بقلم رضا الشكندالي
أثار قانون الشّيكات الجديد جدلا كبيرا حتّى قبل صدوره. وقد قُوبِل باعتراض واسع لا من قبل المواطنين فحسب بل كذلك من قبل أهل الاختصاص الذين رأى فيه بعضهم “كارثة”. ولتوضيح أهم أسباب الاعتراض على القانون الجديد ننشر ملخّص مداخلة الأستاذ رضا الشكندالي حول الموضوع في “إذاعة جوهرة اف ام” بتاريخ الأربعاء 25 ديسمبر 2024. وقد نشر هذا الملخّص في صفحته بالشبكة الاجتماعية بنفس التاريخ.
توضيح بعض المفاهيم لرفع الالتباس
1) لست مع المنظومة الحالية للشيكات بمعنى أنني لست مع العقوبة السجنية الحالية الواردة فيها. أعتقد أن الإصلاح الاقتصادي لا يمكن له أن ينجح بالقوانين الزجرية أي بالعقوبات، بقدر ما ينجح بالقوانين الوقائية بمعنى منع الخطأ قبل وقوعه. لكن في تونس لدينا بعض القوانين التي تسمح باقتصاد الريع، وهو فساد، ومنه بعض كراسات الشروط التي وضعت على مقاس بعض المستثمرين. وعند وقوع خطأ يتمّ اللجوء إلى العقاب. وهذا هو الخطأ بعينه.
2) إنّ القول بأن الشيك هو وسيلة دفع فوري وليس وسيلة دفع آجل “moyen de paiement immédiat” صحيح نظريّا، لكن المفاهيم تتحدّد بالممارسة العملية. في تونس، اعتاد التونسيّون، منذ عقود، على الشيك وسيلة لتسهيل الدفع وليس وسيلة للدفع الفوري. وقد ترسّخ هذا المفهوم في ذاكرتهم وأصبح هو المفهوم المتداول وليس المفهوم الذي يدرّس في الجامعات. علاوة على ذلك فإنّ مفهوم “الشيك وسيلة للدفع الفوري” سائد في الدول المتقدّمة نظرا لسهولة الحصول على قرض للاستهلاك في هذه الدول. مثلا كل فرنسي أو ألماني يريد شراء سيارة يمكن له أن يحصل على قرض من البنوك وبالتّالي فهو لا يلتجئ إلى الشيك كوسيلة دفع. بينما في تونس لا يمكن الحصول على مثل هذا القرض بسهولة. زدْ على ذلك أنّ البنك المركزي التّونسي يتّبع سياسة تقضي بالحدّ من قروض الاستهلاك لأنها في نظره تجلب التضخم المالي وهو ما يجعله يرفع نسبة الفائدة المديرية. فإذا كان التونسي إذن لا يمكن له أن يستعمل الشيك كتسهيل للدفع ولا يمكن له كذلك أن يحصل على قرض للاستهلاك فكيف يمكن له أن يستهلك خاصة أن مقدرته الشرائية لا تسمح له بدفع المبلغ كاملا لشراء مستلزمات الاستهلاك الحياتية كالثلاجة أو التلفاز أو غيرها.
3) هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا بدّ من الإشارة إلى صعوبة تغيير الآليات في الاقتصاد وخاصة في الاقتصاديات الضعيفة التي يكون فيها منسوب الثقة ضعيفا. ففي تونس، هناك أزمة ثقة كبيرة في المؤسسات، هناك شكّ في الاقتطاعات المتعدّدة للحسابات الجارية لدى البنوك، هناك شكّ في طريقة احتساب فواتير الماء والكهرباء وغير ذلك من الشّكوك التي تصعّب عملية التّغيير في الآليات الاقتصاديّة وخاصّة الآليات التي تهمّ العمليّات الماليّة وبالتحديد من الشيك إلى الكمبيالة. الثقة مهتزة في الكمبيالة خاصة من قبل التجار والمزوّدين وهذا ما لمسناه خلال بداية تعاملنا مع هذه الوسيلة. ولو كانت هناك ثقة تجاه هذه الوسيلة لكانت الأكثر تعاملا بها خلال السنوات الأخيرة.
4) وبالتالي سيكون هذا القانون الجديد، قانون الشيكات، الكارثة التي ستقضي على ما تبقى من فتات النموّ الاقتصادي المحقّق في تونس منذ الثّورة بفضل الاستهلاك الخاصّ. كل العائلات التونسية تلجأ إلى الشيك لتسهيل الدفع على أقساط. التجارة ستكون المتضرّر الأول، وإذا توقّفت التجارة ستتوقف تباعا كل القطاعات خاصة الموجّهة منها إلى السّوق المحليّة أي إلى الاستهلاك. وبدون استهلاك سيكون الاقتصاد التونسي أكثر هشاشة وغير قادر على الصّمود، إذْ ستحكمه، في الغالب، العوامل الخارجيّة المتعلّقة بالتّصدير وهي غير مضمونة ولم تسهم في دفع النمو خلال السنوات الأخيرة بل كان إسهام الصادرات في أغلب الفترات سلبيا.
5) في السنة المقبلة، 2025، تطمح الحكومة إلى بلوغ نسبة نمو اقتصادي تقدّر بـ3.2% وهو أمر صعب للغاية بل مستحيل مع قانون ماليّة رفّع في الجباية على المؤسّسات الاقتصاديّة ووجّه كل السّيولة النّقديّة لتمويل نفقات الدّولة وألغى الشّيك كوسيلة للدّفع.
6) وعليه فإنّني أعتبر القانون الجديد للشّيكات زوبعة تشريعيّة في فنجان ستفيض كلّ ما تبقى في هذا الفنجان من نموّ اقتصاديّ. وكان من الأجدر أن يدفع البنك المركزي البنوك التّونسيّة إلى تصنيف حرفائها تماما كما تفعل مؤسّسات التّرقيم السّيادي مع الدول. وهكذا تصنّف البنوك حرفاءها من الجيّد إلى السيء حسب عدد الشّيكات غير المستخلصة وتقدّم لهم دفاتر شيكات بألوان مختلفة، كاللون الأبيض للحريف الجيّد واللّون الأحمر للحريف السيء. وبالتالي يمكن للمزوّد أو التّاجر أن يقبل الشيك الأبيض، كوسيلة دفع مؤجّل، بما أن صاحبه ليست له مشاكل دفع ويشترط توقيع البنك بالنسبة إلى الشّيك الأحمر. لكن لغاية في نفس يعقوب، لم تجرأ البنوك التونسية على الإقدام على هذه الخطوة نظرا للمكاسب المالية الكبيرة التي جنتها من خلال القانون القديم للشيكات.
تونس، في 25 ديسمبر 2024