حاوره علي الجلولي
تواصل “صوت الشعب” متابعة مستجدات الوضع في فلسطين وخاصة ما يجري في الضفة الغربية وتحديدا في مدينة “جنين” ومخيمها من صراع مسلح يقابل بين جهاز سلطة رام الله وفصائل المقاومة الفلسطينية والذي بلغ عدد ضحاياه إلى حدّ الآن 5 ضحايا من المقاومة و3 من الأمنيين فضلا عن استمرار الحصار على المدينة ومخيّمها لمدة تقارب الشهر. بالتوازي مع ذلك تتواصل المساعي من قبل مختلف فصائل العمل الوطني وفعالياته لإيقاف هذا النزيف الذي لا يخدم إلا مصالح العدو الصهيوني.
نحاور في هذا العدد الرفيق فهمي شاهين، القيادي بحزب الشعب الفلسطيني، من رام الله حول مستجدات الأوضاع في الضفة الغربية وتداعيات الوضع السوري على القضية الفلسطينية في هذا الظرف الدقيق.
تعيش الضفة الغربية منذ مدة على وقع فصل من الصراع الفلسطيني الداخلي. هل يمكن وضع القراء في حقيقة الأوضاع؟
ما جرى ويجري في مخيم جنين من أزمة نشبت بين القوى المسلحة المقاومة والسلطة الوطنية الفلسطينية، شيء مؤسف ومرفوض، وقد حذرنا منذ البداية من مغبة استمرار هذه الأزمة غير المبرّرة، ومن تداعياتها على السلم الأهلي واللحمة الوطنية الفلسطينية، ودعونا إلى سرعة نزع فتيلها واحتوائها والارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية التي يمرّ بها شعبنا في مجابهة مؤامرات الاحتلال ومخططاته القائمة أصلاً وفي هذه المرحلة بالذات، على توسيع الاستيطان والضمّ والتهجير وفرض وقائع جديدة لتأبيد الاحتلال في الضفة الغربية، هذا إلى جانب خلق وتعزيز الانقسامات الداخلية وإذكاء الفتن والاقتتال في الحياة الفلسطينية، وبذراع مختلفة.
نحن في حزب الشعب قمنا بإدانة استخدام القوة في والمواجهة المسلحة مهما كانت محدوديتها لحلّ هذه الأزمة، وكذلك عبّرنا عن رفضنا الشديد للمعالجات الأمنية في التعاطي مع الأزمات الداخلية الفلسطينية من قبل أجهزة الأمن، وطالبنا بالكفّ الفوري عن هذه الممارسات، بما في ذلك الوقف الفوري لعملية الأجهزة الأمنية وجميع الإجراءات الأخرى المتخذة تجاه مخيم جنين، والحيلولة دون استمرار هذه الأزمة أو توسّعها أو تكرارها.
نحن رفضنا بوضوح كل أنواع التحريض من أيّ جهة كانت ومهما كانت الذرائع، إن كان على المؤسسات الرسمية وأفراد الأمن الفلسطيني، وإطلاق النار تجاههم ونحو مقراتهم. وطالبنا جميع الأطراف وبوضوح، باتخاذ كل الإجراءات التي من شأنها الحفاظ على الدم الفلسطيني وحماية السلم الأهلي وتعزيز وحدة شعبنا، وعدم تعريض أمن وسلامة جميع المواطنين وممتلكاتهم وشؤون حياتهم الطبيعية، وكذلك مؤسسات شعبنا الرسمية وغير الرسمية، لأيّ تهديد أو مساس من أيّة جهة كانت.
ما هي مآلات هذا الصراع الداخلي في هذه اللحظة الدقيقة من نضال الشعب الفلسطيني؟
إن إحلال واتساع خطاب الكراهية والتحريض والتحشيد بما في ذلك تسخير العديد من الأطراف لأدوات وشعارات في غير مكانها، وسوء استخدام السلاح واعتماد المعالجة الأمنية في التعاطي مع هذه الأزمة، قد أطال للأسف أمدها وزاد من حدة التوتر والاحتقان الداخلي دون أدنى مسؤولية وطنية لتداعيات ذلك كله على السلم الأهلي والجبهة الداخلية الفلسطينية وصمود شعبنا.
إن هذا الوضع المؤسف في مخيم جنين واستمرار آثاره، يؤكد مجددًا أن الحلول الأمنية في التعاطي مع الأزمات الداخلية الفلسطينية ثبت فشلها، وهي لا تزيد الأمور إلا تعقيدا وتفاقماَ، خاصة في ظل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية وتطهير عرقي ومخططات استعمارية تستهدف وجوده على أرضه.
