الرئيسية / عربي / المقاومة تفجّر التناقضات وتفرض المعادلات
المقاومة تفجّر التناقضات وتفرض المعادلات

المقاومة تفجّر التناقضات وتفرض المعادلات

بقلم علي البعزاوي

أكثر من أربعمائة يوم تمرّ على اندلاع العدوان الامبريالي الصهيوني ضد المقاومة الفلسطينية الباسلة وأكثر من ستين يوما على العدوان على لبنان، والمقاومتان تسجلان أروع آيات الصمود وتوجهان للعدوّ، كلّ من موقعها، الضربات تلو الأخرى باثّة الريبة والتردد لدى طيف واسع من الصهاينة الذين باتوا يشعرون بالخيبة واهتزت ثقتهم في جيشهم “الذي لا يقهر” رغم ما يمتلكه من أسلحة فتاكة ومتطورة لم تنجح إلى حد الآن إلا في تفجير المباني والمنشآت المدنية وتقتيل الأبرياء بوحشية منقطعة النظير، ما فرض على محكمة الجنايات الدولية إصدار مذكرتي اعتقال في حق رئيس وزراء الكيان ووزير دفاعه المقال بسبب ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

شعوب العالم تنتصر للقضية

أولى التناقضات الهامة التي فجّرتها المقاومة هو التناقض بين الامبريالية والصهيونية من جهة وحركة التحرر الوطني للشعوب من جهة أخرى. كل شعوب العالم باتت على يقين اليوم بأن الامبريالية والصهيونية تمثلان خطرا، ليس على الفلسطينيين واللبنانيين أصحاب القضية المباشرة فقط، بل على الدول والشعوب أيضا. إن السلم والأمن الدوليين والتعايش والتعاون والتآخي بين الشعوب الحرة والمستقلة غير ممكنة في ظل الهيمنة الامبريالية والصهيونية. فالإمبريالية وذراعها الصهيوني تشعل الحروب وتثير النعرات الطائفية والعرقية والدينية وتصادر ثروات ومقدرات الشعوب. فالإمبريالية الأمريكية تستحوذ على حقول نفط سوريا حيث تقيم القواعد العسكرية، وتستغل البترول والغاز الخليجي وتهدد الدول التي تتمسك بسيادتها واستقلالها والتي تجرؤ على قطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني بسبب العدوان على غزة ولبنان. وهي من يتولى تصدير الأسلحة إلى مناطق التوتر حيث تشعل الحروب سواء مباشرة أو بصورة غير مباشرة (أوكرانيا – فلسطين المحتلة حاليا وأفغانستان والعراق وسوريا وصربيا سابقا…). لهذا نزلت الشعوب في الدول الغربية إلى الشوارع لمساندة الفلسطينيين واللبنانيين ونددت بالإمبريالية وبحرب الإبادة التي تشنها عبر وكيلتها الصهيونية لاجتثاث المقاومة وفرض أجنداتها على المنطقة والعالم وطالبت بإيقافها وبالكف عن إرسال الأسلحة وصولا إلى المطالبة بوقف التعاون الأكاديمي مع جامعات الكيان النازي.
إن الحرب على الفلسطينيين واللبنانيين هي في الحقيقة حرب على كل الشعوب التي تتوق إلى الحرية والاستقلال والسيادة وإلى التحرر من كل أشكال الاستغلال والتفقير والتجويع. لهذا ترفع هذه الشعوب أصواتها عاليا دون تردد ضد حرب الإبادة دافعة بالتناقص بين الامبريالية والصهيونية من جهة ودول وشعوب العالم من جهة أخرى إلى حدوده القصوى. وفي هذا الإطار أثثت المظاهرات والمسيرات الشعبية والاعتصامات والإضرابات التي اتسعت رقعتها وتزايدت أعداد المشاركين فيها وتنوعت رغم القمع والتضييق والتهديد بالسجن.

