الرئيسية / عربي / لبنان: المفاوضات الملغومة والعدوان الواسع
لبنان: المفاوضات الملغومة والعدوان الواسع

لبنان: المفاوضات الملغومة والعدوان الواسع

بقلم عمار عمروسية

أعاد الإعلام الصهيو-أمريكي منذ أيّام قليلة تشغيل أسطوانة الدعاية المسمومة لاقتراب انتهاء العدوان الإجرامي على “لبنان” الشقيق.
فمسار المفاوضات على هذه الواجهة وفق الناطق الرسمي للبيت الأبيض في تصريح أوردته قناة الـسي آن آن، ورد به “إيقاف الحرب في متناول اليد…” أمّا في هيئة الإعلام الصهيوني والقناة 12 “فالمسار التفاوضي في خواتمه الإيجابية…”.
على هذه الشاكلة وضمن حملة إعلامية وسياسية واسعة سعت جميع مراكز نفوذ قوى العدوان إغراق شعوب المنطقة والعالم بجرعات آمال زائفة لخفض يقظتهم حيال همجية الكيان وسياساته التوسعيّة العدوانية.
فآلة التقتيل العشوائي والتّدمير المنهجي رفّعت من سرعة دورانها دون أدنى اعتبارات وضوابط.
فالقصف الجوّي بمختلف أنواع الصواريخ والقنابل بما فيها التّي زنتها طنّا أو تلك الفوسفورية تُرمى تقريبا على كافّة الجغرافيا اللبنانية بما فيها العاصمة “بيروت” ومدن وبلدات الشمال.
ووتائر القصف في تصاعد كبير ومجالات المجازر في اتساع حيث طالت المدنيين من خارج ما يعرف بالحاضنة التقليدية لحزب الله ووصلت الكلّ اللبناني والفلسطيني.
فالجميع وفق المنظور الصهيوني أهدافا للتصفية مثلما حصل بمنطقة “الكولا” أين تمّ اغتيال البعض من مناضلي “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” أو “برأس النبع” حيث تمّ يوم 17 من الشهر الجاري اغتيال السيد “محمد عفيف” المسؤول الإعلامي لحزب الله.
تسقط أرواح المدنيين في كلّ بلدات ومدن “لبنان” من الجنوب إلى الشمال وتطال التصفية حتّى قادة “حزب الله” غير العسكريين والأمنيين (محمد عفيف) إلى جانب كلّ قوى المقاومة مثل قصف مقرّ “حزب البعث العربي الاشتراكي” أو محاولة اغتيال أحد قادة “الجماعة الإسلامية” بقلب “بيروت” (دار الياس).
في مثل هذه الأجواء وضمن دخول جيش الكيان ما أسماه “المرحلة الثانية “من محاولات غزوه للبنان وجنوبها ترتفع أصوات المعتدين كذبا باقتراب ساعة الهدنة ووقف الحرب دون مجرّد معرفة موقف الدولة “اللبنانية” و”حزب الله” من مسودّة الاتفاق!!!
أفظع من ذلك فالورقة التّي تسلّمها رئيس مجلس النواب السيّد “نبيه برّي” من قبل سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن سوى ثمرة تفاهمات صهيونية – أمريكية وهي من هذه الزاوية ليست سوى مشروع مسودّة الأمر الذي يقتضي بالضرورة افتراض إمّا قبولها كما هي أو تقديم ملاحظات تفسيرية حول بعض بنودها دون غلق الباب أمام إمكانية رفضها بالمطلق.
الكيان النازي و مايسترو العدوان -أمريكا – أعدّا الاتفاق بينهما دون إطلاع الطرف الثاني المعني وقفزا فوق “عاموس اوكستين” مبعوث “بايدن” وماسك هذا الملف وانطلقا لقيادة حملة علاقات عامّة بالمنطقة مع ضجيج كبير حول “التهدئة والسلام”.
في عرفهما القائم على ثنائية من جهة الشعور بالتفوّق والاستعلاء ومن جهة أخرى على نظرية إنهاك “العدّو في نفق المفاوضات العبثية بهدف ربح الوقت وتحقيق منجزات ما عجز الميدان عن توفيرها.
