يعيش العالم منذ يوم 20 جانفي الجاري على وقع نسق سريع ومتصاعد من التصريحات والقرارات التي يطلقها الوحش الفاشي ترامب الذي ضرب كل الأعراف التي تغطت بها الرأسمالية وحكامها للقطع مع ملامح النظام السياسي الإقطاعي الذي كان يتصرّف فيه الحاكم في شؤون الدولة كشؤون بيته. لقد أخرج ترامب صلف الحكام وعنجهيتهم من المكاتب المغلقة إلى الفضاء العام من خلال نقلها على الأثير مباشرة. لقد تابع العالم كيفية تعامله مع العميل المغربي باعتباره وكيلا له لا غير، وهي الحقيقة التي عملت الأنظمة التابعة والمتبوعة لزمن طويل من أجل إخفائها. وقبل ذلك بساعات تابع العالم تصريحه من مكتب طائرته أنه سيلغي اتفاق وقف العدوان الصهيوني على غزة في حال لم يتم إطلاق سراح الأسرى الصهاينة بحلول منتصف نهار السبت 15 فيفري. أمّا قمة الصلف والتي أثارت حتى تعليقات استهجان من مسؤولين أمريكيبن سابقين وحاليين فهي ما قاله حول قراره شراء قطاع غزة وإفراغه من سكانه بإرسالهم إلى الأردن ومصر وإن رفض حكامها فيتمّ إرسالهم إلى الصومال والمغرب، هكذا يتحدث رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كما يتحدث أيّ معتوه في العالم أو أي سمسار مغرور يتفاخر بقدرته على شراء أيّ شيء حتى ما لا يباع ويشترى مثل الأوطان والبشر خاصة وإن كانوا فلسطينيين صمدوا في وجه جبروت سلاحه الذي دمّر به الصهاينة غزة ولم يقدروا على كسر إرادة أهلها أو المسّ من حبّهم لأرضهم الغالية.
إنّ هذه الجوانب لا يفقهها الوحش الامبريالي الكاسر تاجر السلاح والموت. ولئن عجز حاكم الأردن صنيعة الامبريالية عن الردّ عليه أو إدانته فإنّ شعب فلسطين الحر ومقاومته الباسلة لقنوه درسا آخر، إنّ رهينة واحدة لن تسرّح ما لم يعد كيان الاحتلال إلى التقيّد بالاتفاق وهو ما تحقق رغم تهديد ترامب ونتنياهو الذي مازال النوم بعيدا عن جفونه بعد ما لقيه في غزة التي يلقّنه مقاوموها أشرس التحديات يوميا وعلى الأثير.
إنّ عنجهية ترامب تتكرر يوميا في حزمة إجراءاته التي تهمّ إعلان إتاوات وضرائب ضدّ بلدان ومؤسسات من مختلف بلدان العالم وبعضها يتمّ إلغاءه بعد ساعات من إمضاءه مثل الضريبة على بضائع كندية ومكسيكية بداعي عدم تصدي البلدين لتجارة المخدرات التي تدخل بلاده شمالا وجنوبا. كما طالت الإجراءات أقرب حلفاء الولايات المتحدة مثل الاتحاد الأوروبي الذي عادت إلى تصريحات بعض مسؤولي بلدانه وخاصة في فرنسا وألمانيا روح التنافسية بين الأقطاب الامبريالية.
لقد علّق عديد المتابعين أنّ عنجهية ترامب وصلفه هي مزيّة أخرجت المخفي إلى العلن بما يمكن أن يشحن الغضب والمعاداة للامبريالية في صفوف الشعوب والطبقات المضطهدة والمسحوقة التي ستتضاعف معاناتها في ظل الأزمة العميقة للنظام الرأسمالي العالمي والذي ليس أمامه سوى حلّها على حساب الفقراء بالسياسات الأكثر تدميرا واستغلالا وبالخيارات الأكثر عدوانية وإرهابا وفاشية. وهو أمر كاف لإدراك أنّ لا حلّ لمشاكل الإنسانية اليوم غير قبر النظام الرأسمالي الذي انتهى تاريخيا، قبره عبر النضال الثوري المنظم الذي تتصدّره الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة لإرساء حضارة جديدة إنسانية بحقّ عنوانها الاشتراكية. فإلى العمل من أجل النهوض بوعي المليارات من البشر وتنظيمهم، فهم الأقدر على تحرير أنفسهم بأنفسهم.