الشعوب العربية على الخط

لئن تراجع زخم الاحتجاجات الشعبية المساندة للمقاومة في بعض الدول مثل الجزائر وتونس والعراق … وكانت ضعيفة ومترددة منذ البداية في دول أخرى، المطبّعة منها خاصة مثل مصر وغيرها، فإنها كانت ساخنة بالشعارات التي تطالب بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني وسن قوانين لتجريم التطبيع ومنع وصول السلع والمحروقات إلى الكيان وطرد سفراء الدول المشاركة في العدوان من الأراضي العربية والاحتجاج على زيارات وزراء البيت الأبيض (وزراء الخارجية والدفاع خاصة) إلى جانب تنشيط حملات مقاطعة البضائع القادمة من الكيان الصهيوني أو التي تصدرها شركات ومصانع داعمة له.
لقد نما الوعي بخطر الامبريالية والصهيونية على الشعوب العربية وباتت هذه الأخيرة مقتنعة أيضا بأن أنظمتها العميلة سواء المطبعة مباشرة وفي الوضوح أو التي لها علاقات تجارية وثقافية وإعلامية غير معلنة مع الكيان الصهيوني، إنّ هذه الأنظمة منحازة للصف الامبريالي الصهيوني ولها مصلحة في هزيمة المقاومة وانتصار الكيان الصهيوني. وأنها تمثل خطرا على مصالحها وعلى مستقبل القضية.
هذه الشعوب وبهذا المستوى من الوعي الذي راكمته طيلة سنة ونيف من خلال مساندتها للمقاومة أصبحت أكثر من أيّ وقت مضى مدركة لأهمية وضرورة النضال ضد أنظمتها من أجل فرض الحرية والديمقراطية والسيادة الوطنية باعتبارها الشروط الأساسية التي تساعد على التحرر من الامبريالية والصهيونية وتفتح الطريق أمام انتصار المقاومة. إن طريق التحرر من الصهيونية والامبريالية يمرّ حتما مثلما أكد ذلك الحكيم جورج حبش عبر الإطاحة بأنظمة العمالة والاستغلال وكيلة الامبريالية وخادمة الأجندات الصهيونية في المنطقة. لكن ما يعيق تحقيق هذا الهدف هو حالة موازين القوى بين طرفي الصراع التي ما زالت مختلة لصالح أنظمة الحكم والطبقات التي تدعمها. وهي بحاجة إلى مثل هذه المراكمات حتى تصبح مساعدة على إنجاز المهمة بنجاح.

احتداد التناقضات داخل الكيان الصهيوني

من تداعيات صمود المقاومة في فلسطين ولبنان والإسناد الذي تلقاه من اليمن والعراق، احتداد الصراعات السياسية بين الحكم الصهيوني ومعارضته والتي وصلت حد التراشق بالتهم بما في ذلك الاتهام بالخيانة والإضرار بـ”المصلحة القومية الصهيونية”. واحتداد الصراعات بين المستويين السياسي والعسكري وهو ما دفع برئيس حكومة الكيان إلى إقالة وزير دفاعه الذي أكد في أكثر من مناسبة أن الجيش منهك بعد هذه الحرب الطويلة وأنه لم يعد له ما يفعله في غزة مطالبا بالذهاب إلى اتفاق من أجل تحرير الأسرى الصهاينة.
ومن تداعيات نجاحات المقاومة وصمودها الأسطوري أيضا اندلاع الاحتجاجات الشعبية داخل الكيان للمطالبة بوقف الحرب وعقد صفقة لتبادل الأسرى لإنقاذ حياتهم. وقد ارتفعت أصوات أهالي الأسرى الصهاينة إلى حدّ اتهام رئيس الحكومة نتانياهو بالخيانة وسعيه المحموم إلى مواصلة الحرب دفاعا عن مستقبله السياسي وهو المورّط في قضايا فساد ستؤدي إن عاجلا أم آجلا إلى الزجّ به في السجن.
ورغم نجاح الجيش الصهيوني في أعمال التدمير وقتل المدنيين العزل وضرب كل مقومات الحياة بحثا عن تحقيق انتصار مزعوم يحفظ ماء الوجه فإنه مازال يتلقى الضربة تلو الأخرى في شمال قطاع غزة ووسطه وجنوبه وفي كامل أراضي فلسطين المحتلة. لقد نجحت المقاومة في فرض أسلوبها، أسلوب حرب العصابات وباتت متفوقة رغم قلة وتواضع العتاد. وهي تراكم على طريق تحقيق النصر لكنها بحاجة إلى مزيد الإسناد الشعبي والدعم المادي والمعنوي لأن المعركة في جزء منها هي معركة معنويات.

مع فلسطين ولبنان حتى النصر

الخزي والعار للمطبّعين جهرا وسرا

إلى الأعلى
×