الرئيسية / صوت الوطن / تزامنا مع ذكرى الثورة: الحقوق والحرّيّات في مرمى الشّعبويّة
تزامنا مع ذكرى الثورة: الحقوق والحرّيّات في مرمى الشّعبويّة

تزامنا مع ذكرى الثورة: الحقوق والحرّيّات في مرمى الشّعبويّة

رغم بعض المكاسب التي تحقّقت للتونسيين والتونسيات خلال العقود السابقة وخاصة بعد ثورة 17 ديسمبر 2010 / 14 جانفي 2011، فإنّ مختلف التقارير سواء الدولية أو من مختلف مكونات المجتمع المدني تؤكّد تراجعا متواصلا للحقوق وتضييقا متزايدا على الحريات خاصة بعد الانقلاب واستفراد قيس سعيّد بالسلطة. فأغلب النشطاء والسياسيّين والنقابيّين والصحافيّين ومواطنين أصبحوا ملاحقين اليوم سواء بالتهديد أو بالإحالات على القضاء أو بالسجن. كل هذا في ظل منظومة قضائية غير مستقلة وتشكو بدورها من هيمنة السلطة التنفيذية عليها.

لعلّ من أبرز مؤشرات استهداف أهمّ مكسب ناضل من أجله الشعب التونسي وهو يحيي ذكرى الثورة ما ذكره البيان الصادر عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان هو اسـتهداف الحقوق المدنية والسياسية من خلال إصرار السلطة على تهميش دور الجمعيـات والمنظمـات والأحزاب والتضييق على عملها وتمادي الخطاب الرسمي وبعض الموالين للسلطة في تخوين نشطاء المجتمع المدني واتهامهم بالفساد المالي والتعامل مع الخارج والزجّ بعديد النُشطاء المدنيّين ومن القيادات السياسية في السجن بتهم خطيرة لمدّة قاربت السنتين، وذلك دون محاكمة حتى هذا التاريخ، إضافة إلى الإصرار على تنقيح المرسوم 88  لسنة 2011 المنظم للجمعيات بتعلات واهية، وذلك لتمكين السلطة التنفيذية من السيطرة على المنظمات والجمعيات وتقييد نشاطها والتضييق على حرية الرأي والتعبير من خلال إيقاف مواطنين ومدوّنين وصحافيّين وناشطين مدنيّين، بسبب آرائهم، وذلك بمقتضى قوانين ومراسيم زجرية معادية لحقوق الإنسان، أبرزها المرسوم 54 الذي تطالب كل القوى المدنيّة بضرورة إلغائه. هذا مع ما يُلاحظ من اعتماد السلطة المعاملة بمكيالين لفائـدة أنصارها الذين يبقون بمنأى عن كلّ عقاب بسبب صمت النيابة العمومية أو إهمال القضايا المرفوعة ضدّهم.
كما ذكّرت الرابطة بتعدّد مظاهر تدخّل السلطة التنفيذية في سير العمل القضائي والسّعي إلى توظيفه وتهميش دور المجلس الأعلى للقضاء ومحاولات تركيع القضاة بأساليب مختلفة، وهو ما يفسّر تحوّل القضاء في مناسبات عديدة إلى أداة لتصفية الخصوم السياسيين، كما جرى خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وتتالي الإجراءات الرامية إلى وضع اليد على المؤسسات الرقابية ذات الصلة بالإعلام والانتخابات ومحاربة الفساد، وتواصل عدم القدرة على ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، ومنها العجز عن ضمان الشغل لآلاف العاطلين عن العمل والحدّ من تزايد نسب التضخم والنسق الجنوني لارتفاع الأسعار. هذا إلى جانب إصرار السلطة الحاكمة على تهميش الحـركات الاحتجاجية المطالبـة بالحق في الشغل والكرامة الإنسانية والرافضة للاستغلال وللوعود الكاذبة بتسوية أشكال التشغيل الهشّ واستمرار تهميش القطاع الفلاحي وتجاهل الدولة نداءات استغاثة الفلاحين ضحايا شحّ المياه والفيضانات والحرائق وغلاء أسعار المواد الأولية والأدوية الفلاحية واحتكار الأعلاف، إضافة إلى عجز الحكومة عن التصرّف حتى عند وفرة الإنتاج، والتضييق على حقّ العمل النقابي وهرسلة النقابيّين والنقابيات وكيل التّهم لهم بالفساد والتخوين والملاحقات القضائية، وتواصل عدم ضمان حقوق الفئات الهشة والأقليات والمساواة بين المواطنين والمواطنات وارتفاع منسوب العنف ضدّ المرأة مع عدم العمل على تطبيق القوانين الحامية لها وتوسّع الخطاب العنصري والمعاملة السيئة واللاّإنسانية تجاه المهاجرين غير النظاميّين.

