الرئيسية / الافتتاحية / رياح الحركة الاجتماعية تجري بما لا تشتهيه سفن الديكتاتور
رياح الحركة الاجتماعية تجري بما لا تشتهيه سفن الديكتاتور

رياح الحركة الاجتماعية تجري بما لا تشتهيه سفن الديكتاتور

يبدو أنّ تلّذذ نظام الحكم وجوقة مسانديه بالهدوء الاجتماعي على مشارف الانتهاء تحت عودة الرّوح للحركة الاجتماعية التي عبّرت عن حيويتها مرّة أخرى من خلال فعاليات مختلفة للدّفاع عن حقوقها المنتهكة بسبب توحش الخيارات الاقتصادية والاجتماعية لنظام شعبوي فاشستي أخذ على عاتقه تحت ضوضاء خطاب ديماغوجي مهمّات غلق قوس الثورة وتصفية كلّ مكتسباتها.
فالأيّام القليلة الماضية قدّمت أدلّة إضافية لا تقبل الدّحض على تنامي الحراك الاجتماعي واتساع مجالاته جغرافيا وبشريا مع تعدّد الأشكال والأساليب المتبّعة.
فالبلاد عرفت وستعرف موجة إضرابات قطاعات نقابية كثيرة (الشباب والطفولة، التعليم الثانوي، القيمون والقيمون العامون…) يكاد يكون القاسم المشترك بين جميعها مطالب مادية ومهنية قديمة تنكرّت لها سلطة التسويف والعقوق.
والملفت للانتباه أنّ سلسلة الإضرابات التي تمّ تنفيذها أو تلك التي لا زالت تنتظر الإنجاز جاءت في أغلبها بعيدا عن تأطير البيروقراطية النقابية المنغمسة في إدارة حرب شقوقها المتناحرة كما لم يحدث على ضمان مصالحها الخاصّة وتأمين امتيازاتها على حساب الشغالين ووجود المنظمة النقابية نفسها.
وبالتوازي مع هذه الصحوة النقابية المنفلتة عن قبضة التحكّم البيروقراطي دخلت إلى حلبة الصراع ضدّ سياسات الإهمال والتهميش فئات وشرائح اجتماعية مثل أصحاب الشهائد المعطلين كالدكاترة وغيرهم الذين تعدّدت مسيراتهم الغاضبة ووقفاتهم الاحتجاجية.
تزايدت بؤر الاحتقان والاحتجاج الاجتماعي إلى فضاء أرحب طالت شراراته بعض المناطق مثل حي التضامن بأريانة أو “منزل شاكر بصفاقس” وارتفعت وتائر ذاك الاحتجاج في جهة “قفصة” حيث انطلق الغضب بمدينة “أم العرائس” بمسيرة شعبية حاشدة أعقبها إضراب عام محلي دعمته “الرديف” بوقفة احتجاجية ومسيرة وختمته مدينة “قفصة” بيوم غضب جهوي بدعوة من هيئات المجتمع المدني.
تعدّدت روافد النهوض واختلفت قوادحه وأعادت إلى الواجهة ولو جزئيا حيوية الفضاءات الجامعية ونضالية الاتحاد العام لطلبة تونس مثلما حدث في “سيدي بوزيد” أو “رقادة – القيروان”…
حراك هذه الأيام عكس بداية تحوّل في المزاج العام أضحى ميّالا نحو مغادرة مربعات اليأس والتذمّر إلى ضفّة الاحتجاج الإيجابي القائم على الفعل بوسائل نضالية فيها المزاوجة بين الإضراب والتظاهر الخ…
يمعن نظام الحكم في تنفيذ خياراته التدميرية للبلاد والعباد ويمعن في خنق المجتمع بواسطة أوّلا ترسانة قوانين قمعية في صدارتها المرسوم 54 وثانيا من خلال قضاء تعليمات مدّجن تدعمه قبضة أمنية مارقة عن كلّ ضوابط قانونية ومنفلتة عن كلّ رقابة ومحاسبة.
يختنق المجتمع كما لم يحدث وتضيق فضاءات الفعل السياسي والنقابي والحقوقي إلا أنّ هذا الحراك بفاعليه المختلفين يشقّ بداية الطريق لتضييق الخناق على الطاغية وداعميه من مساندي مسار الثورة المضادّة.

إلى الأعلى
×