الرئيسية / عربي / سوريا: تسارع سقوط الأقنعة وانكشاف طبيعة النظام الدموي
سوريا: تسارع سقوط الأقنعة وانكشاف طبيعة النظام الدموي

سوريا: تسارع سقوط الأقنعة وانكشاف طبيعة النظام الدموي

بقلم عمار عمروسية

تمكنّت مواقع التواصل الاجتماعي مرّة أخرى من تحقيق الغلبة على بعض وسائل الإعلام الرسمية في الساحتين العربية والدولية.
فمشاهد المجازر المروّعة بالساحل السوري شقّت طريقها إلى النّور بمجهودات الإعلام الشعبي القائم من جهة على توثيق المدونين/ات ومن ناحية أخرى على تعدّد المبادرات المواطنية التي بفضلها أمكن للرأي العام العربي والدولي الوقوف على بشاعة المذابح التي راح ضحيتها أكثر من ألف مدني أعزل من بنات وأبناء الشعب السوري.
فمقاطع الفيديوهات ومختلف التسجيلات التي ألهبت مختلف شبكات التواصل لعبت دورا حاسما على مستويات عديدة أوّلها فتح الأعين على الطبيعة الدموية والاستبداية المتوحشّة لحكم “الجولاني” وثانيها السمة الطائفية الموغلة في الشهوات القوية للتّقتيل والانتقام وثالثها دخول الشقيقة “سوريا” بخطى متسارعة نفقا طويلا من إراقة الدّماء والاحتراب الأهلي المفتوح على حتميّة الانقسام الجغرافي ضمن “كنتونات” ضعيفة، سهلة الإدارة وحتّى الابتلاع سواء من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية أو من “تركيا” وبعض الرجعيات العربية الحاكمة.
فالمذابح الكبيرة التي عرفتها محافظتي “اللاذقية” و”طرطوس” في الأيام الماضية لم تكن سوى نقلة نوعية في منهج عدواني برز منذ الساعات الأولى لقبض “هيئة تحرير الشام” على الحكم، حيث سارعت مختلف الميليشيات الإرهابية إلى تنظيم أعمال إجرامية ضدّ الأهالي تحت تعلاّت ملاحقة فلول النظام القديم ومعاقبة الحاضنة الشعبية لآل الأسد.
فالساحل السوري لاعتبارات طائفية وتاريخية – سياسية هي منذ انهيار سلطة “بشار” كانت هدفا للتنكيل والاضطهاد الذي تجاوز حدود “العلويّين” وطال باقي الأقليات من “مسيحيّين” و”أشوريّين” لم يسلم منه حتى المكوّن العربي السني”.
فالمنطقة بمن فيها بالرّغم من مسارعة “الجولاني” لزيارتها وطمأنة أهاليها ظلّت في منظوره ساحة تصفيات حسابات قديمة. فكانت البدايات بحملات قمع صامتة فيها الاعتقالات والاغتيالات المدروسة وانتهت إلى فظاعات فيها حرق المنازل ونهب الممتلكات والإعدامات الجماعية في الشوارع والساحات العمومية.
فالقتل تحت سلطة “الجولاني” وفق أدلّة لا تقبل الدّحض تمّ على أساس المذهب والطائفة وكان عابرا لهما رغم تركزّه على “العلويّين” بمدينتي “جبلة” و”بانياس”.
فعمليّات القتل كانت باعتراف الكثير من الجهات المعروفة بمناصرتها للحكم القائم كانت واسعة وفظيعة الأمر الذي دفع “رامي عبد الرحمان” مدير المركز السوري لحقوق الإنسان لا يتوانى في القول أثناء إحدى مداخلاته التلفزية “ما يحدث في الساحل تكرار لما عرفناه زمن الأسد…” مضيفا “ما نراه هناك يجعلنا نعتقد أنّ بشار عاد لحكم سوريا…”!!
ما من شكّ في أنّ صفحة حكم “آل الأسد” قد طُويت ومن المستحيل تقريبا إعادة ساعة حاضر السوريات والسوريين إلى تلك الحقبة الدموية البائسة غير أنّ القادم وفق مجمل وقائعه استنساخ أكثر مخاطر على الشعب والوطن.
كيف لا؟ والنظام القديم طائفي في العقلية، استبدادي في إدارة الشأن العام أمّا ورثته فهم جماعة من طائفة مشبعين من فقه القاعدة وداعش.
فإدارة “الجولاني” من خلال إدارتها لمجازر الساحل السوري كانت وفيّة للمنطلقات الفكرية والسياسية ليس فقط لحركة تحرير الشام وإنما لتنظيم القاعدة الذي يمقت المواطنة وينبذ مفهوم الدولة وهو ما تكشّف بصفة جليّة عندما استخدم “الجولاني” أكثر من مرّة في تصريحه وصف الموقوفين بالأسرى زيادة على مواظبته عن تقديم وعود “الأمان” لأهل الساحل من العهود الدينية لا من المواطنة والقانون.
والأنكى من ذلك تعمّد السردية الرسمية على سيل من الأكاذيب والمغالطات الهادفة إلى طمس الأسباب الحقيقية لنشوء بواكير مقاومة مدنية ومسلّحة ضدّ نهج الحكم القائم على الشمولية والعمالة.
فالخطاب الرسمي بقي أسير ترديد اسطوانة ممجوجة (تمردّ الفلول ودعم القوى الخارجية ضمن مراوحة واسعة تبدأ من الحشد العراقي وحزب الله وإيران مرورا إلى “روسيا”…) ولم يتزحزح قليلا إلاّ بعد افتضاح هول المذابح وتعالي الأصوات ضدّها من كلّ حدب وصوب فبدأ الحديث عن تجاوزات من عناصر غير ملتزمة الخ… وأردفها “الجولاني” باستنساخ عادة عربية تثير الريبة والسخرية في آن واحد فقام بتركيز لجنة لتقصّي الحقائق وفاض كرمه بثانية لتعزيز المصالحة مع الوعد بالمحاسبة!!!
قفز حاكم سوريا عن أبجديات التعاطي مع هذه الفظاعات ولم يكلّف نفسه لا الاعتذار ولا حتّى مواساة المتضررين وتعزية أهالي الضحايا واكتفى ببعض الإجراءات الشكلية المنسجمة مع مسحة الاعتدال الزائف التي تقتضيها من جهة ظروف الحكم بالدّاخل ومن جهة أخرى ضرورات استرضاء القوى الأجنبية.
إنّ وحشية الحكم مع أهالي الساحل وفجاجة التعاطي مع هذه المآسي دليل جديد على أنّ إنجاز المشروع الوطني الديمقراطي مهمّة ملقاة على عاتق القوى الوطنية والثورية المدعومة شعبيا ومن الوهم بل الغباء التعويل على ميلشيات تكفيرية موغلة في العمالة لبناء سوريا الجديدة.

إلى الأعلى
×