الرئيسية / عربي / أيّ مستقبل للمقاومة بعد سقوط نظام الأسد؟
أيّ مستقبل للمقاومة بعد سقوط نظام الأسد؟

أيّ مستقبل للمقاومة بعد سقوط نظام الأسد؟

بقلم علي البعزاوي

الأكيد أن المقاومة الفلسطينية تضررت في الفترة الأخيرة بسبب التطورات الحاصلة في المنطقة حيث تراجعت جبهات الإسناد التي شكلت طيلة سنة تقريبا عامل ضغط على العدو وداعميه من القوى الاستعمارية والإقليمية، أولا بخروج المقاومة اللبنانية من المعادلة على إثر اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والكيان الصهيوني وثانيا بانكفاء المقاومة العراقية التي استجابت لطلب رئيس الحكومة محمد السوداني بوقف إطلاق الصواريخ والمسيّرات على مواقع العدو، وثالثا باحتلال الجيش الصهيوني لجزء من الأراضي السورية والسيطرة على بعض المواقع الاستراتيجية وفي مقدمتها جبل الشيخ بعد سقوط نظام الأسد، ما يمكّنه عمليا من رصد ومراقبة حركة مرور الأسلحة عبر سوريا إلى لبنان إضافة إلى تدمير القدرات العسكرية لسوريا وإخراجها نهائيا من المعادلة. لكن هل سقطت المقاومة وخسرت المعركة وهل سجّل العدو الصهيوني انتصارا ساحقا وقبرت القضية الوطنية الفلسطينية مثلما يردد البعض؟

المقاومة تراكم المكاسب

لقد مكنت معركة “طوفان الأقصى” المقاومة من تحقيق عديد المكاسب العسكرية والسياسية والمعنوية.
أولا، إسقاط شعار الجيش الصهيوني الذي لا يهزم حيث تلقى هذا الأخير ضربات موجعة وخسر الآلاف من جنوده سواء بالموت أو الخروج عن الخدمة إضافة إلى الارتباك وتدهور المعنويات وخسارة آلاف المعدات والآليات من دبابات وناقلات جند وجرافات وطائرات مسيرة وغيرها. وقد شكل هذا الواقع الجديد دافعا لاندلاع الصراعات بين المستويات السياسية والعسكرية الصهيونية من جهة وبين الجمهور وحكومته من جهة أخرى. كما دفع بالآلاف إلى مغادرة الكيان نهائيا علما وأنّ المغادرين ليسوا مواطنين عاديين بل أغلبهم من النخب وأصحاب المال والأعمال الذين لم يعودوا يشعرون بالأمان مثلما كان في السابق. وبهذا يخسر الكيان الصهيوني إحدى أهمّ مقومات الصمود والبقاء لأن الصهيونية نمت وكبرت بفعل الهجرة إلى “أرض الميعاد” بحثا عن الرخاء والمستقبل الزاهر مثلما روّجت لذلك الدعاية الصهيونية.
ثانيا، إعادة وضع قضية التحرر الوطني الفلسطيني من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني على جدول أعمال الهيئات والمنظمات الدولية وأمام شعوب العالم التي انتفضت وخرجت إلى الشوارع وأثثت المسيرات والاعتصامات والإضرابات في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا – وهي دول داعمة سياسيا وعسكريا للكيان الصهيوني – إلى جانب دول أخرى في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها. هذا الإنجاز يشكل عنصر إدانة إضافي للعدو الذي يمارس حرب الإبادة الجماعية ويحتل الأراضي وينكّل بالمدنيين ويجوّعهم ويقتل الصحافيين وعمال الإغاثة والإطارات الطبية والصحية ويعتدي على المستشفيات وكل مقومات الحياة من آبار وخزانات مياه وبنية تحتية وأبراج سكنية ومدارس ومعاهد وكليات…
ثالثا، مراكمة المقاومة لمزيد التجارب في مواجهة الجيش الصهيوني باعتباره جيشا نظاميا عالي التسليح سواء من خلال تطوير تكتيكات حرب العصابات وتوظيفها بنجاح لمفاجأة عساكر العدو أو من خلال تملّك مزيد الخبرات التقنية والعلمية للتحكم في المسيرات وتطوير بعض الأسلحة محلية الصنع والاستفادة من الخردة العسكرية التي يضطر الجيش الصهيوني لتركها على أرض المعركة.
إن كل هذه المكاسب ثابتة ويمكن البناء عليها في المستقبل.