جيلاني الهمامي

الجيلاني الهمامي: أوضاع الحرّيّات وحقوق الإنسان في أسوأ حالاتها اليوم

في تصريحه لـ”صوت الشعب”، قال مناضل حزب العمّال الجيلاني الهمامي إنّ أوضاع الحريّات وحقوق الإنسان في أسوأ حالاتها اليوم. مضيفا “أكاد أجزم أنّ هذه القناعة باتت عامة لدى عموم المهتمين بالشأن العام، حتى أنصار نظام الحكم وأتباع الشعبوية ليس بمقدورهم الإصداع بغير هذا الموقف لأنّ معطيات الواقع كثيرة ومتعدّدة بشكل لا تسمح لأيّ كان غير الاعتراف بهذه الحقيقة”. 
الهمامي اعتبر أنّ إحياء ذكرى صدور الميثاق العالمي لحقوق الانسان يوم 10 ديسمبر الجاري وإحياء ذكرى اندلاع أحداث الثورة في تونس قبل 14 سنة يأتي في وضع شبيه بسنوات ما قبل 17 ديسمبر 2010. بل إنّ الأوضاع تراجعت عمّا كانت عليه في تلك الفترة. لقد تحوّل القمع وانتهاك الحريات واستعمال القوانين والمراسيم وأجهزة البوليس والقضاء إلى نظام حكم على غرار ما كان في عهد بن علي وبورقيبة من قبله. ومنذ انقلاب 25 جويلية 2021 انطلقت عملية ردّة شاملة في مستوى التشريعات والمؤسّسات والممارسة نسفت في العمق ما أحرزه الشعب التونسي بعد نضال مضني وتضحيات جسام من حريات وحقوق سياسية ومدنية واقتصادية واجتماعية. لقد تمّ التراجع عن كلّ تلك المكتسبات في مجال التعبير والتنظّم والنشاط والاحتجاج والسفر والتنقّل وفقدت حرمة المسكن والمراسلة معناها بما أنّ البوليس والقضاء عادا لدوسها دون أدنى رادع. 
وفي هذا السّياق أضاف محدّثنا بأنّ المحاكمات تعدّدت بعنوانين متنوّعة، التآمر أو الفساد أو فعل موحش ضدّ الرئيس. وأصبحت الإحالات والإيقافات بمقتضى المرسوم 54 والفصل 24 منه خاصة من أكثر الحالات التي ذهب ضحيّتها ناشطون سياسيّون ومعارضون وصحفيّون ومدوّنون ونقابيّون ونشطاء في الحركة الاحتجاجية وشباب ناشط على الشبكة. والجديد في ذلك هو تولّي القضاء العسكري الانتصاب في قضايا مدنيّة لا صلة لها به. 
كما أكّد الهمامي أنّ قيس سعيّد تقدّم شوطا كبيرا في وضع منظومته وفق رؤيته الشعبوية ومن المنتظر أن يستكمل ذلك بما تبقّى من الإجراءات التعسفية والانغلاق السياسي العام وعلى رأس هذه المهمات إلغاء الأحزاب والجمعيات وكافة الأجسام الوسيطة، ومن المؤشرات على ذلك التهجمات التي عادة ما تكون منطلقا لحملات مبرمجة ضدّ الخصوم وضدّ قانون الجمعيات وضدّ الاتحاد العام التونسي للشغل المستهدف هو الآخر وضدّ الأحزاب وضدّ كلّ من يُعتبر لا فقط مناهضا للمنظومة وإنما أيضا من لم يعبّر عن شواهد الإخلاص والانسجام معها. وهذا الانغلاق بصدد توتير الأجواء وتعفينها وينتج عن ذلك مزيد الاحتقان نلمسه في أوساط النخبة كما في الأوساط الشعبية. وقد عادت مسألة الدّفاع عن الحريات العامة والخاصة إلى صدارة الاهتمامات العامة وبدأت تمثل واجهة أساسية في النضال تتقدم في بعض الحالات عن المطالب الاجتماعية والاقتصادية. ومن المؤكّد أنّ هذا الاحتقان من شأنه أن يمهّد الأجواء لانفجارات لا يملك لا سعيّد ولا غيره منعها أو التحكّم فيها. هذا درس من دروس التاريخ الكبرى التي عامة ما يتعامى من هُم في سدّة الحكم عن إدراكه. 