لذلك نحن نرى أنّ المسؤولية الوطنية والحكمة السياسية تتطلب سرعة إنهاء الأزمة في مخيم جنين وما أحدثته من تداعيات سلبية، والإنصات لصوت العقل واعتماد المعالجة السياسية والمجتمعية لها، عبر الحوار كسبيل للخروج من هذه الأزمة، ومن أجل ذلك عملنا مع أطراف سياسية ومجتمعية أخرى، وقدّمنا مبادرة (وفاق) حظيت بتأييد واسع من المؤسسات والقوى والفصائل والشخصيات الوطنية، باعتبارها مخرجاَ واقعياَ ومعقولاَ لحل الأزمة الراهنة، لقطع الطريق على مساعي الاحتلال لاستخدام ذرائع جديدة لتصعيد عدوانه المبيّت ضدّ الضفة الغربية وشمالها بوجه خاص، ولضرب السلم الأهلي باعتبار ذلك جزءا من مخططات الاحتلال في الضفة الغربية.
وسنواصل بذل كل جهد ممكن للضغط على جميع الأطراف من أجل القبول بالحوار الوطني الشامل كطريق وحيد للخروج من الأزمة، ووقف حالة التحشيد والتحريض، بما يضمن تعزيز الوحدة الوطنية وحماية السلم المجتمعي.
إن التوافق الوطني متطلّب أساسي لشعبنا وقواه السياسية، من أجل تفويت الفرص على الاحتلال وأجهزته، هو جزء أصيل من نجاح المقاومة بكل مظاهرها وأشكالها لهذا الاحتلال، ولا تتعارض مع الحق المشروع لشعبنا في مقاومة الاحتلال، بل تسند هذا الحق بإرادة والتفاف شعبي واسع عند الانسجام مع مصالح وقدرات البيئة الشعبية والوطنية الحاضنة.
تعيش الضفة الغربية على وقع هجوم متصاعد لقطعان المستوطنين من أجل تكريس ضم الضفة إلى كيان الاحتلال. كيف يواجه الشعب الفلسطيني هذا المخطط المسنود أمريكيا؟
أولاَ أساس ومحور أيّ مقاومة ومجابهة للاحتلال الإسرائيلي ومقاومته وإفشال مخططاته، يتمثل في تثبيت وتعزيز صمود شعبنا الفلسطيني على أرضه. وشعبنا لم ينقطع يوماَ عن مجابهة ومقاومة المشروع الصهيوني التوسعي العنصري للاحتلال، وسيواصل نضاله وفقاَ لظروفه وإمكانياته، بنفس العزيمة والإصرار حتى وقف العدوان والإبادة التي يتعرض لها، وينهي هذا الاحتلال بكل مظاهره وتعبيراته عن أراضيه.
في ظل استمرار الحرب الدموية التي يشنها الاحتلال على شعبنا وخاصة ما يرتكبه من محرقة حقيقية وإبادة جماعية لشعبنا في قطاع غزة، إلى جانب تصاعد الهجمة الاستعمارية بأشكالها المختلفة في الضفة الغربية، من عمليات استيطان وتطهير عرقي للسكان وهدم منازل ومساعي للضمّ، وما يرافق ذلك يومياَ من جرائم قتل واغتيال واعتقال المواطنين، علينا أن ندرك أنّ الاحتلال اتّخذ قرارا لحسم الصراع مع شعبنا بالقوة الغاشمة وفرض وقائع جديدة لتأبيد احتلاله والحيلولة دون ممارسة شعبنا لحقوقه الوطنية وفي المقدمة إقامة دولته المستقلة وكاملة السيادة.
إن مصلحة شعبنا ومجابهة مخططات الاحتلال ومخاطر تصفية القضية الوطنية، تتطلب سرعة اعتماد استراتيجية موحدة تنظم وتواجه كل ذلك، ووحدة وتلاحم كل قوى وفعاليات ومكونات شعبنا، وتسخير كل طاقاته على المستويين الرسمي والشعبي لمجابهة عدوان وإرهاب الاحتلال الإسرائيلي وإفشال أهدافه.
تمرّ المنطقة على وقع تحولات كبرى آخرها ما يحدث في سوريا. ما هي تداعيات هذه الأوضاع على القضية الفلسطينية؟
نعتقد أنّ التغيرات التي جرت في سوريا مفتوحة على عديد الاحتمالات، والأمر الأساسي بالنسبة لنا متوقف على مدى اقتراب من تولّوا الأمور في سوريا من قضية شعبنا ودعمها بكل السبل الممكنة، ورفض التطبيع.
إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي بعدوانه الحربي على سوريا، وسط صمت عربي ودولي، وصمت من تولّوا زمام الأمور في سوريا، وتدمير قدراتها الدفاعية والعسكرية والبنى التحتية المرتبطة بها تمهيداَ لإخراجها استراتيجيا من دائرة الصراع مع دولة الاحتلال الصهيوني، وفرض حالة تطبيع فعلي عليها، يأتي ضمن مساعي الولايات المتحدة الأمريكية للهيمنة على المنطقة ومقدرات شعوبها، وفرض مشروع ما يسمى بـ”الشرق الأوسط الجديد”، وهذا يشمل النيل من مكانة وحقوق الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع ضد الاحتلال.