حاوره علي الجلولي
الصحفي المشتبك راسم عبيدات من القدس:
عباس يضرب المقاومة حتى لا تنحل سلطته، وحكام سوريا الجدد مناهضون للقضية الفلسطينية
تواصل “صوت الشعب” مواكبة مستجدات الوضع في فلسطين المحتلة وفي مجمل المنطقة من خلال التواصل مع مناضلين من قلب المعركة. حوارنا هذه المرة مع الصحفي المشتبك من قلب القدس العربية الصامدة ومن قلب عمله الإعلامي اليومي المنخرط في نضال المقدسيين ضد آلة الاحتلال التي تستهدفهم كل لحظة، نستضيف الأستاذ راسم عبيدات للمرة الثانية على صفحات “صوت الشعب” للإدلاء بقراءته لتطورات الساحة الفلسطينية ولتداعيات التحولات الحاصلة في سوريا على القضية الفلسطينية وعلى المنطقة عموما.نحاور في هذا العدد الرفيق فهمي شاهين، القيادي بحزب الشعب الفلسطيني، من رام الله حول مستجدات الأوضاع في الضفة الغربية وتداعيات الوضع السوري على القضية الفلسطينية في هذا الظرف الدقيق.
تعيش الضفة الغربية منذ مدة على وقع فصل من الصراع الفلسطيني الداخلي بين السلطة والمقاومة والتي أدّت الى سقوط شهداء وإيقاف عشرات وتسليم نشطاء ومقاومين إلى جيش الاحتلال. كيف تقرؤون هذه الأحداث؟ ما هو سياقها وما هي مالاتها؟
ممّا لا شك فيه بأن السلطة الفلسطينية منخرطة في المشروع الأمريكي، وجزء من التحالف الأردني – المصري الأمني، لذلك السلطة شعرت بأن مشروعها ومصالحها في خطر في ظل تراجع دورها وحضورها في الشارع الفلسطيني وقد قاربت على السقوط والانهيار خاصة وأن دولة الاحتلال باتت ترى بأن تلك السلطة فقدت مبرّر وجودها، لذلك كانت هناك مطالبات من أطراف في حكومة الاحتلال (بن غفير وسموتريتش) بالتخلص من السلطة، لذلك فإن السلطة لكي تتلافى حالة السقوط والانهيار وتحفظ مصالحها، أرادت أن تقدّم أوراق اعتمادها للرئيس الأمريكي القادم ترامب بأنها حليف وشريك موثوق يمكن الاعتماد عليه في محاربة قوى المقاومة، لذلك أقدمت على محاصرة مخيّم جنين تحت حملة اسمتها “محاربة الخارجين عن القانون” مع “شيطنة” لقوى المقاومة وإظهارها كذراع لإيران في المنطقة تنفذ أجندات خارجية، وهي في خطوتها هذه جرى امتداحها من قبل رئيس الوزراء لدولة الاحتلال نتنياهو، كما ضغطت أمريكا على اسرائيل من أجل تزويدها بستر واقية للرصاص وذخائر وكذلك مدرعات وأسلحة أخرى، ولكن رئيس أركان جيش الاحتلال هيرتسي هليفي رفض ذلك ، والسلطة في هجومها وحصارها لمخيّم جنين باتت بين خيارين، الأول إذا تراجعت عن عمليتها الأمنية، ستفقد مبرر وجودها وسيتمّ إسقاطها، وإذا ما واصلت حربها على المخيّم، ستفقد الدور المأمول منها وطنياً وبالتالي تسقط شعبياً وجماهيرياً لذلك هي في كلا الحالتين خاسرة، وحيادها السلبي فقدته منذ الرصاصة الأولى التي أطلقتها نحو المخيّم، ولذلك هذه العملية التي تقوم بها السلطة ضد مقاومة جنين ومخيّمها، تعني حرف اتجاه البوصلة وإدخال الساحة الفلسطينية في صراعات داخلية، الرابح فيها خسران، وهي تسهم في تعزيز الانقسام والشرخ الداخلي وطنياً ومجتمعياً، وتذهب بالقضية نحو المجهول في وقت تتعرّض فيه لمخاطر التصفية من كل جوانبها على يد دولة الاحتلال وشريكتها أمريكا وقوى الغرب الاستعماري وتواطؤ العديد من أطراف النظام الرسمي العربي.
