الرئيسية / صوت الوطن / جيش الكذّابين
جيش الكذّابين

جيش الكذّابين

بقلم ماهر الزعق

تستخدم الأنظمة الحاكمة جيشا موازيا لا يقلّ خطورة وبأسا وسطوة عن الجيوش الفعلية، مهمّته التضليل ونشر الأوهام وهندسة الأذهان، جيش من الإعلاميين والخبراء والأئمة والمثقّفين والجامعيّين. كلّما تعاظم الاستغلال واستفحل الاستبداد وانتشر الفساد، زادت الحاجة إلى أجهزة القمع كما إلى أجهزة التلاعب بالعقول. بلادنا ليست استثناء، بل إنّ نظام الحكم في أشدّ الحاجة إلى مثل هذا الجيش وإن كان يشتغل بطرق بدائية، مثله مثل المخبرين والمُحقّقين، إلاّ أنّه شديد الضرر، عظيم الأثر، نتحدّث هنا عن جيش الكذّابين.
الأكاذيب أنواع، منها المقنّعة ومنها العارية، هناك أكاذيب قارّة وأخرى عابرة… من الأكاذيب العارية نذكر تلك المتعلّقة بوجود آلاف الأطنان من الأحجار الكريمة مخبّأة لدى الحُكّام السابقين، أو بخصوص حُفرة المطار لتهريب الأموال، أو القائلة بوجود 120 ألف شهادة جامعية مزوّرة… إلخ. قطع العلاقات مع صندوق النقد الدولي هي من الأكاذيب المقنّعة، لأنّ اللقاءات لم تنقطع بين الدولة التونسية وصندوق النهب، كما أنّ إملاءاته تُنفّذ بدهاء ورياء، منها أيضا تلك المُرتبطة بخلاص كلّ الديون الخارجية لبلادنا والحال أنّ الأمر يتعلّق بخلاص حوالي %87 من خدمة الدين لسنة 2023. كذبة أخرى تقول إنّ الرئيس لا يعترف سوى بفلسطين من النهر إلى البحر، في حين أنّ دستور الخليفة ينصّ على شرعية “إسرائيل” وعلى القبول بقرار التقسيم… إلخ. من الأكاذيب القارّة، نجد حديث المؤامرة وفلكلور مقاومة الفساد الذي يشتغل على المظاهر والأطراف دون المساس بالروافع والأسباب… إلخ. هناك حقائق ليست حقيقية، على سبيل الذكر، انخفاض العجز التجاري دون تحديد أنّ هذا الانخفاض ناتج عن تقلّص توريد الموّاد الأساسية والأدوية والمواد نصف المصنّعة وذلك للإيهام بزيادة النموّ وتطوّر التصدير. نكتفي بهذا القدر، فأكاذيب السلطة لا تحصى ولا يتّسع أيّ مجال لعدّها.
الكذّابون أنواع، هناك من يشتغل حصريا على مواقع التواصل الاجتماعي، أكاذيب هؤلاء عارية ووجوههم غائبة، هم بلا وجوه وربّما بلا وجود، ينشرون الأراجيف بحِرفيّة والإشاعات بمنهجية، يشتمون كلّ معارض ويشهِّرون بأيّ مشكّك، لا يطالهم مرسوم ولا يحاسبهم قانون، يريدون الظهور بمظهر الجيش العرمرم، يعوّلون على سرعة التصديق لدى العامّة ذوي النفوس المهزومة والقلوب المكلومة، الذين لا رغبة لهم ولا قدرة لديهم على التثبّت من المعلومات، يراهنون على تماهي الفرد مع الأغلبية، حيث لا يمكن أن يكون الجميع على خطأ. لدينا صنف ثان من الكذّابين، أولئك الذين احتلّوا المشهد الإعلامي التقليدي، الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة، منشّطين ومُعلّقين وخبراء بِلاط، يغالطون دون هوادة ويكذبون بعناد، يكرّرون الأكاذيب بلا حياء، يعاملون المتلّقي بازدراء، يُضلّلونه بالتفاهات والترّهات، يتلّقون المعلومات والتعليمات من منابعها، أي من المخابرات.
سبحان الله، لهم سِحنة واحدة، سِحنة كلبيّة، إذا صادفت أحد بخطم كلبيّ يُمكنك أن تجزم دون مجازفة أنّه من كذّابي السلطة، وجوههم لزجة، لزوجة التملّق والوشاية و”المايوناز”، نظراتهم نظرات غدر وخسّة، كأنّهم فرغوا لتوّهم من وجبة دسِمة وجاؤوا إلى منابر الإعلام ليتجشؤوا حقارتهم الوقحة وحال بالهم يقول، يحقّ لنا أن نكذب، نحن مع البوليس والبوليس مع السلطان وللسلطان كلّ السلطة، غالبا أصواتهم مرتفعة وأوداجهم مُنتفخة، ميزتهم قلّة الحياء و”صِحّة الرُقعة”، كلامهم لكّ وعجن وتخبّط، لا رأس له ولا ذيل، خطابهم سطحي وثقافتهم “ثقافة الوقيد”، ذلك أنّه قبل تدفّق البضائع الصينيّة الزهيدة الثمن، كان الناس يستعملون عُلب الكبريت وعلى قفا كلّ علبة نجد معلومة ما، من نوع، أعلى قمّة في العالم، أغنى رجل على الأرض، مساحة الأرجنتين، أكبر سمكة، أطول امرأة وهلمّا جرّا، ثقافة الكذّابين شبيهة بـ”ثقافة” علب الكبريت.
في ضلّ الحكم الشعبوي، هذه القذارة الحيّة، لا ضمانة لها بالمرّة، يتصدّرون المشهد ردحا من الزمن ثمّ يغادرونه عند أوّل زلّة، عند أوّل بادرة للتفكير أو محاولة للتفرّد، بعضهم يختفي للأبد والبعض الآخر يعود أكثر قذارة وأشدّ حُمقا، هؤلاء الأفّاقين لا يُطيقون الحياة دون تملّق ولا يعيشون دون سيّد، ينطبق عليهم تمام الانطباق ما قاله أحمد فؤاد نجم مُخاطبا المُخبرين بقوله “إنتو دُود الأرض والآفة المُخيفة، إنتو ذرّة رمل في عينين الخليفة، إنتُو كرباج المظالم والمآسي، إنتو عِلّة في جسم بلدي، إنتو جيفة”. وعلى هذا وذاك فإنّ إلحاق الهزيمة بجيش الكذّابين هي مهمّة لا تحتمل تردّد ولا تأجيل.

إلى الأعلى
×