الرئيسية / صوت الوطن / محاكمة المحاكمة
محاكمة المحاكمة

محاكمة المحاكمة

  • بعد سنتين من اعتقال المتهمين في “قضية التآمر” انطلاق أولى جلسات المحاكمة
  • تأجيل النظر إلى يوم 11 أفريل ورفض مطالب الإفراج
  • رفض واسع للمحاكمة عن بعد و”مهزلة قضائية” لا سابق لها
  • ”صوت الشعب” تحاور إلياس الشواشي ابن المعتقل السياسي غازي الشواشي

بقلم سمير جراي

بعد أكثر من سنتين قضّوها في سجون نظام قيس سعيد انطلقت أخيرا محاكمة المتهمين في قضية ما يعرف بـ”التآمر على أمن الدولة” التي أصبحت قضية رأي عام وطني ودولي، ومنذ إصدار بطاقات الإيداع بالسجن في حق المعتقلين في هذه القضية في نهاية شهر فيفري سنة 2023 تعالت الأصوات في تونس بخطورة القضية وطابعها السياسي لما عرفته من خروقات إجرائية وقانونية وخلو الملف من أيّ أدلّة وإثباتات ولا حتى وجود تهم واضحة موجهة للمتهمين سوى الاتهام بالتآمر على أمن الدولة بسبب معارضتهم لقيس سعيد ونظامه، حتى صارت القضية محل تندّر كبير بين التونسيين بسبب عدم جدية التهم وفشل التحقيقات في إثبات أيّ “تآمر”، وانتشرت تدوينة على موقع فايسبوك مفادها (يا لهم من معارضين… لقد أثبتت التحقيقات أنهم معارضون).
وبعد عامين كاملين عانى فيهما المعتقلون السياسيون ويلات السجون التونسية التي تشبه معسكرات التعذيب بسبب سوء ظروفها من اكتظاظ وروائح كريهة وعدم توفير دورات المياه (المراحيض) بشكل يليق بالبشر، وغياب وسائل التدفئة شتاء والتكييف صيفا فضلا عن وجبات الطعام البائسة التي يقدّمونها، وحتى انتشار الأمراض الخطيرة والمعدية مثلما حصل منذ أيام في سجن النساء بمنوبة وبالتحديد في الزنزانة التي تقيم بها سجينة الرأي الإعلامية سنية الدهماني من انتشار لداء “الجرب”.
بعد كل هذه المدة والتي لم يستمع فيها القضاة إلى المتهمين في قضية من المفترض أنها على درجة كبيرة من الخطورة (حسب رواية السلطة) بعد قرار إيداعهم، انتصبت محكمة الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب بابتدائية بتونس يوم الثلاثاء 4 مارس وتقرر تأجيل النظر في القضية إلى 11 أفريل المقبل ورفض مطالب الإفراج.