عاد في المدة الأخيرة التلويح بضمّ الضفة الغربية بالتوازي مع إجراءات على الأرض تطال القدس أيضا. إلى أين تتجه الأمور خاصة مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض؟
المشروع الإسرائيلي الاستعماري الاستيطاني قائم على الطرد والتهجير للشعب الفلسطيني وإحلال المستوطنين بدلاً منه، ولذلك نحن أمام مشروع يأخذ شكل “الهندستين” الجغرافية والديمغرافية في الضفة والقطاع وحسم السيادة والسيطرة السياسية على مدينة القدس والحسم الديني التوراتي على الأقصى، ولذلك نشهد حرب شاملة تُشَنّ على الضفة الغربية، تأخذ شكل التهويد والضمّ لأكبر مساحة من الأرض دون السكان، يقودها “سموتريتش” لإقامة ما يعرف بدولة “يهودا والسامرة”، حيث جرى مصادرة أكثر من 24 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية وزرع عشرات المستوطنات والبؤر الاستيطانية فيها لكي يصبح عدد المستوطنين فيها مليون مستوطن، وخيارات “سموتريتش” للشعب الفلسطيني في الضفة ثلاثة، الطرد والتهجير للأردن، ضمن ما يعرف بالوطن البديل، “الهندسة” الديمغرافية، أو القتل في الميدان، ومن يتبقى منهم يعيش كمواطن من الدرجة الثانية لخدمة الإسرائيلي. وتراهن حكومة نتنياهو على قدوم الرئيس الأمريكي ترامب لكي يكون عام 2025 عام الضمّ والتهويد للضفة الغربية، فهو من نقل سفارة بلاده في فترة رئاسته السابقة من تل أبيب إلى القدس واعترف بها عاصمة لدولة الاحتلال وقال بأنّ المستوطنات في الضفة لا تتعارض مع القانون الدولي، ولذلك من خلال الحرب التي تُشَنّ على شعبنا الفلسطيني فالأمور ذاهبة نحو التصعيد، وسعي الاحتلال لفرض مشاريعه ومخططاته، في ظل إدارة أمريكية يمينية توراتية متطرفة وصهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم، مستغلين بذلك المتغيرات التي حصلت في سوريا ووقف إطلاق النار في لبنان، وتراجع جبهات الإسناد، ولكن ترجمة هذه المشاريع والمخططات، في ظل صمود أسطوري فلسطيني ومقاومة شرسة، لن تمكن اسرائيل من تحقيق تلك المشارع والمخططات.
في تقديركم، هل نجحت معركة “طوفان الأقصى” في توحيد ساحات وجود الشعب الفلسطيني الأربع (غزة والضفة والـ48 والشتات)؟
في اعتقادي بأنّ معركة السابع من أكتوبر 2023 نجحت في توحيد ثلاث ساحات فقط: غزة مع الضفة الغربية بما فيها القدس، وإلى حدّ ما الخارج . أمّا ساحة الـ48، فقد نجح الاحتلال في بثّ حالة من الرعب والتخويف والإرهاب على شعبنا الفلسطيني في الداخل الفلسطيني – 48، بقمع أيّ نشاط أو فعالية تضامنية مع شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، ولو على شكل مسيرة أو مظاهرة، وهددت حكومة الاحتلال، بأنّ من يقدم على تنفيذ أيّ نشاط أو فعالية عنوانه دعم ومساندة القطاع، سيتمّ ترحيله عبر حافلات إلى قطاع غزة، وشرع الاحتلال في سنّ قوانين وتشريعات، تضيّق الخناق على شعبنا وقياداته السياسية والجماهيرية هناك، قانون منع رفع العلم الفلسطيني في المؤسسات التعليمية التي تتلقى دعما ماليا من حكومة الاحتلال، وقانون طرد وإبعاد أحد أو عدد من أفراد عائلة أو أسرة أيّ فلسطيني من فلسطيني – 48 – يشارك بأيّ عمل مقاوم ضد جيش الاحتلال ومستوطنيه. أمّا فيما يتعلق بالشتات والخارج، فتشتت شعبنا وتوزعه على أكثر من ساحة ودولة، جعل أنشطته ذات بعد مناصرة ومساندة بالمشاركة بأنشطة وفعاليات شعبية وجماهيرية، مظاهرات ومسيرات احتجاجية وتنشيط جبهة حركة المقاطعة “البي دي آس”، وكذلك فضح وتعرية دولة الاحتلال وما ترتكبه من جرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي بحق شعبنا في قطاع غزة، وهذه الجماهير لعبت دورا فاعلا في المشاركة في الأنشطة والفعاليات سواء الطلابية أو الجماهيرية في الدول الأوروبية الغربية وحتى أمريكا نفسها، في حين كان دورها في الساحات العربية محدوداً، حيث دول النظام الرسمي العربي المنهار، عدا عن عجزها، فهي كانت متواطئة في العدوان على شعبنا، ومارست حالة من القمع والترهيب على الجماهير العربية، التي ظهرت كجماهير”مضبوعة” وخائفة من القمع والتنكيل بها.
تعيش المنطقة على وقع تغيّرات عميقة أهمّها ما يقع في سوريا. كيف تقرؤون تداعيات هذه التغيّرات وخاصة على القضية الفلسطينية؟
نعم ما حدث من تغيّرات جيواستراتيجية في سوريا كانت أشبه بالزلزال وفوق أيّ تصوّر أو تحليل، هذا تغير لم يترك فقط تأثيراته وتداعياته على القضية الفلسطينية فقط، بل على كامل المنطقة والإقليم. فسوريا كان لها دور مركزي في محور المقاومة، فهي الممرّ والشريان لنقل السلاح الإيراني وحتى السوري الى المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، والقضية أعمق وأبعد من سقوط النظام، حيث إسقاط الدولة السورية وتمزّقها وتوسعها على خطوط المذهبية والطائفية والعرقية والأثنية، بسبب السلطة الجديدة، التي جاءت بشراكة تركية – أمريكية – اسرائيلية لكي تأخذ سوريا من محور رافض للتطبيع مع اسرائيل إلى دولة مطبّعة معها، ملتحقة بحلف التطبيع العربي وهناك مخاطر على الوجود الفلسطيني المسلح والشعبي في سوريا، حيث طلب من الفصائل الفلسطينية التي لها حضور وتواجد وقواعد عسكرية في سوريا بتسليم سلاحها وقواعدها للسلطة الجديدة، ناهيك أن الخناق سيضيق على تلك الفصائل لجهة الأنشطة الإعلامية والسياسية، وستطلب أمريكا واسرائيل من السلطة الجديدة ترحيل قيادات العديد من الفصائل الفلسطينية لخارج سوريا.