الرئيسية / صوت الوطن / الأزمة السورية وتداعياتها على الوضع في تونس
الأزمة السورية وتداعياتها على الوضع في تونس

الأزمة السورية وتداعياتها على الوضع في تونس

بقلم علي البعزاوي

لا شك أن سقوط النظام السوري المفاجئ ستكون له انعكاسات على أكثر من صعيد وجهة وعلى عديد البلدان ومن بينها بلادنا. التداعيات ستطال محور المقاومة والدول الحليفة لنظام بشار الأسد والوضع الفلسطيني في الضفة وغزة ودول الجوار بما فيها المطبعة مع الكيان خاصة بعد مسارعة الجيش الصهيوني الى احتلال أراضي سورية واقترابه من ريف دمشق وتصريحات رئيس الوزراء ناتنياهو بضم هضبة الجولان نهائيا والحديث عن “إسرائيل الكبرى” في إطار ما يطلق عليه بالشرق الأوسط الجديد، وهو مشروع امبريالي صهيوني وضع منذ زمن بعيد على جدول أعمال الكيان والولايات المتحدة ويعتقد هؤلاء اليوم أن الطريق مفتوح للمضي قدما في تكريسه على أرض الواقع.

التداعيات على تونس

إن ما سنركز عليه في هذا النص هو انعكاسات الوضع في سوريا على تونس خاصة وأن التنظيمات الإرهابية التي تبسط نفوذها على سوريا اليوم تضم بين صفوفها عديد التونسيين والتونسيات الذين وقع تسفيرهم الى سوريا والعراق منذ ما بعد 2011 ومن بينهم قيادات في تنظيم الدولة وجبهة تحرير الشام النسخة الجديدة لجبهة النصرة الإرهابية، إضافة الى من وقع إطلاق سراحهم من سجون سوريا. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل سيعود هؤلاء الى تونس أم أنهم سيخيّرون الاستيطان في سوريا باعتبار الدولة الجديدة دولتهم الى أن يأتي ما يخالف ذلك. لكن من الواضح أن مجاميع الإرهابيين التونسيين ستشهد انتعاشة وستتوسع صفوفها بعناصر جديدة في إطار ما يسمى بالزبائنية السياسية. فالباحثون عن شغل وعن مورد رزق والهاربون من جحيم البطالة سيلجؤون الى الجماعات الإرهابية لقضاء شؤونهم.
اما في الداخل التونسي فمن المنتظر ان تتحرك الخلايا النائمة في المدن والجبال اعتقادا منها أن المرحلة مناسبة للعودة والتأثير في الواقع المحلي والمراكمة على طريق الوصول الى السلطة. ومن المتوقع أن تلقى هذه الجماعات من الأحزاب الدينية المحلية والمجموعات الظلامية المختلفة الدعم والتأييد. وهي مناسبة ربما لا تتكرر لتشكيل جبهة إسلامية هدفها أولا وأساسا الهيمنة على الحكم خاصة بعد أن لاقت الجماعات المنتصرة في سوريا الترحيب من الدول الغربية رغم بعض التحفظات الشكلية التي تخفّ يوما بعد آخر.
إن المجموعات الظلامية قادرة على التأقلم مع متطلبات وشروط التأييد الخارجي. فمحمد الجولاني ظهر على قناة سي-ان-ان-بعد أن وضعوا المساحيق على وجهه وبعد أن ارتدت الصحفية التي أجرت معه الحوار “فولارا” لتسهيل عملية الإخراج وإقناع الرأي العام والمتابعين بأن مثل هؤلاء الإرهابيين يمكن التحكم فيهم وتصويب مواقفهم بما يخدم الأجندا الامبريالية والصهيونية. لقد وظفت الامبريالية الإسلام السياسي للسطو على الثورات العربية والالتفاف عليها ولها تجربة ناجحة في هذا المجال ولا نعتقد أنها ستتردد في الذهاب بعيدا في إسناد هذه المجموعات خدمة لمصالحها المباشرة والبعيدة بعد تعثر الأنظمة العميلة التقليدية في السيطرة على الوضع وتأمين المهمة.