رفض واسع للمحاكمة عن بعد

وبالعودة إلى أطوار المحاكمة التي وصفت بالمهزلة من قبل المحامين والمختصين والحقوقيين فقد مثل قرار إجراء المحاكمة عن بعد للمتهمين الموقوفين أهمّ خلل إجرائي يضرب مصداقية المحكمة وشروط المحاكمة العادلة، وبالرغم من أنّ الجلسة كانت علنية وحضرها صحافيون تونسيون وأجانب، فضلا عن حضور عائلات المتهمين، إلا أنّ محاميي الدفاع تمسّكوا بإيقاف أولى الجلسات إلى حين إحضار الموقوفين وكذلك الشهود إلى قاعة المحاكمة.
محامو الدفاع البالغ عددهم قرابة المئة محامي، دارت جلّ مرافعاتهم حول عدم إحضار المتهمين رافضين أن يكونوا طرفا من “مسخرة قضائية” كما وصفت في عدة مرافعات، وأكدوا مطلبهم الأساسي وهو علنية الجلسة، وأنّ شروط المحاكمة العادلة تبدأ من هذا الشرط المبدئي، ووصفت مرافعات المحامين قرار حرمان المتهمين من الحضور في قاعة المحكمة بالسياسي مطالبين بعلنية الجلسة وإلا فإنهم لن يكونوا جزءا منها”.
في هذا السياق تحدثت عضو هيئة الدفاع دليلة مصدق في مرافعتها عن المحاكمة عن بعد مؤكدة أنّ الموقوفين هم أساتذة في القانون الدستوري ومحامون وأكاديميون وليسوا بالإرهابيين ولا بالمجرمين، وسجّلهم خال حتى من المخالفات وقد مارسوا حريتهم، وناضلوا سنوات طويلة، والمحكمة هي المخوّلة لإحضارهم وهي الوحيدة المخوّلة لأخذ قرار إجراء المحاكمة حضوريا أو عن بعد.
المحامي العياشي الهمامي والمتهم بدوره في القضية (في حالة سراح) قال إنه يرفض تغييب بقية المتهمين الذين رفضوا الحضور عن بعد، متمسكا بحضورهم كشرط أساسي لمواصلة الجلسة، من جانبه أوضح المحامي سمير ديلو في مرافعته أنه لا يوجد “خطر حقيقي” في هذه القضية يستوجب المحاكمة عن بعد وحتى وإن وجد فإنه لا يبيح تنظيم المحاكمة عن بعد و إنما يبيح المحاكمة السرية ويمكن حينها عدم طلب موافقة المتهمين ليخلص إلى الأخطاء التي ارتكبت والإجراءات غير القانونية المتبعة في المحاكمة.

نجيب الشابي حُوكم في نفس هذه المحكمة منذ أكثر من 50 عاما وبنفس التهم

أمّا المتهم أحمد نجيب الشابي الحاضر بحالة سراح فقد طالب بإجراء جلسة حضورية لجميع المعتقلين السياسيين ودون ذلك فهو غير معني بالمحاكمة، قائلا: “حتى في محاكمات الرأي زمن الرئيس الراحل بن علي ورغم كل الفوضى والتفجيرات فإنها جرت حضوريا”. وللذكرى فقد حُوكم أحمد نجيب الشابي في نفس هذه المحكمة منذ أكثر من 50 عاما في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة وبنفس هذه التهم.
وقد اقتصر الحضور عن بعد فقط على متهمين اثنين هما السيد الفرجاني وحطاب سلامة فيما رفض بقية المعتقلين المحاكمة عن بعد.
من جهته خاطب المحامي والقاضي الإداري السابق أحمد صواب قاضي الجلسة بكلمات مؤثرة مسّت كل من في القاعة وتداولها النشطاء على المواقع الاجتماعية قائلا: “رانا نعرفو بعضنا والدنيا دوارة”.

فوضى واكتظاظ في المحكمة وأبسط التجهيزات اللوجستية غير متوفرة

بخصوص ظروف الجلسة وحقيقة بعض الأمور تحدث الصحافي سعيد الزواري لـ”صوت الشعب” قائلا: “كانت نقطة الضعف الرئيسية على مستوى الترتيبات اللوجستية والتجهيزات داخل قاعة الجلسة ويبدو أن هيئة المحكمة أيضا تفاجأت بهذه النقطة أو لم تحسب لها أيّ حساب (لا القاضي يسمع المحامين، ولا المحامون يسمعون الموقوفين، ولا الموقوفون يفهمون من الشاشة ما يجري) ما استدعى رفع الجلسة بطلب من المحامي سمير ديلو بتوفير مضخم صوت، وعادت الجلسة للانعقاد من جديد لكن بنفس الصيغة حيث لم تتمكن المحكمة من توفير المضخمات وسمعت القاضي يجيب ديلو بأنه تعذر توفير المضخمات باعتبار أنّ المتوفر هو تجهيزات تتبع التلفزة ولا تملك المحكمة تجهيزات”.