المقاومة خيار استراتيجي

المقاومة ستستفيد أكثر فأكثر من هذه الحرب الطويلة بتوسع البيئة الحاضنة لها بعد أن اقتنعت فئات واسعة وعريضة من الفلسطينيين في غزة والضفة ومن اللبنانيين واليمنيين وغيرهم بأهمية وحتمية المقاومة وضرورة الانخراط في صفوفها ودعمها بكل الوسائل باعتبارها طوق الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية أمام غطرسة وتوحّش الامبريالية والصهيونية المدعومة من أنظمة العمالة والاستبداد والفساد في المنطقة التي لا همّ لها سوى البقاء في الحكم. لا خيار اليوم أمام الشعوب المضطهدة سوى إعلاء راية المقاومة والانتصار لها إذا أرادت الحرية والاستقلال والانعتاق. ولا مناص من النضال الديمقراطي الشعبي من أجل التخلص من أنظمة التبعية والاستغلال والفساد باعتبارها السند الرئيسي للاستعمار والصهيونية.
إن الشعوب التواقة إلى التحرر والانعتاق وفرض سيادتها على ثروات بلدانها وصون كرامتها بالتخلص من الهيمنة الامبريالية وسدّ الباب أمام الاختراقات الصهيونية تشعر اليوم أكثر من أيّ وقت مضى بأن الحاجز الرئيسي أمام تحقيق هذه الأهداف المشروعة يرتبط مباشرة بحسابات ومصالح البورجوازيات العميلة المنتصبة على عرش السلطة بنسخها المختلفة، العسكرية والبيروقراطية والدينية والشعبوية اليمينية والليبرالية. هذه البورجوازيات لا تهمّها السيادة الوطنية ولا تفكر في رخاء وازدهار شعوبها وحريتها وكرامتها المسلوبة بل في مصالحها الطبقية الضيقة المتمثلة في تكديس الثروات والسيطرة على الحكم ولو بأساليب غير مشروعة. هذه البورجوازيات العميلة ليست جزءا من شعوبها بل منفصلة عنها ومصالحها متناقضة مع مصالح وأهداف هذه الشعوب. والإطاحة بحكمها وتقويض هيمنتها ومصادرة أملاكها وثرواتها هي إحدى أولويات شعوبها المطالبة بالنضال والمقاومة من أجل تحقيق أهدافها. لقد ساهمت المقاومة رغم بعض مواطن ضعفها وتواضع إمكانياتها في الارتقاء بوعي الشعوب حتى تلعب دورها وتنخرط في النضال المنظم وتقاوم من أجل التغيير الجذري باعتباره الضامن لتحرير الأوطان وبناء الاقتصاديات المستقلة التي توفر الرخاء والالتحاق بركب الشعوب المتقدمة. ولئن بدت الشعوب اليوم صامتة، مترددة وغير فاعلة فهي تراقب الوضع وستتحرك في الوقت المناسب من أجل قول كلمتها. المسألة مسألة وقت.

من أجل دور أكبر للقوى الديمقراطية والتقدمية

لئن تفوّقت قوى المقاومة الإسلامية (حماس، الجهاد، حزب الله…) في العمل المقاوم والتصدي للعدوان على نظيرتها المدنية الديمقراطية والتقدمية (الشعبية، الديمقراطية، فتح…) بفعل المساعدات الهائلة التي تتلقاها حصريا من بعض الدول الداعمة وبفضل انغراسها صلب مجتمعاتها، فإنّ فصائل المقاومة الديمقراطية والتقدمية لم تدّخر جهدا في مواجهة الجيش الصهيوني ببسالة وتكبيده خسائر في الأرواح والمعدات وقدّمت عديد الشهداء والقادة الميدانيين في غزة والضفة. وهي مدعوّة للتقييم والاستفادة من هذه التجربة وإعداد العدة للانتقال من مجرد مجموعات متواضعة العدد والإمكانيات إلى قطب ديمقراطي مقاوم قادر على منافسة باقي الفصائل. ولن يكون هذا متاحا إلا بعمل دعائي وتنظيمي مكثف حول مشروعها المجتمعي البديل عن دولة الكيان الصهيوني بخياراته الاقتصادية والاجتماعية الديمقراطية والشعبية وبالمساواة والعدالة الاجتماعية التي ستعمل على إرسائها وبالسيادة الوطنية التي ستكرسها على أرض الواقع. إن الفصائل الديمقراطية والتقدمية متفوّقة سياسيا ومتأصلة فكريا وثقافيا في البيئة الفلسطينية إذ أنجبت عديد المفكرين والمثقفين والمبدعين من أمثال محمود درويش وغسان كنفاني وناجي العلي وغيرهم من الذين صنعوا الربيع الأدبي والفكري الفلسطيني وساهموا من مواقع أمامية في إحياء جذوة النضال الوطني الفلسطيني عبر الشعر والرواية والسينما والمسرح والفن التشكيلي وغيرها. وهي مطالبة بالوحدة في إطار جبهة أو ائتلاف مدني وطني وديمقراطي وشعبي مقاوم على قاعدة حدّ أدني سياسي واقتصادي وثقافي قادر على استقطاب أوسع الجماهير الفلسطينية في الضفة وغزة والشتات. إن المرأة والشباب الفلسطينيين يمكن أن يشكلا الفئات الأكثر استهدافا من طرف الفصائل الديمقراطية والتقدمية باعتبار مساهمتهما في النضال الوطني الفلسطيني أولا وباعتبار توقهما للحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية ثانيا. والمرأة ينبغي أن تتبوّأ مكانة هامة صلب المقاومة المسلحة ولا تكتفي بالأدوار المدنية التقليدية. وحضورها العسكري يمكن أن يساهم في النقلة النوعية للعمل المقاوم.
إن المقاومة ستكون أكثر قوة وصلابة بمشروعها المجتمعي الوطني التحرري والديمقراطي الشعبي وباستيعاب جماهير النساء والشباب بين صفوفها على قاعدة هذا المشروع. وبهذا تتوفر لها عناصر التفوق والنجاح في قيادة النضال والمراكمة على طريق الاستقلال.هذا عرض موجز لأهمّ ما ورد في التقرير السنوي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لسنة 2024.

إلى الأعلى
×