بقلم عمار عمروسية
افتتحت صباح 11 نوفمبر القمة العربية الإسلامية أشغالها في العاصمة السعودية “الرياض” بحضور ممثلي حوالي 57 دولة.
ويبدو وفق الأنباء القادمة من هناك أنّ فعاليات ذاك المؤتمر رغم طابعه الاستثنائي وفق توصيف صاحب الدعوة وما يصحبه من نفخ إعلامي لن يكون سوى إعادة سمجة لقمّة “الرياض” الأولى التّي انعقدت قبل عام بالضبط (11 نوفمبر 2023) وانتهت حينها ببيان هزيل راوح بين عبارات الشجب والتنديد ومناشدات التوسل للكيان الصهيوني وشركائه في العدوان الهمجي باحترام المعاهدات الدولية وقواعد القانون الإنساني الدولي.
إنّ 402 يوما من استمرار العدوان الصهيوني الهمجي على الشعبين الفلسطيني واللبناني وإمعان آلة التقتيل والتدمير في ارتكاب أشنع الفظاعات المرّوعة مثلّت الإجابة الملموسة عن مجمل تلك الدعوات والمناشدات.
فالكيان العنصري النازي يضع نفسه فوق كلّ القوانين والأعراف ولا يقيم أدنى اعتبار لكافة هيئات وهياكل ما يعرف بالمنتظم الإقليمي والدولي.
فوقائع حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضدّ الفلسطينيين وعيّنات التدمير والمذابح في حقّ اللبنانيين هما الخيار الوحيد لحكومة الكيان للتعاطي مع مشكلات المنطقة.
مجمل هذه الحقائق أضحت معلومة على نطاق واسع ليس فقط في الساحة العربية وإنَّما في النطاق العالمي بما في ذلك في أعين السواد الأعظم من شعوب العالم بما فيها أمريكا والغرب.
يعلم دون شك قادة الدول العربية والإسلامية تلك الحقيقة غير أنّهم يقفزون فوقها ويواصلون ألاعيب التذاكي والتّحايل على شعوبهم بندوات التباكي علي الحقوق الفلسطينية وهتك سيادة دولة “لبنان”!!!
لقد وجد الأمين العام للجامعة العربية “أبو الغيط” في كلمته الافتتاحية الوقاحة للقول “لم تعد الكلمات تكفي لما يتكبده الفلسطينيون…” غير أنّ الثابت والأكيد أنّ لا جديد في هذا الملتقى سوى الكلام.
لقد تداول الحضور كعادته على المصدح لترديد عبارات وشعارات ممجوجة مع حرص البعض منهم وخصوصا من دول الطوق إعادة التشديد على إشكالات ومخاطر مرتبطة بدوام أنظمة حكمهم الفاسدة والعميلة.
فديكتاتورمصر “عبد الفتّاح السيسي” يرفع عقيرته ضدّ تهجير أهل “غزة” خوفا من الأعباء الماديّة للنازحين وخصوصا من تحولّ سيناء لقاعدة تمركز جديدة للمقاومة الفلسطينية وطاغية الأردن الملك “عبدالله” يشدّد على أوضاع الضفة الغربية لغلق الباب أمام نكبة جديدة من شأنها تعزيز الوجود الفلسطيني ببلاده.
ضمن مثل هذه الحسابات الضيّقة والصغيرة بالإمكان فكّ شفرة خطب الكثير من كلّ الحضور غير أنّ الرهان الأكبر والأخطر لهذه القمة بالإمكان فهمه لدى دولة صاحبة الدعوة والضيافة.
فالعربية السعودية تسابق الزمن منذ سنوات على تحسين شروط تربعها على كرسيّ قيادة النظام الرسمي العربي واحتلال مكانة مرموقة في الساحتين الإسلامية وحتّى العالمية.
ومعلوم أنّ تلك المساعي ليست بالأمر الجديد فهي الرغبة القديمة لآل سعود ونظام حكمها العميل الذي كثيرا ما حاول اقتناص كلّ الفرص واجتهد على تقديم أجلّ الخدمات للكيان الصهيوني ورعاته من القوى الاَمبريالية وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية لحيازة مقود قيادة قوى العمالة والخيانة بالمنطقة.
ومعلوم أنّ الرغبة الجامحة لهذه الأسرة الفاسدة تنامت في السنوات الأخيرة على قاعدة المتغيّرات المتسارعة بالمنطقة، تلك التحوّلات التّي تمّت بقوّة الأساطيل الحربية لحلف الناتو وغيره من قوى العدوان.
فالانهيارات المتلاحقة لبعض أنظمة الممانعة أو الصمود والتصدّي كما عرف فتح شهيّة دويلات البترودولار العربي لاحتلال موقع الريادة وتطويع المنطقة بطريقة وقحة في خدمة مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني والقوى الإمبريالية الأمريكية والغربية على وجه الخصوص.