لم يجر استدعاء المتهمين ممّن هم في حالة سراح وحضروا من تلقاء أنفسهم

وأضاف الصحافي الذي واكب أطوار القضية وحضر الجلسة أن: “هناك نقطة ضعف أخرى وقع إغفالها أو إهمالها وهي عدم استدعاء أيّ متهم ممّن هم في حالة سراح بل حضروا من تلقاء أنفسهم، وهم أحمد نجيب الشابي وشيماء عيسى والأزهر العكرمي والعياشي الهمامي والبقية، كما أنّ بعض المتهمين في حالة فرار كما قالت المحكمة، وتمّ تدوين هذه النقطة”.
وبيّن الزواري: “الإشكال أنّ بعض الموقوفين كانوا في سجون أخرى مثل بلي والمسعدين ويفترض أنّ الخطر الذي تعللت به المحكمة لإقرار المحاكمة عن بعد يحول دون إخراج الموقوفين من السجن وتنقلهم للمحكمة، فلماذا تمّ نقل السيد فرجاني من المسعدين إلى المرناقية؟”.
وبخصوص ما قيل عن رفض بعض المتهمين الحضور أوضح الزواري: “حدث ارتباك في بداية المناداة على الموقوفين، حيث أجاب أحد أعوان الأمن عند المناداة بأن المتهم رفض الحضور، وعندما طالب المحامون بوثيقة كتابية ممضاة من الموقوف تؤكد رفضه الحضور، لم يتلقوا إجابة سوى شهادة من بعض المسجونين معه بأن إدارة السجن قد استدعته ورفض الحضور وتكرر الأمر مع الموقوفين في المرناقية”.

