يعتمد عليها لصياغة ميزانية الدولة وتحديد نسب النمو وأسعار الصرف للعملات ونسب التضخم المتوقعة. كل ذلك بناء على قراءة موضوعية لتنفيذ ميزانية 2024 والضغوطات الداخلية والخارجية التي صاحبت إنجازها، لتحديد الإجراءات المستقبلية لمعالجتها أو التأقلم معها.

ميزانية الدولة لسنة 2025: برنامج خصوصي للشؤون الاجتماعية

سنقوم في هذا المقال بقراءة لقانون المالية لسنة 2025 بالاعتماد على المشروع المسرّب، في غياب تام للتقرير الاقتصادي.
جاء مشروع قانون المالية تحت شعار جديد “الدولة الاجتماعية”. ولتحقيق هذا الشعار، تركزت كل الإجراءات الجبائية على الفئات الهشة والمهمشة والعاملات الفلاحيات وأصحاب الجرايات الضعيفة والأيتام. وهو ما يعني أن قانون المالية لسنة 2025 لم يكن في الأصل إلا برنامجا من برامج وزارة الشؤون الاجتماعية لا أكثر ولا أقل. بل برنامج خصوصي لفئات خصوصية، هي في الأصل ضحيّة منوال تنموي فاشل ومخططات اقتصادية واجتماعية مناولة لصالح أطراف أجنبية، والتي تصرّ السلطة القائمة على إعادة إنتاجها بأشكال وآليات مختلفة ولكنها ستعيد إنتاج نفس الفشل ونفس الضحايا التي تحاول السلطة القائمة استمالتها ببعض الإجراءات التي لا يمكن أن تساعدهم على تحسين أوضاعهم أو تغييرها بل تأبيدها ليبقوا فقراء ومهمشين ليقوموا في كل مرة بإعادة انتخاب رموز هذه السلطة.
بلغة الأرقام، تم تحديد قيمة ميزانية الدولة لسنة 2025 بحوالي 78 مليار دينار، بعجز يساوي 9.8 مليار دينار، وبتداين بحوالي 28 مليار دينار (6.13 مليار د. خارجي و21.87 مليار د. داخلي). وبالتالي فإن شعار التعويل على الذات التي ترفعه السلطة ونوابها الأكارم ليس صحيحا وما هو إلا نوعا من بيع الوهم. ذلك أن دولة تتداين بحوالي 36% من مجموع الميزانية لا يمكن أن تكون إلا مرتبطة بالاقتراض الخارجي والداخلي. فهي إذن محكوم فيها من المانحين الدوليين من ناحية ومن لوبيات البنوك المحلية من ناحية أخرى.
أمّا بالنسبة لحجم ميزانية كل الوزارات، فإن اللافت للانتباه هو الارتفاع الكبير لميزانية رئاسية الجمهورية بحولي 7% بالمقارنة مع ميزانية السنة الفارطة، إضافة إلى ارتفاع ميزانية مجلس النواب. أمّا بقية الوزارات، فإن ميزانياتها بقيت على حالها في أحسن الحالات ارتفعت بحوالي 1.5% فقط كميزانية وزارة التربية وميزانية وزارة الصحة. وهو ما يعني أن المشاكل الهيكلية المزمنة لقطاعي التعليم والصحة ستتعمق.
أمّا بالنسبة للانتدابات، فإنه تم إقرار انتداب حوالي 21 ألفا، منها أكثر من سبعة آلاف في إطار تسوية وضعية الأساتذة والمعلمين النواب. أي أنهم يعملون ومنذ سنوات والعملية ليست إلا تسوية وضعية لشغل هشّ وسمسرة باليد العاملة تمارسها الدولة وأجهزتها بشكل علني وفي قطاعات استراتيجية وأساسية كالتعليم.
أمّا أهم ما ورد بمشروع قانون المالية لسنة 2025، إضافة إلى الإجراءات الاجتماعية الخصوصية لبعض الفئات المهمشة والهشة، كنوع من ردّ الجميل لهذه الفئات التي مثلت الشريحة الأكبر التي قامت بانتخاب الرئيس لعهدة ثانية، فوجب التعرض لجدول الضريبة الجديد على الدخل. والذي حاولت فيه وزارة المالية بشكل غير مباشر معاقبة الفئات التي تعمل ونجحت في دراستها (رجال تعليم، مهن حرة، أساتذة جامعيون، إطارات ومهندسين وأطباء وصيادلة…) بتحميلها عبء جبائي إضافي، لتغطية عجزها على مقاومة الغش والتهرب الجبائي من ناحية، وفشلها الذريع في القضاء على المهربين واللوبيات التي تعمل بشكل غير نظامي.
كما وجب التنبيه إلى أن قانون المالية لسنة 2025 قد بُنِيَ على قاعدة خطيرة تتمثل في زرع الفتنة بين الفئات الاجتماعية، من خلال إيهام الطبقات الفقيرة بأن الذين يعملون ويجتهدون يسرقون مالهم العام، وهو ما يمكن أن يتسبب في انتشار الحقد الطبقي بين فئات المجتمع التي تعيش غالبيتها في الفقر والتهميش كنتيجة مباشرة وتراكمية لمنوال تنموي مناول وملحق بدوائر الاقتصاد الرأسمالي النيوليبرالي.

غياب المؤشرات والفرضيات: غياب الأهداف

مثلما ذكرنا في بداية المقال فإن السلطة القائمة حجبت عنا التقرير الاقتصادي، ممّا أفقد قانون المالية والميزانية لسنة 2025 من محتواها التحليلي. وجعلها مجرد قوائم محاسبتية للمداخيل والمصاريف. لذلك فإن عدم توفر المؤشرات التي انبنت عليها ميزانية الدولة والفرضيات التي تمّت دراستها، يجعلنا غير قادرين على توقع نسب النمو للسنة القادمة، إضافة إلى عدم القدرة على توقع نسب التضخم وبالتالي مؤشرات تطور أسعار الاستهلاك المحلية.
كما أننا لا نعرف نتيجة تطبيق ميزانية 2024 والضغوطات التي صاحبتها. ممّا يجعلنا ندخل عام 2025 من خلال هذه الميزانية العرجاء بدون مؤشرات ولا نسب نموّ ونسب تضخم متوقعة. وبالتالي غياب الأهداف.
فهل يمكن إدارة الدولة بهذا الشكل الشعبوي الغارق في صور الستينات ونحن نعيش الألفية الثالثة؟

إلى الأعلى
×