الرئيسية / صوت العالم / آثار الحصار الامبريالي على الشعوب
آثار الحصار الامبريالي على الشعوب

آثار الحصار الامبريالي على الشعوب

بقلم منذر خلفاوي

تمرّ البلدان الرأسمالية في مختلف أرجاء العالم منذ فترة طويلة بأزمة اقتصادية حادة وبفشل منظومة الديمقراطية التمثيلية البرلمانية، لذلك نرى اليوم صعود الشعبوية والأحزاب اليمينية المتطرفة الممثلة للطبقات البرجوازية الأكثر همجية وصلفا تجاه الطبقة العاملة والشعوب في العديد من البلدان بهدف تصفية مكاسبها التاريخية في مجال الحريات الديمقراطية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كما تسعى الامبرياليات المتصارعة والمزاحمة لبعضها البعض في ظل هذه الأوضاع وأكثر من السابق إلى اللهث وراء مزيد الهيمنة على العالم وإعادة اقتسام مناطق النفوذ وخاصة الموارد الطبيعية من نفط وغاز ومعادن ثمينة والأسواق باستعمال الحروب للإطاحة بالحكومات والأنظمة “المتنطعة” والغير موالية، ووصل الأمر حدّ التهديد باستعمال السلاح النووي وهو ما يفسّر تعدد بؤر التوتر والحروب مثل الحرب الروسية الأوكرانية أو حرب الإبادة والتطهير العرقي للكيان الصهيوني المدعوم من الامبريالية الأمريكية وحلف الناتو أو ما تشهده عديد البلدان من حروب بالوكالة بين مجموعات محلية موالية لأطراف دولية وإقليمية مثل ما يحصل اليوم بالسودان وليبيا… الخ.
لا يقتصر عدوان البلدان الامبريالية الرأسمالية على الاعتداءات المسلحة فقط فهي تعتمد كذلك على سلاح الحصار الاقتصادي والحظر في شتى المجالات كأداة للهيمنة وتجويع وتركيع شعوب البلدان المستقلة أو تلك التي ترفض الإجراءات والسياسات المملاة من المؤسسات المالية والشركات المتعددة الجنسية.

آليات الحصار

تختلف أنواع العقوبات المسلطة من القوى الامبريالية، وبالأخص الامبريالية الأمريكية وحلف الناتو، حسب حدّة الصراع مع البلد المعني فيمكن أن يكون الحظر والحصار اقتصاديا أو غذائيا أو ماليا أو تجاريا أو تكنولوجيا… الخ (منع تصدير البضائع، منع السفر، تجميد الأموال والودائع، قطع العلاقات الديبلوماسية…) وهي تتدرّج من إحداها إلى جميعها بهدف إخضاع حكومة البلد المعني وفرض النموذج والإصلاحات الاقتصادية التي تخدم الشركات والبنوك الدولية أو زعزعة استقراره وخلق صراعات داخلية وكذلك عبر دعم المجموعات المعارضة العميلة والتشكيك في شرعية المؤسسات المنتخبة وفي النهاية جرّ تلك الحكومات إلى الانصياع لرغبات الامبريالية ومؤسساتها للسيطرة والهيمنة على المقدرات الوطنية والتفريط في السيادة الوطنية والاستقلال والسقوط في فخّ التبعية. تنجرّ عن الحظر الذي يمكن أن يمتدّ لفترة طويلة عواقب مثل الركود الاقتصادي والتضخم المالي وما يتبعها من عواقب إنسانية مثل البطالة والفقر وتردّي الخدمات الأساسية في الصحة والسكن والتعليم والنقل وهجرة السكان خارج الوطن… الخ.
تروّج أبواق الدعاية الامبريالية أنّ الحصار الامبريالي موجّه ضدّ الأنظمة بينما تؤكد الوقائع والأحداث وتقارير عديد منظمات المجتمع المدني ذات المصداقية أنّ أوّل ضحايا الحظر في الحقيقة هي الشعوب أساسا وليست الحكومات أو المؤسسات سواء كانت وطنية أو تابعة لمحور منافس أو دكتاتورية وهو ما يتنافى مع أكاذيب الدعاية والشعارات الامبريالية التي تحاول مغالطة الرأي العام العالمي بالادعاء أنّ الحصار يهدف إلى الدفاع عن حقوق الإنسان أو مساندة الأقليات أو التصدّي لانتهاك الحريات أو مقاومة الإرهاب أو منع استعمال الأسلحة الكيميائية… الخ.

الآثار المدمّرة لسلاح الحصار الامبريالي

عديد البلدان شهدت العقوبات والحصار من طرف الامبريالية العالمية والغربية بصفة أخصّ، البعض لم يصمد والبعض ما زال إلى اليوم يقاوم والأمثلة كثيرة (روسيا، بيلاروسيا، كوريا الشمالية، سوريا، الكونغو الديمقراطية، أفغانستان، غواتيمالا، غينيا، بورندي، البوسنة…) ونتناول في مقالنا بعض الأمثلة الأبرز التي ما زالت تعاني إلى حدّ اليوم وهي كوبا التي تعاني الحصار منذ سنة 1962 لمواقفها المعادية للنظام الرأسمالي الامبريالي إثر الثورة المظفرة وفنزويلا ذات النظام الوطني المعادي للامبريالية الأمريكية منذ 2017 وإيران المحاصرة منذ 1995 بذريعة منع امتلاكها السلاح النووي والتي لم ترضخ للضغوط الأمريكية وميلها للعب أدوارا إقليمية.
طيلة أكثر من ستين سنة صمدت كوبا رغم ما تعانيه من تبعات الحصار (أزمة اقتصادية حادة ونقص في الأغذية والأدوية والمحروقات) ويعيش قسم كبير من الشعب الكوبي في فقر مدقع ممّا اضطرّ ما يفوق الـ500 ألف كوبي للهجرة نحو الولايات المتحدة خلال سنتي 2022 و2023 فقط.
كما انعكس الحصار على فنزويلا بأن ارتفع التضخم عند الاستهلاك إلى 360% وهو الأعلى في العالم ممّا نتج عنه فقدان عديد المواد الغذائية وتضخم القطاع الموازي ومعاناة 11.7% من السكان من سوء التغذية، ناهيك أنّ نسبة البطالة تبلغ 5.9%.
وبالنسبة لإيران ذات النظام الأوتوقراطي وحكم الملالي المعادية لأمريكا منذ سقوط نظام الشاه العميل فإن الحصار أثّر على الشعب الإيراني وأطفاله ونساءه بالسلب إذ أصبحت نسبة التضخم مرتفعة (في حدود 35%) وارتفعت نسبة البطالة في صفوف الشباب إلى نسبة 22%.