إلياس الشواشي: الجلسة كانت جلسة تعليمات بعنوان من يحاكم من؟

إلياس الشواشي

إلياس الشواشي

وبمناسبة انطلاق جلسات المحاكمة حاورت “صوت الشعب” إلياس الشواشي ابن المعتقل السياسي والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي وقال الشواشي معلقا على جلسة المحاكمة: “بداية أعتبر أنّ هذه القضية هي قضية تآمر السلطة على المعارضة وليس تآمر المعارضة على أمن الدولة، هذه قضية ليس فيها أيّ حقائق وهي تستند فقط على وشايات، وعلى اتهام المعارضين بلقاء مع دبلوماسيين، وعلى سعيهم لتنسيق مؤتمر أو حوار مع بقية مكونات المعارضة وهو أمر قانوني وشرعي، كما أنها تستند إلى سردية ساقطة لأن تهمة بحجم (التآمر) تستوجب أدلة دامغة وقرائن واضحة وإثباتات ومحجوزات تؤكد سعي المتهمين لارتكاب الجرائم المزعومة عن طريق السلاح وغيره مثلما يحددها القانون”.
وبخصوص جلسة الثلاثاء وصف محدثنا الجلسة بأنها: “سياسية بامتياز وغير علنية بما أنّ المحكمة لم تحضر المتهمين وهي جلسة تعليمات بعنوان من يحاكم من؟ لأن محامي الدفاع هم من حاكموا القاضي شخصا والسلطة عموما”.
وبسؤال “صوت الشعب” عن مدى قابلية عائلات المتهمين في نهاية الأمر بالمحاكمة عن بعد؟ أوضح نجل المعتقل السياسي: “طبعا لم نقبل بالمحاكمة عن بعد ولن نقبل، والمحامون رافعوا من أجل التأجيل ومن أجل أن تكون الجلسة المقبلة بحضور المتهمين في حالة سراح كونهم لا يمثلون خطرا على المجتمع، ونؤكد أن المحامين طالبوا بمحاكمة في حالة سراح لا بالإفراج لأنه قانونيا لا يوجد مصطلح المحاكمة في حالة سراح لذلك تؤول من المحكمة والنيابة بأنها مطالب إفراج، وقد رفضت وهذا منتظر”.
وأكد قائلا: “لن نقبل بالمحاكمة عن بعد ولكن لن نترك لهم المجال ونغيب نهائيا عن المحكمة لأن القاضي حينها سيحكم بالأحكام الجاهزة أمامه والتي تتراوح بين المؤبد والإعدام ولا نريد أن يحدث ذلك، ويجب أن نكون ندّا لهم ونواصل المقاومة السلمية والقانونية وسلاح العدالة وبرموز النضال السياسي”. وأضاف أنّ: “الهدف الأساسي هو عدم إتاحة الفرصة لهم لإصدار أحكامهم الجاهزة وأعتقد أننا نجحنا وهو أول إنجاز في أولى المعارك بما أننا تمكنا من التأجيل إلى 11 أفريل وليس نهاية مارس وهو ما يعني أنهم بحاجة إلى قرار جديد بالمحاكمة عن بعد وهي فضيحة جديدة لهم”. كما بيّن الشواشي أنّ: “المحكمة تخشى من جلب المتهمين لأن هناك تخوفا من أن تصبح هي في موقع المتهم وتتعرض للمحاكمة من المتهمين”.
الشواشي: لا أحد سيغادر السجن إلا في حال سقوط هذا النظام أو شعوره بالخطر
وفي إجابة عن سؤالنا عمّا إذا رفض المعتقلون فعلا المثول عن بعد أم أنهم رفضوا المثول نهائيا أمام المحكمة أوضح محدثنا أنّ: “غازي الشواشي وجوهر بن مبارك ورضا بالحاج وعبد الحميد الجاصي والبقية رفضوا بالفعل التوجه إلى القاعة المخصصة في السجن للمحاكمة عن بعد، كما أنهم رفضوا الإمضاء بالرغم من عدم قانونية هذا القرار الترتيبي خاصة مع حدوث عملية تزوير وتدليس لأن المحكمة استدلت بشهادة سجناء حق عام من سجن المرناقية تفيد برفض المتهمين المثول في حين أن جوهر بن مبارك في سجن بلي وليس المرناقية وهو اعتداء صارخ وتجاوز للقانون ويعتبر فبركة”.
ولأن هذه القضية سياسية بامتياز، سألنا إلياس الشواشي عن توقعاتهم من ردّة فعل السلطة السياسية وهل يمكن أن تتراجع تحت حجم الضغط وتطلق سراح السجناء فأجاب: “سلطة قيس سعيد برنامجها الأوحد والوحيد يقوم على التآمر والخونة والمحتكرين والعملاء واللوبيات وبالتالي فلا أحد سيغادر السجن إلا في حال سقوط هذا النظام أو في حال شعوره بالخطر والارتباك والرعب من أن يسقط في أيّ لحظة، وحينها وتمسّكا منه بالكرسي سيتنازل ويطلق سراح معارضيه”.
الشواشي: لا أمل لنا ولا ثقة بأن هذا القضاء سيكون عادلا تحت إمرة هذا النظام
وعن مدى ثقتهم في القضاء والأمل في ضمير القاضي يقول: “نحن نعيش بالأمل والصمود والصبر والثبات على مبادئنا ولكن لا أمل لنا ولا ثقة ولا إيمان بأن هذا القضاء سيكون عادلا تحت إمرة هذا النظام، ليس لدينا الثقة وهدفنا هو الضغط بكل قوة كل من من ناحيته وبمجهوده من أجل إطلاق سراح المساجين وإسقاط هذا النظام، فالقضاء في تونس أصبح مدجّنا وراكعا وهو قضاء تعليمات، وللأسف تونس أضاعت فرصة تاريخية منذ الثورة في إصلاح منظومة القضاء”. وأشار إلياس الشواشي إلى أنّ أبرز دليل على عدم استقلالية القضاء هو أن “قاضي التحقيق سمير الزوابي الذي أصدر بطاقات إيداع في حق المتهمين هرب إلى قطر وصدرت فيه بطاقة جلب بتاريخ 7 ديسمير 2024 (على مسؤوليتي) ومتهم بالتآمر والتخابر”.
وختم محدثنا كلامه برسالة أكد فيها صمودهم وأملهم وعزمهم على مواصلة النضال من أجل إطلاق سراح المساجين، وأنهم لن يتوانوا عن التصدي للظلم بكل الطرق القانونية والسلمية.

إلى الأعلى
×