الشعبوية توفّر بيئة ملائمة لانتعاش الإرهاب

إن الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تنتهجها السلطة القائمة في تونس، سياسات التفقير والتجويع والتهميش للأغلبية الشعبية وخدمة مصالح الأقلية الكمبرادورية وكبرى الشركات والمؤسسات الاستعمارية، وسياسات التضييق على الحقوق والحريات ومحاولات إلغاء الوسائط الاجتماعية وسدّ الباب أمام كل أشكال الحوار وغلق وسائل الإعلام العمومي أمام المقاربات والمشاريع المتباينة مع المشروع الشعبوي من شأنها خلق بيئة مواتية للإرهابيين للانتعاش والتأثير وشراء الضمائر خاصة وأن الثقافة السائدة في بلادنا يمكن أن تسهل العمل الدعوي والتحريضي لهؤلاء.
إن تراجع النشاط الحزبي والجمعياتي والتضييق على الإعلام والإعلاميين وغياب النشاط الثقافي والإبداعي التقدمي والوطني وانتشار ثقافة التفاهة والسب والشتم والتشويه والانحلال الأخلاقي وهتك الأعراض من شانها أن تساعد أيضا على بروز الجماعات الإرهابية وتوسع تأثيرها في الشباب والنساء والأطفال وكل الفئات المتضررة من الوضع الحالي باعتبارها البديل المغشوش عن التدهور السائد. هذه الجماعات لها باع وذراع وتجربة ثرية في الاستقطاب والدعاية وكسب الأنصار خاصة بفضل القدرات المادية التي بحوزتها.
إن سد الباب أمام عودة المجاميع الإرهابية وتأثيرها في الواقع يقتضي إطلاق حرية النشاط الحزبي والجمعياتي والإبداع الفكري والثقافي وفتح وسائل الإعلام أمام مختلف المعارضات من سياسيين وخبراء ومبدعين ومثقفين حتى يدلوا بدلوهم في كل ما يتعلق بالشأن العام ويقدموا بدائلهم للمواطنين. ويساهموا في تأطيرهم وتنظيمهم سلميا. إن المقاربة الأمنية القضائية الضيقة غير كافية لأن التجربة أكدت أنها غير كفيلة باجتثاث الإرهاب الذي يتمعش وينمو ويترعرع مثل الأعشاب الطفيلية في بيئة الحرمان والبؤس والتضييق على الحريات واللامساواة. فهل ستجرؤ السلطة القائمة على المضي في هذا المسار الذي يبدو من وجهة نظرها محفوفا بالمخاطر وربما تفضل الحلول الأمنية دون سواها.

دور هام للقوى الثورية والتقدمية

إن القوى الثورية والديمقراطية والتقدمية من أحزاب ومنظمات وجمعيات وفعاليات شبابية ونسائية ومثقفين ومبدعين هي المعنية قبل غيرها بالتدخل ولعب دور هام في التصدي للإرهاب والإرهابيين. وهي مطالبة في هذا السياق بالنضال من أجل خلق واقع جديد ينتصر للحرية والديمقراطية والتعدد ويفتح الطريق أمام الشعب التونسي حتى يلعب دوره من أجل فرض بديل وطني ديمقراطي شعبي وتوجيه البلاد وجهة عصرية تقدمية تخدم الأغلبية الشعبية وتقضي على الاستغلال والتمايز الطبقي والجهوي. وترسي الدعائم الأساسية للدولة الاجتماعية.
إن توفير الشغل اللائق والعيش الكريم والخدمات الأساسية الراقية لعموم المواطنين في ظل دولة قانون ومؤسسات ديمقراطية، دولة تكرس السيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين النساء والرجال وبين مختلف الفئات والجهات وتضمن الحقوق والحريات للجميع حتى يساهم كل من موقعه واختصاصه في نحت البديل المنشود، من شانه توفير بيئة محصنة ضد المشاريع الإرهابية مهما تجلبب أصحابها بالدين وتظاهروا بالورع والتقوى.
وعلى هذه القوى المعنية قبل غيرها بعملية التغيير/الإنقاذ الاستفادة من التجربة القديمة والمبادرة بلعب دورها قبل فوات الأوان. لقد سقط نظام الأسد في سوريا بسرعة البرق، وانتشر الإرهاب الظلامي بين ربوعنا زمن الثورة بنفس السرعة تقريبا وكاد أن يأتي على الأخضر واليابس لولا الدور الذي لعبته القوى الديمقراطية والتقدمية عندما تدخلت لمنع مرور دستور 1 جوان سيء الذكر وأثثت لأجل ذلك المسيرات والاحتجاجات، وعندما تصدت ببسالة للإرهاب التكفيري وهزمته سياسيا وفكريا قبل أن يستفحل ويبسط هيمنته على المجتمع. إن التدخل السريع والمبكر ضروري حتى لا يؤخذ الشعب التونسي على غفلة من أمره.

إلى الأعلى
×