أكّد التقرير السنوي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لسنة 2024 على التراجع الملحوظ في وضع الحريات العامة والفردية في تونس مقارنة بسنة 2023، حيث شهدت عديد القطاعات والفئات عديد الانتهاكات سنة الانتخابات التي من المفروض أن تكون سنة انفراج سياسي وفتح المجال للحوار السياسي والاقتصادي والاجتماعي لطرح مختلف البرامج لكي يستوعب المواطن البدائل المقترحة من قبل القوى السياسية حتى يتمكّن من تحديد موقفه واختيار البرنامج الذي يرى فيه خلاصا لأوضاع البلاد المتأزمة. لكن العكس هو الذي حصل حيث أكّد تقرير الرابطة في الصفحة السادسة “… تحوّلت سنة 2024 إلى تصفية ما تبقّى من مكاسب الحريات العامة والفردية بتوسّع دائرة الانتهاكات لتشمل في مرحلة أولى حرية الرأي والتعبير باستهداف الصحفيين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل معمّم، ثمّ في مرحلة ثانية أكثر انتقائية شملت الجمعيات المدنية خاصة منها الناشطة في مجال التضامن مع المهاجرين لتنتهي في مرحلتها الأخيرة إلى انتهاك حق المنافسين المحتملين على الانتخابات الرئاسية حسب درجة الجدية للمترشحين…”.
في المجال الإعلامي أصدرت المحاكم التونسية خلال سنة 2024 سبعة (7) أحكام بالسجن في حق صحفيين ومعلّقين ولم تتمّ هذه الأحكام على معنى المرسوم 115 المنظم لمهنة الصحافة، بل تمّت على معنى قوانين زجرية مثل قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال ومجلة الاتصالات والمجلة الجزائية والمرسوم 54 سيّء الذكر. وقد سجّلت النقابة الوطنية للصحفيين 231 اعتداء على الصحفيين والمراسلين والمصوّرين في تقريرها السنوي الصادر بتاريخ 3 أوت 2024.
شهدت مرحلة الانتخابات الرئاسية عددا من الخروقات، خاصة من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المؤتمنة على نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، حيث تحوّلت هذه الهيئة طبقا لما ورد في بيان النقابة الوطنية للصحفيين بتاريخ 1 أوت 2024 إلى “… جهاز رقابة على الآراء الحرة والمضامين الصحفية ممّا يتعارض مع صلاحياتها ويتناقض مع أحكام الدستور والمعايير الدولية في مجال حرية الصحافة والتعبير”.
كما رفضت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تنفيذ قرارات الجلسة العامة للمحكمة الإدارية بإرجاع ثلاثة مرشحين للسباق الرئاسي.
كما صادق “مجلس النواب” يوم 27 سبتمبر 2024 في جلسة استثنائية، حوالي أسبوع قبل الانتخابات، على مشروع قانون أساسي يتعلق بتنقيح بعض أحكام القانون الأساسي عدد 16 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء، حيث تمّ تنقيح الفصل 46 بإضافة فقرة جديدة تنصّ على أن يكون الطعن في قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من قبل المترشحين المقبولين أمام محكمة الاستئناف بتونس عوضا عن المحكمة الإدارية.
وشهدت أيضا سنة 2024 ارتفاع وتيرة الاعتقالات في صفوف السياسيّين من رؤساء أحزاب وغيرهم ممّن يمثّلون مرشحين مفترضين في الانتخابات الرئاسية بتهم مختلفة منها التآمر على أمن الدولة أو الإساءة إلى موظف عمومي أو ترويج أخبار زائفة أو تزوير تزكيات.
كما شهد المجتمع المدني انتهاكا للحقوق المدنية والنقابية حيث طالت الاعتقالات والملاحقات القضائية العشرات من النقابيين والصحفيين والمحامين وممثلي جمعيات ومنظمات إضافة إلى الضغط على المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة والتي كانت من العوامل المساهمة في خفوت صوت المجتمع المدني وتراجع نشاطه.
كما تعرّض تقرير الرابطة إلى الانتهاكات التي عرفها المرفق القضائي وهو ما حدّ من استقلاليته وعطّل دوره في إنجاز العدالة للجميع دون تمييز طبقا للقانون وللمواثيق الدولية. ولقد تعرّض رئيس جمعية القضاة التونسيّين للملاحقة القضائية كما تمّ منعه من السفر للمشاركة في الاجتماع السنوي للمجموعة الإفريقية للاتحاد الدولي للقضاء. ولقد طالت الانتهاكات أيضا قطاع المحاماة الذي تعرّض إلى محاكمات كيدية وإجراءات تعسفية وضرب لحق الدفاع واستقلالية القضاء، حيث تعرّض عدد من المحامين لتتبّعات قضائية دفعت الفرع الجهوي للمحامين بتونس إلى إعلان الإضراب العام. إضافة إلى اقتحام دار المحامي بطريقة وحشية في مناسبتين متتاليتين، الأولى بمناسبة اختطاف المحامية والإعلامية سنية الدهماني والثانية بمناسبة القبض على المحامي مهدي زقروبة. وورد في تقرير الرابطة أنّ وزارة العدل عمدت مؤخرا إلى التضييق على عمل المحامين وخاصة فيما يتّصل بعدم تمكين بعضهم من حق الاطّلاع على الملفات وزيارة موكّليهم.