جيهان اللواتي

جيهان اللواتي: الواقع الصّحفي اليوم يعيش تحت تهديد الملاحقات القضائيّة

إنّ واقع الحريات في عهد الشعبوية قد شهد انحرافات خطيرة لم تحدث سابقا حتى في عهد الديكتاتورية، ولعلّ سجن 5 صحافيّين بسبب آرائهم ومواقفهم وانتمائهم للمهنة الصحفية خير دليل، وفي هذا الإطار اعتبرت جيهان اللواتي عضوة المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيّين التونسيّين في تصريحها لـ”صوت الشعب” أنّ تونس قد شهدت تراجعا كبيرا في حرية التعبير والصحافة حيث عمدت السلطة إلى مضايقة واعتقال ومحاكمة الصحفيين والنشطاء والمعارضين السياسيّين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بتهم تتعلق بحرية التعبير حيث أنّ السلطة التنفيذية لا تعترف بالدور المدني والديمقراطي للصحافة وترى أنّ وظيفتها فقط نقل الخبر وحفظ الذاكرة.
واعتبرت اللواتي أنّ الواقع الصحفي يعيش تحت تهديد الملاحقات القضائية ممّا تسبّب في خلق حالة من الخوف في غرف التحرير وحالة من الصنصرة الذاتية لدى عدد من الصحفيات والصحفيّين ومحاولات متكررة لوضع اليد على الإعلام العمومي.
فضلا عن هشاشة التشغيل في القطاع، نجد الأجـور متدنّية مع غياب التغطية الاجتماعيّة وتفاقم حالات الطرد والإحالة القسريّة على البطالة للصحفيّين وعدم صرف الأجور إلى جانب الفوضى التي تعمّ المشهد الإعلامي في تغييب قصدي ومتعمّد للهيئة العليا للاتصال السّمعي البصري، الجهة العاملة على التعديل الذاتي ممّا أضرّ بمصداقية الإعلام لدى الرأي العام.
وأكّدت محدّثتنا أنّ واقع الحريات لا يمكن أن يتعزّز في مناخ يسوده الفقر والتّهميش وحجب المعلومات والتّضييق على النّفاذ إليها وغياب النّقـاش العام في البلاد وتغييب البرامج السّياسيّة في وسائل الإعلام العموميّة المموّلة مــن دافعي/ات الضرائب ممّا يحرمهم/ن من حقّهم/ن في فهم كيفيّة إدارة دواليب الدّولة وسياساتها العامة. فلقد بات لـدى الصحفيّيـن/ات وهياكلهم المهنية قناعـة بأنّ الهدف واضح وهو التشفّي والتّنكيل بكلّ صحفـي/ة يسـمح لنفسـه بالخـوض فـي مواضيع حارقة تشغل الرّأي العام أو لمجـرّد التّعـرّض إلـى أيّ مسـؤول فـي الدولة وانتقاد أداء بعض الوزراء.

