الرئيسية / الافتتاحية / ويعود جانفي شهر الانتفاضات والانتصارات
ويعود جانفي شهر الانتفاضات والانتصارات

ويعود جانفي شهر الانتفاضات والانتصارات

بصدور هذا العدد من “صوت الشعب” تكون قد انطوت صفحة عام وفُتِحت أخرى ويكون شهر جانفي قد حلّ من جديد. هذا الشهر الذي له وقع خاص على الجميع من حكام ومحكومين في بلادنا. فهذا الشهر يعني لدى حكامنا شهر شدّ الأحزمة والعيش على الأعصاب في كل مستويات الحكم ودوائره وأجهزته التي تستعدّ استعدادا خاصا من جهة العدة والعتاد لهذا الشهر. وها هو قيس سعيد، على غرار سنوات حكمه السابقة وعملا بسنة أسلافه في الحكم، يعلن عن تمديد حالة الطوارئ إلى غاية آخر جانفي بما يعنيه ذلك من تقييد للحريات وتيسير لعصا القمع. أمّا عند الشعب وخاصة متمرّدوه وثواره فجانفي هو شهر النضالات والانتفاضات والاحتجاجات الاجتماعية. ففي هذا الشهر الثائر، خاض الاتحاد العام التونسي للشغل الإضراب العام يوم 26 جانفي 1978 وتصادم العمال والنقابيون مع آلة القمع الدستوري من عسكر وبوليس والتي حصدت مئات الشهداء وزجّت بعشرات النقابيين في معتقلاتها. وفي جانفي 1984 قامت انتفاضة الخبز التي انطلقت نهاية ديسمبر من جهة قبلّي وعمّت كامل البلاد رغم الرصاص الذي وُجِّهَ للصدور العارية ليحصد المئات وليزجّ بأعداد كبيرة من أبناء الشعب في السجون بتهم التخريب والتشويش خاصة وأن الشعب قد فرض على نظام بورقيبة التراجع عن الزيادات في الأسعار. وفي 2008 وفي ذكرى انتفاضة الخبز انطلقت نضالات شباب الرديف التي ستتحوّل إلى انتفاضة الحوض المنجمي التي استمرّت حتى بداية شهر جوان من ذات العام، صاغ فيها مواطنو الحوض ومناضلوه صفحات من أشرق صفحات النضال الشعبي من أجل الشغل والحرية والكرامة الوطنية والتي واجهها نظام بن علي بالرصاص الحيّ والاعتقالات والانتهاكات الجسيمة لكرامة بنات الجهة وأبنائها وهو سيجذّر بذرة الرفض والتحدي التي برزت في عديد المعارك المحلية والقطاعية والتي حققت التراكم اللازم لاندلاع احتجاجات ديسمبر 2010 المجيدة والتي حسم صمودها حتى انبلاج فجر جانفي العظيم انتصار الثورة. ففي جانفي زاد ارتباك النظام وتهوّره وانخراطه في النفخ على الجمر، وفي المقابل تضاعف إصرار الجماهير الشعبية التي لم تعد ترضى بغير الرحيل وهو ما تحقق عشية يوم 14 من شهر جانفي بهروب بن علي ليتعبّد الطريق لإرادة الشعب ولهمّة الشعوب التي تحررت في أكثر من مكان في المنطقة والعالم.
لقد استعرضنا المحطات الأبرز في تاريخنا المعاصر، لكن التنقيب يشي بأن شهر جانفي كان على العموم شهر نضالات واحتجاجات ممّا عمّق قناعة لدى عديد المؤرخين أنّ تاريخ تونس الاجتماعي هو تاريخ شتوي بامتياز، تاريخ يعرف ذروته في شهر جانفي الأغرّ، لذلك وربطا مع هذه الرمزية اختار الشيوعيون سنة 1986 إعلان ولادة حزب العمال يوم 3 جانفي ربطا مع مضامين ودلالات نضالية خالدة ترتبط بنضال العمال والشعب، وتخليدا لذكرى انتفاضة الخبز التي سال فيها دم الشعب التونسي برصاص الغدر الطبقي الذي تمثله دولة الطبقات الرجعية التي لا يمكن دكّها والانتصار عليها إلا بالنضال الدائم والدؤوب، وهو نضال يجب أن يكون واع ومنظم حتى يحقّق أهدافه كاملة دون نقصان وحتى لا يبقى الشعب ضحية الانتكاسات أو الانتصارات الجزئية. إن بعث حزب الطبقة العاملة هو خطوة ضرورية لتجميع شروط الانتصار، لكن هذا الأخير- أي الانتصار- يبقى مشروطا بعناصر متداخلة ومتكاملة كي يكون ناجزا خاصة في ظل ظروف محلية وإقليمية ودولية معقّدة وصعبة على الكادحين والشعوب.
لقد تزامنت تجربة حزب العمال، منذ انبعاثه إلى اليوم، مع هذه اللحظة التاريخية الدقيقة في ملامحها الكبرى. ولئن نجح في تشكيل مدرسة كفاحية مبدئية في صياغة المواقف وتقدير تطورات الأوضاع والتعاطي النضالي مع أعقد اللحظات وأدقّها، فإنّ جهدا كبيرا يُلقى على عاتقه اليوم بمقتضى ما راكمه من تجربة طيلة 39 عاما.
إنّ أوضاع شعبنا المتدهورة تحت حكم الشعبوية اليمينية المحافظة يفرض تنظيم النضال وتطويره دفاعا عن حقوق الشعب التي تتعرّض للتصفية الممنهجة تحت سياط شعارات المغالطة والتي تتظافر مع أوضاع إقليمية ودولية دقيقة ترشّح إقليمنا إلى تحولات تكرّس المزيد من أهداف الامبريالية والصهيونية والنظام الرسمي العربي القابل بكل المهمات حفاظا على كرسي الحكم. إن هذه التعقيدات تطرح على حزب العمال وعلى الحركة التقدمية في البلاد والمنطقة مهمات غاية في الدقة في مواجهة مشروع قبر إرادة الشعوب في التحرر والانعتاق الذي تعمل على تنفيذه الامبريالية والكيان الصهيوني وانظمة العمالة والقوى التكفيرية الإرهابية التي تستأنف دورها المحوري كأداة وظيفية لدى أعداء شعوبنا.
فليكن شهر جانفي المجيد شهر نهوض ثوري تحتاجه البلاد والشعب. وليكن إصرار المقاومة والشعب في فلسطين نبراسا لنا كي نتقدم.

إلى الأعلى
×