فلحظة تحقيق حلم “آل سعود” وفق تقديرها للأوضاع العربية والإقليمية وحتّى العالمية أصبحت ملائمة أكثر من أيّ وقت مضى قابلة للتحقيق تحت قيادة وليّ عهد “شاب وديناميكي” مثلما يصفه بعض مثقفي محور التطبيع والخيانة.
فالمنطقة والإقليم وفق تقديرات ساسة صفّ الغدر والخيانة الوطنية والقومية مُوات لتصفية الحساب القديم مع محور المقاومة وطيّ صفحة النضال ضدّ كيان الاحتلال الاستيطاني ومختلف قوى النهب والهيمنة الأجنبية.
ضمن هذا السياق العفن ووفق هذه الحسابات الرخيصة تحركّت الديبلوماسية السعودية مسنودة من كلّ الأنظمة العربية الرجعية والعميلة إلى ترتيب الأوضاع نحو تدشين الحقبة المظلمة للعهد العربي بقيادة “محمد بن سلمان”.
والملفت للانتباه أنّ هذا الأخير حرص مرّة أخرى أولاّ على استضافة القمة ببلاده وثانيا على تذويب مؤسسة “الجامعة العربية” في إطار إسلامي أوسع.
والحقيقة أنّ مثل هذا الدّمج ليس سوى محاولة خبيثة من جهة للهروب من مواجهة الكمّ الهائل من الخصومات المتفاقمة بين الكثير من الدول العربية ومن جهة أخرى نزوع حثيث للاستفادة القصوى من الرصيد الروحي والديني الذي توفره الجغرافيا (مكة) للعربية السعودية ونظام حكمها الذي يريد جمع الكثير من عناصر القوّة لتقديمها ضمن أوراق اعتماده كأفضل خادم ذليل لحاكم “أمريكا” الجديد “ترامب”.
إنّ إلقاء نظرة سريعة على البيان الختامي لقمة “الرياض” الثانية يجعل المرء يقف بسهولة كبيرة على جملة حقائق يصب جميعها في الانهيار الفظيع للنظام الرسمي العربي والهوان الكبير الذي أصاب نظيره الإسلامي.
فالبيان الحالي يكاد يكون نسخة مطابقة للأصل لما سبقه في مؤتمر 11نوفمبر 2023.
وهو تماثل يطال اللغة والمضمون ويشمل بطبيعة الحال غياب أيّ آليات تنفيذ ومراقبة ولا آجال لجملة مطالب مثل وقف العدوان وزيادة الإعانات الإنسانية.
فالإضافة الوحيدة التّي تستحقّ الذكر عما ورد سابقا تتمثل في دعوة هيئات المجتمع الدولي إلى التعامل مع الكيان وفق البند السابع لمجلس الأمن الدولي.
ومن المضحكات المبكيات كما يقال أنّ هذه الإضافة تثير السخرية ذلك أنّ دولة الكيان كانت دوما فوق كلّ محاسبة مهما كانت جرائمها وهي منذ النشأة منفلتة عن كلّ مراقبة مهما كانت الهياكل والأطر.
فدولة الكيان حتّى في جرائمها البشعة طوال عدوانها الجاري لم تبخل عن الاشتباك مع الأمم المتحدة وكلّ هيئاتها الإنسانية.
فهي كالت أشدّ الشتائم وأقذع النعوت للأطر الأممية ومسؤوليها ووصل الأمر بالمندوب الدائم لهذا الكيان المارق بالأمم المتحدة حدّ تمزيق ميثاق الأخيرة أمام كاميرات العالم وفي اجتماع رسمي واصفا المنظمة بمعاداة السامية وناعتا أمينها العام “غوتيرش” بخادم الإرهاب وعميل “حماس”.
لا جديد في مخرجات القمة مثلما توقع كثيرون وهو تأكيد على أنّ لا أمل من هذه الملتقيات وأطرها المختلفة. فجلّ الأنظمة الحاضرة جزء من محور العدوان إن بالانخراط المباشر المقنّع أو بملازمة مربع العجز والخذلان.
والأمل الوحيد مرّة أخرى يظلّ بالأساس في فعل المقاومة الصامدة ومحورها النشيط وثانيا على عاتق شعوب المنطقة والعالم بالرّغم من تراجع أدواره في الانتصار للحقّ تعبئة الساحات الشعبية حول مطالب محدّدة فيها:
أولاّ رفع الأصوات عاليا من أجل الوقف الفوري لهذا العدوان الهمجي ورفع الحصار عن غزة وتسهيل تدفق الغذاء والدواء ومباشرة إعادة الإعمار.
ثانيا الضغط الجماهيري الواسع من أجل محاكمة القتلة على جرائمهم وفرض قطع العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والرياضية مع الكيان المجرم.