وفوق هذا هما (الأمريكان والكيان) يديران التفاوض بالنّار وتحت النّار بهدف مزيد الضغط على المقاومة والدولة والشعب من أجل انتزاع تنازلات تضمن المصالح الأمريكية وأهداف الكيان التوسعية حتّى تكون مداخل ومنطلقات لصياغة أولا ملامح “لبنان” الخاضع والفاقد لسيادته وثانيا التقدّم في وضع حلمهما بشرق أوسط جديد خلو من مقاومته الوطنية وحراك شعوبه نحو الانعتاق والتّحرّر.
إنّ تعاطي قوى العدوان مع مشروع التسوية المقدّم يكشف مرّة أخرى أنّ حيثيات كثيرة ممّا يحيط بهذا المسار ليس سوى استعادة وقحة لعبثية المسلسل الطويل الذي عرفه قطاع “غزّة”.
فكلّ التسويات والصفقات هناك رغم مرونة المقاومة وتعاطيها الإيجابي معهما انتهت إلى حلقات فشل ذريعة نتيجة ألاعيب “نتانياهو” وتمترسه وراء خيار القوّة لتحقيق وهم النّصر المطلق.
فمسودّة هذه الأيّام وفق ما رشح عنها لا يمكن أن تكون سوى بداية لوضع إطار للتفاوض وهو ما عبّر عنه السيّد “نبيه برّي” المكلّف بإدارة هذا الملّف وفق تفويض معلن من قبل “حزب الله”.
والورقة التّي ما زالت محلّ تدارس الأخير كانت محلّ تعاطي إيجابي من قائد المقاومة السياسية وفق توصيف أمين عام “حزب الله” السيّد “نعيم قاسم”.
فرئيس مجلس النواب اللبناني وصاحب التاريخ الطويل في إدارة شتّى أنواع المفاوضات على الواجهتين الداخلية والخارجية قال “حظوظ نجاح الصفقة وفشلها متساوية…” وأضاف “هناك نقاط نودّ إيضاحات حولها وأخرى نودّ استفسارات بصددها…”.
فالمقاومة لم تكن في أيّ يوم منذ عدوان 2006 ضدّ تطبيق مضمون قرار مجلس الأمن 1701 وهو نفس الموقف الذي التزم به “حزب الله” مع الأمين العام الشهيد “حسن نصرالله” واستمرّ مع خلفه.
فالحزب منسجم مع الدولة اللبنانية في هذا الموقف مع رفض ليس فقط أيّ توسّع في تأويل مضمون القرار الأممي وإنّما أبسط إضافات وملاحق لذاك القرار.
فكلّ المعطيات التّي ترافق الجدل الإعلامي والسياسي تؤكد بأنّ الورقة المقدّمة تجمع في تفاصيل بنودها نزوعا أمريكيا-صهيونيا للجمع بين التأويل الاعتباطي للقرار (نزع سلاح حزب الله، التضخيم من دور القوات الدولية – اليونيفيل، حقّ الدفاع عن النفس…) والتعديلات بما تعنيه من إضافات (آليات التنفيذ واللجنة الدولية، حرّية عمل القوات الصهيونية كلّما كان الأمر ضروريا…).
فالأمر الأكيد أنْ مثل هذه النقاط تمثل حقل ألغام من شأنه أن يعصف بجميع أشكال الحوار وهي بالأكيد لن تكون محلّ قبول لا من المقاومة ولا من لبنان الرسمية ولا حتّى الأغلبية الساحقة من الشعب رغم كلفة التضحيات المرتفعة.
فالكيان وشريكه في العدوان منحا لنفسيهما مكاسب ومنجزات تجعلهما في موقع المنتصر وضمنا لنفسهما من خلال ما أسمياه لجنة دولية متكونة من بريطانيا وفرنسا وضع “لبنان” تحت الوصاية الاستعمارية مع إطلاق يد عصابات الجيش الصهيوني لخرق السيادة الوطنية برّا وبحرا وجوّا بعد القضاء على سلاح المقاومة والتّخفي وراء أكذوبة تعزيز تواجد الجيش اللبناني المتحكّم في تسليحه وأعداده وضباطه المشرفين بما يتركه مثل حاله اليوم كالخرفان أمام بطش العصابات الصهيونية إذ بلغ حتّى اليوم عدد شهداء المؤسسة العسكرية 12 شهيدا دون أن يتمكن أحدهم من إطلاق رصاصة واحدة من سلاحه.

إلى الأعلى
×