أشكال المقاومة والتضامن

إنّ نجاح هذه البلدان في الصمود أمام جرائم الحظر والحصار تمّ عبر عديد الإجراءات وأهمّها اعتماد ما يسمّى باقتصاد الحرب أي بالاستغناء عن الكماليات والاعتماد على الفلاحة العائلية لتحقيق الأمن الغذائي وتطوير الصناعات المحلية الخ… علما وأنّ هذه البلدان وجدت المساعدة من طرف قوى دولية حليفة أو فيما بينها ما مكنها من فكّ جزئي للحظر مثلما هو الحال في فنزويلا التي تلقت مساعدات ومعدات إيرانية لمساعدتها على تكرير النفط أو كما تساعد روسيا والصين إيران . تلقى هذه الدول الدعم السياسي من كل أحرار العالم الذين يرفضون التدخل الامبريالي ضد الشعوب بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع الأنظمة الحاكمة اقتناعا منهم بحق الأمم في تقرير مصيرها والدليل على ذلك ما تشهده مدن العالم من مسيرات وتظاهرات لدعم الشعوب الكوبية والفنزويلية والإيرانية مثلما تتظاهر ضد الحروب الامبريالية وضدّ حرب الإبادة الصهيونية على غزة والتعبئة المتواصلة من أجل السلم.

إلى أيّ مدى يمكن للأنظمة الدكتاتورية الصمود في وجه العدوان والحصار والحظر

إنّ أكبر ضمانة لمقاومة الاعتداءات الاستعمارية والحصار والحفاظ على الاستقلالية الاقتصادية والسياسية عن مختلف الأقطاب هو الحكم الديمقراطي الذي يوفر التوزيع العادل للثروة ويحترم الحريات الفردية والعامة وهو ما حصل فعليا مع البلدان الاشتراكية التي لم تتمكن القوات الغربية ولا الفاشية من هزمها إذ حققت انتصارات عسكرية خلصت الشعوب من خطر الرأسمالية المتوحشة ونموا مذهلا لاقتصادياتها وذلك بفضل التفاف الشعوب الحرة حول قيادة الطبقة العاملة وأحزابها الاشتراكية. وبالمقابل لم تصمد الأنظمة الاستبدادية الحاكمة بالحديد والنار وخانت شعوبها وارتمت في أحضان القوى الخارجية وأكبر دليل ما تشهده بعض الأقطار العربية وآخرها ما حصل في سوريا التي عانى شعبها من العقوبات الأمريكية (قانون قيصر) فهاجر خارج البلاد ملايين العائلات والشباب منذ 2017، لقد فرّ بشار الأسد إثر غزو المجاميع الإرهابية دمشق التي لم تلقَ أدنى مقاومة بعد أن دمّرتها العائلة الحاكمة على مدى ستة عقود بالفساد والقمع الوحشي وقطع الأرزاق وتوريث الحكم ويتواصل تفتيت سوريا إلى مقاطعات تحت هيمنة قوى دولية وإقليمية متعددة مثل أمريكا وتركيا والكيان الصهيوني وروسيا… الخ. بحكم ضعف نسيج المجتمع المدني وضعف الأحزاب الثورية.

ماذا عن الحكم الشعبوي في بلادنا؟

لم يتعظ نظام الحكم في تونس من دروس التاريخ البعيد والقريب ليواصل نهج الاستبداد والقمع وتلجيم الأفواه كما يواصل الاعتماد على الاقتراض وتطبيق الوصفات والإجراءات اللاشعبية وإثقال الطبقات الفقيرة بالضرائب ممّا دفع بالشباب للهجرة والحرقة هروبا من جحيم البطالة وتدني مستوى المعيشة كما أنه في مجال السياسة الخارجية لا يتوانى عن اتباع نفس توجهات منظومات الحكم السابقة وربط العلاقات مع رموز اليمين المتطرف في إيطاليا ومع حلف الناتو وإرضاء للإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني ورفض سنّ قانون تجريم التطبيع تحت غطاء شعارات ديماغوجية. إن السلطة تعلم أنّ أيّ موقف داعم للقضية الفلسطينية أو التجرؤ على قطع العلاقات الديبلوماسية مع البلدان المجرمة حليفة الكيان الصهيوني مثلما تنادي به حناجر أبناء شعبنا سينجرّ عنه الحصار وغضب أولياء نعمته ولن يجد في النهاية لا الحماية ولا المساندة من الشعب ويكون مصيره ككل المستبدين والطغاة الهروب وترك الشعب أمام مصيره.

إلى الأعلى
×