أحمد صواب

أحمد صواب: الشّعبويّة نسفت جميع الأجسام الوسيطة منذ الانقلاب الدّستوري

في تعليقه على واقع الحرّيّات وتزامنا مع ذكرى الثورة، قال القاضي السابق بالمحكمة الإدارية أحمد صواب في تصريحه لـ”صوت الشعب” إنّ عموم التقدّميّين في تونس ليس لديهم أفضلية بين أصناف الحقوق سواء بين مختلف أجيال المناضلين أو من ناحية الصنف (حقوق: اجتماعية، سياسية، اقتصادية، بيئية) بل جميع هاته الحقوق هي في نفس المرتبة. واليوم أصبحت بعض من هاته الحريات (حرية التعبير والصحافة والاجتماع والتظاهر…) في وضعية صعبة جدّا، موضّحا أنه وبالنظر إلى المحاكمات السياسية اليوم ونسف حقوق المساجين السياسيّين خاصة منها قرينة البراءة مقابل إقرار مبدأ الإدانة اليوم أصبح الإيقاف التحفظي هو القاعدة كما أنّ عدد من الإيقافات اليوم خرقت الفصل 85 من المجلة الجزائية الذي نصّ على أسباب وظروف أخذ قرار الاحتفاظ التحفظي. وأضاف صواب أنّ الإعلاميين والصحافيّين المسجونين اليوم على غرار مراد الزغيدي وشذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب وسنية الدهماني وغيرهم يتعرّضون إلى الانتهاكات. بل إنّ هناك موقوفين ومنذ أكثر من سنة لم يستمع إليهم قاضي التحقيق ولم ينظر في ملفهم.
صواب اعتبر أيضا أنّ الحقوق البيئية اليوم ليست في وضع جيّد بل إنّ كلّ المتابعين لوضعية بعض المناطق (شطّ السلام…) وإجراءات الحكومة (الهيدروجين الأخضر، الفسفاط…) يلحظ ذلك، ونفس الحال ينسحب على الحقوق الاقتصادية وذلك مقارنة بالأرقام المتعلقة بالتنمية التي أصحبت في وضع أقلّ من فترة بن علي.
وفي ذات السياق، أكّد صواب أنّ الشعبوية التي انطلقت منذ الانقلاب الدستوري قد نسفت جميع الأجسام الوسيطة فلا يوجد مجلس أعلى للقضاء ولا توجد محكمة دستورية والهيئات الدستورية جميعها تم نسفها، أمّا الأحزاب والمعارضة والمجتمع المدني فحالهم معلوم لدى الجميع، ومقابل كلّ هذا لا يوجد سوى قيس سعيّد وشعبه الذي لا يتجاوز عشرة بالمائة.

بسام الطريفي

بسام الطريفي: هناك تراجع ملحوظ في مستوى الحقوق والحرّيّات

بمناسبة الذكرى 76 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، قال بسام الطريفي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في تصريحه لـ”صوت الشعب” إنّ هناك تراجعا ملحوظا على مستوى الحقوق والحريات، طالت الحقوق المدنية والسياسية. فالسلطة مصرّة على تهميش دور الجمعيات والمنظمات والأحزاب وثنيها عن أداء عملها، كذلك فقد تمّ الزّجّ بعديد النشطاء المدنيّين والسّياسيّين في السجن إضافة إلى الإصرار على تنقيح المرسوم عدد 88 بما يضيّق على مجال العمل المدني والجمعياتي، مضيفا أنه هناك أيضا تضييقا على حرية الرأي والتعبير اعتمادا على المرسوم 54، حيث تمّت مقاضاة عديد الصحافيّين وعدد منهم يقبعون في السجون إضافة إلى مواطنين عبرّوا عن رأيهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
أمّا على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أضاف الطريفي أنّ هناك تدهورا في المقدرة الشرائية للشعب التونسي وللمرافق العامة التي من المفروض أن تقدّم خدمات مجانية للمواطنين على غرار الصحة والنقل والتعليم إضافة إلى غياب التنمية وغياب الآفاق والآمال للشعب التونسي الذي أصبح أغلبه يسعى إلى مغادرة البلاد بكلّ الطرق هربا من الواقع السياسي والاقتصادي.

إلى الأعلى
×