تواصلت أزمة المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء نتيجة للاتفاقيات الأوروبية التونسية التي جعلت من تونس حارسا للحدود الأوروبية مقابل بعض اليوروات، ورد في تقرير الرابطة بالصفحة 58 ما يلي “… وهكذا فإنّ الاتفاقيات الأوروبية التونسية وممارسات السلطة المحلية قد انتهكت حقوق المهاجرين وحوّلت تونس إلى (سلة للمهاجرين)…”.
وتطبيقا للمرسوم عدد 54 لسنة 2022 طالت الانتهاكات حرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي وملاحقة بعض المدوّنين ومقاضاتهم بتهم مختلفة مثل ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية، توزيع وإرسال أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة، رسم كاريكاتوري لزعيم دولة مطبعة، إلى غير ذلك من التهم وتراوحت الأحكام فيها بين ثلاثة أشهر وسبع سنوات سجنا.
كما تمّ التضييق على التظاهر السلمي والاحتجاج المواطني حيث تمّت محاكمة أربعة مواطنين من فلاّحي قرية “البحرين” من ولاية سليانة لاحتجاجهم مع بقية أهالي البلدة على أشغال حفر بئر عميقة جديدة لفائدة مستثمر، ومحاكمة مواطنة من طبرقة لمشاركتها في وقفة احتجاجية من أجل المطالبة بتزويدهم بمياه الشرب.
وختمت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تقريرها السنوي لسنة 2024 بعديد التوصيات وبمطالبة المجتمع السياسي من أحزاب وائتلافات والمجتمع المدني بمكوّناته الحقوقية والنسوية والنقابية والثقافية والتنموية إلى تكثيف جهود التشبيك والعمل المشترك السلمي من أجل الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية التي باتت مهدّدة أكثر من أيّ وقت مضى، ودعت السلطات التونسية إلى:
- الإفراج الفوري غير المشروط عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان والمعتقلين الذين يقضون أحكاما على خلفية ممارسة الحق في حرية التعبير والتنظم والترشح والعمل المدني التضامني.
- إلغاء كافة التشريعات التي تتعارض مع قواعد حقوق الإنسان وخاصة المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال.
- ضمان حق الاحتجاج الفردي والجماعي بالتجمع والتظاهر والاعتصام بطرق سلمية.
- ضمان حق النشاط المدني للجمعيات والمنظمات الوطنية والمدنية والمهنية بتطبيق المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات.
- احترام حق الأقليات العرقية والدينية والجنسية في ممارسة حقوقها الفردية والجماعية دون تضييق.
- ضمان حق العمل اللائق دون تمييز وتسوية وضعيات التشغيل الهش وإسناد منحة بطالة لمستحقيها.
- المصادقة على الاتفاقية الدولية عدد 189 لسنة 2011 لمنظمة العمل الدولية بشأن العمل اللائق للعمال المنزليّين.
- احترام حقّ النشاط النقابي لكل العاملين مهما كانت وضعيتهم المهنية بما في ذلك الحق في الإضراب والحق في التفاوض من أجل تحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية دون قيود.
- الكفّ عن خطابات التحريض ضد المهاجرين من جنوب الصحراء والتكفل بمن هم في وضعية هشاشة.
- المصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لسنة 2003.
- تطبيق اتفاقية جينيف خاصة في فصلها الأول حول وضع اللاجئين وفي فصلها 33 الذي يؤكد على منع الترحيل القسري لطالبي اللجوء.
- العودة إلى تطبيق مبدأ التناصف الأفقي والعمودي في الترشح للهيئات المنتخبة وفي تعيين الوظائف في الإدارة.
- إلغاء كافة أشكال التمييز في العمل ضد النساء في مستوى الانتداب والأجور والترقية المهنية.
- المصادقة على الاتفاقية الدولية عدد 190 لسنة 2019 لمنظمة العمل الدولية الخاصة بالقضاء على العنف والتحرش الجنسي في عالم العمل وتمكين النساء من حقّهن المتساوي في الميراث.
- تغيير السياسات العمومية باتجاه منوال تنموي لإدماج الفقراء وتمكينهم من حق العيش الكريم.
- تعويض المساعدات الموسمية والاستثنائية الممنوحة للفقراء ببرامج تنموية إدماجية تضمن الحق الأدنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتحفظ كرامة المواطن.
- إرساء إصلاحات في السلك الأمني والقضائي عبر دورات تكوينية في الجيل الثاني والثالث من حقوق الإنسان وذلك لتعزيز حقوق الإنسان (الميول الجنسية والهوية الجندرية) ونبذ خطاب العنف والكراهية والوصم والتمييز.
هذا عرض موجز لأهمّ ما ورد في التقرير السنوي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لسنة 2024.